الانتخابات الفرنسية.. ماكرون "يخشى" مصير شيراك
انطلق الفرنسيون صباح اليوم الأحد، إلى صناديق الاقتراع للتصويت في الانتخابات التشريعية، في استحقاق يعتبر مصيريا للرئيس إيمانويل ماكرون.
تلك الانتخابات التي دعي إليها الناخبون الفرنسيون البالغ عددهم 48 مليوناً، تهدف إلى تجديد كل مقاعد الجمعية الوطنية (البرلمان)، أي 577 نائبًا في استحقاق يجرى على دورتين، الأولى اليوم، فيما الثانية في 19 يونيو/حزيران الجاري.
ويواجه ائتلاف "معا" الذي يضم ماكرون وحلفاءه الوسطيين، منافسة "قوية" من ائتلاف أحزاب يسارية بقيادة جان لوك ميلانشون، في الانتخابات التي ستحدد نتائجها، مصير مشاريع الإصلاحات الجذرية التي يعتزم الرئيس الفرنسي القيام بها خلال ولايته الثانية، ولا سيما فيما يتعلق بالمعاشات التقاعدية.
وبحسب استطلاعات الرأي، فإن ميلانشون (70 عاماً)، السياسي المخضرم الذي حل ثالثاً في الانتخابات الرئاسية، أثبت أنه خصم ماكرون الرئيسي، متقدماً على اليمينية مارين لوبان المرشحة في الجولة النهائية في الانتخابات الرئاسية.
تشارك السلطة
ويتزعم ميلانشون تحالفًا غير مسبوق يضم الاشتراكيين والشيوعيين والخضر بالإضافة إلى حزبه "فرنسا المتمردة"، ويطمح إلى الحصول على الأغلبية خلال الانتخابات التشريعية، مما سيمكنه من فرض تشارك السلطة مع الرئيس الوسطي إيمانويل ماكرون الذي سيعينه رئيساً للحكومة في حالة فوزه بالأكثرية.
ويسعى ميلانشون لمنع حزب ماكرون من الاحتفاظ بأغلبية برلمانية حاليًا وإخراج أجندته المحلية عن مسارها، ليتمكن من تحقيق مشاريعه والتي من بينها زيادة الحد الأدنى للأجور بشكل كبير، وخفض سن التقاعد إلى 60.
لكن لماذا الانتخابات النيابية هامة لماكرون رغم إعادة انتخابه رئيسًا لفرنسا؟ وماذا سيخسر الرئيس الفرنسي حال عدم فوز حزبه بذلك الاستحقاق الدستوري؟ أسئلة حسمتها وكالة "أسوشيتد برس".
خسائر ماكرون
وقالت "أسوشيتد برس"، إن مراقبين يعتقدون أن حزب ماكرون وحلفاءه قد يواجهون مشكلة في الحصول على أغلبية مطلقة (289 مقعدًا) هذه المرة، مشيرة إلى أن تحالف الرئيس الفرنسي سيخسر كثيرًا حال عدم فوزه بالأغلبية، بشكل سيفقده القدرة على تنفيذ أجندته كما كان من قبل.
وأوضحت أن حكومة ذات أغلبية كبيرة، ولكن ليست مطلقة، ستظل قادرة على الحكم، لكن فقط من خلال المساومة مع النواب.
ورغم التوقعات بفقدان تحالف ماكرون الأغلبية، إلا أن استطلاعات الرأي كانت في صف الرئيس الفرنسي، والتي منحته حوالي 260 إلى 320 مقعدًا ما يحقق له الأفضلية على منافسه، الذي مُنح فرصة ضئيلة للفوز بأغلبية، بعدد مقاعد قد يفوق الـ200 بقليل.
سيناريو كارثي
وبحسب "أسوشيتد برس"، فإنه سيكون لماكرون سلطات كبيرة على السياسة الخارجية مهما كانت نتيجة هذا الاستطلاع، لكن الأداء الضعيف لائتلافه يمكن أن يكون شوكة في خصره، حتى انتهاء ولايته الثانية البالغة خمس سنوات.
وحذرت الوكالة من أن هذا السيناريو قد يكون كارثيًا على أجندة الرئيس، والتي تشمل التخفيضات الضريبية وإصلاح الرعاية الاجتماعية ورفع سن التقاعد.
وأشارت إلى أنه إذا فقد ماكرون السيطرة، فسيصبح رئيسًا متعثرًا - مسؤولًا بشكل أساسي عن الشؤون الخارجية والدفاع وأوروبا، لكن القضايا الاقتصادية والمحلية الرئيسية ستقرر من قبل الحكومة.
من جانبه، قال أوليفييه روزنبرغ، أستاذ مشارك في الدراسات التشريعية في جامعة ساينس بو: "إذا فاز تحالف ميلانشون فإنه سيكون معاديًا جدًا لجدول أعمال ماكرون".
مصير جاك شيراك
كانت آخر مرة حصلت فيها فرنسا على رئيس وأغلبية برلمانية من أحزاب مختلفة قبل عقدين من الزمن، عندما وجد الرئيس المحافظ جاك شيراك نفسه يعمل إلى جانب رئيس الوزراء الاشتراكي ليونيل جوسبان، في سيناريو مشحون لتقاسم السلطة.
وفي محاولة لتجنب هذا ومنع الجمود، تم تغيير الدستور في عام 2000 لتقليص فترة الرئاسة من سبع إلى خمس سنوات ونقل الانتخابات البرلمانية إلى نفس الدورة ذات الخمس سنوات.
لكن التصويت هذا العام أقرب مما كان عليه منذ سنوات، فإذا فازت لائحة التحالف اليساري الجديد فسيضطر ماكرون إلى تعيين رئيس وزراء من هذا التحالف، مما سيدفع رئيسة الوزراء الحالية إليزابيث بورن إلى الاستقالة، وجميع أعضاء حكومتها، الذين سيتم اختيارهم من قبل رئيس الوزراء الجديد.
ما أهداف ميلانشون؟
وبعد أن احتل المركز الثالث في الانتخابات الرئاسية في أبريل/نيسان الماضي، ضغط الزعيم السبعيني لحزب "فرنسا المتمردة"، للاستفادة من هذه الشعبية.
وبحسب "أسوشيتد برس"، فإن الزعيم "الزئبقي" كما سمته، لديه رؤية جذرية لفرنسا وطريقة مسرحية لعرضها، دفعت وزير المالية الفرنسي برونو لومير لوصفه بأنه "جاليك شافيز"، مقارنا إياه بالرئيس الفنزويلي الراحل.
وخفف ميلانشون مؤخرًا نبرته لجذب المزيد من الناخبين اليساريين التقليديين، واتخذ موقفًا مؤيدًا للبيئة بحزم، مما جلب له دعمًا متزايدًا من الشباب.
ويرغب ميلانشون في إلغاء الجمهورية الخامسة، التي أسسها شارل ديغول في عام 1958، لصالح الجمهورية السادسة بهدف جعلها أكثر ديمقراطية وقائمة على البرلمان، بدلاً من النظام الرئاسي الحالي، كما يريد خفض سن التقاعد إلى 60، واستعادة ضرائب الثروة ورفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 15%.
قضايا على المحك
يعاني الناخبون من ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، مما سيلقي بظلاله على نتائج الانتخابات النيابية ويجعل الأفضلية لخطط ميلانشون الهادفة لرفع الحد الأدنى للأجور إلى 1400 يورو شهريًا، في مقابل ماكرون الذي يأمل أن تنجح مبادراته لتعزيز النمو وإنتاج الغذاء في اكتساب ثقة الناخبين.
"عنف" الشرطة أحد القضايا الرئيسية والتي قد توجه دفة الناخبين، وخاصة إثر إطلاق الشرطة النار في باريس، بعد أسبوع من إدانة قادة الشرطة لاستخدامهم الغاز المسيل للدموع ضد مشجعي كرة القدم في نهائي دوري أبطال أوروبا في العاصمة الفرنسية.
تلك الأزمة استفاد منها اليسار لانتقاد ماكرون بسبب أساليب الشرطة "الوحشية"، إلا أنه مع ذلك، يقول المراقبون إن أداء ماكرون جيد في نظر الناخبين فيما يتعلق بالقضايا الأمنية، وخاصة بعد أن اتخذ خطاً أكثر تشدداً من اليسار تاريخياً.
aXA6IDE4LjExOC4xMTkuMTI5IA== جزيرة ام اند امز