الانتخابات الفرنسية تعطي "قبلة الحياة" لاستطلاعات الرأي
نتائج الجولة الأولى للانتخابات الفرنسية أعادت الثقة مرة أخرى لاستطلاعات الرأي بعد جولات متتالية من الفشل والصدمة العام الماضي
شكلت السنوات الأخيرة فترة قاسية وصعبة بالنسبة لاستطلاعات الرأي، خاصة من حيث موثوقيتها ومستوى دقتها، حيث أخفقت في توقع الاستفتاء البريطاني الخاص بخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، وكذلك أخفقت في توقع فوز "دونالد ترامب" برئاسة الولايات المتحدة، ولكن مع انتهاء الجولة الأولى للانتخابات الفرنسية كتبت استطلاعات الرأي بداية جديدة من المصداقية.
وانتهت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية بتأهل المرشح الوسطي وزعيم حركة "إلى الأمام" إيمانويل ماكرون ومرشحة "الجبهة الوطنية" اليمينية المتطرفة مارين لوبان إلى الدورة الثانية من الانتخابات.
جولة أولى توقعتها استطلاعات الرأي الفرنسية بنجاح، لتعطي قُبلة الحياة لها مرة أخرى بعد فشل كارثي في أكثر من استطلاع، فحسب النتائج الرسمية تصدر ماكرون السباق نحو الإليزيه بنسبة 23,7%، متقدماً بفارق نقطتين على لوبان التي حصلت على 21,7% من الأصوات.
كما أدلى الناخبون الفرنسيون بأصواتهم بنسبة مشاركة بلغت 70,59%، وتوقعت استطلاعات رأي عديدة أن تكون نسبة الامتناع عن التصويت في الجولة الأولى بين 19 و22%، مما يعني بلوغ نسبة التصويت عند إقفال المراكز الـ80%.
حسب آخر استطلاع للرأي في فرنسا، أجرته شركة " Harris Interactive"، في مارس الماضي، تقدم ماكرون في الجولة الأولى على ماري لوبان بنقطة مئوية واحدة، وبنتيجة 26% للأول مقابل 25% للثانية.
وحسب هذا الاستطلاع، فإن ماكرون سيحقق النصر خلال الجولة الثانية من الانتخابات على مارين لوبان، بنتيجة 65% للأول مقابل 35% للثانية.
وحول نجاح استطلاعات الرأي الفرنسية حتى الآن في الانتخابات، قال يوسف بدر الخبير في شؤون الشرق الأوسط، لـ"العين": "بلا شك هناك حالة تأثير وتأثر بين الشرق والغرب، وهو ما انعكس بشكل واضح لدى اهتمامات المواطن والسياسي الغربي، الأمر هنا يمضي بطريقة جدلية وحتمية".
وأضاف أن أوروبا والعالم الجديد في أمريكا الشمالية قطعوا شوطًا طويلًا في المسار الليبرالي الذي تجاوز كل آلام الماضي التي تجسدت بشكل وحشي في الحرب العالمية الثانية.
ولذلك عندما أعلنت بريطانيا استفتاء البريكست وعندما ترشح دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، لم يكن أحد يفكر في نظرية "سكب الكأس"، كان الجميع يراهن أن العالم الغربي سيمضي إلى استئناف مساره الليبرالي وسينتقل إلى ليبرالية جديدة تظل فيها السلطة للمؤسسات دون الالتفات لمخاوف الإنسان الغربي.
وأكد يوسف، أن هذا الأمر جعل استطلاعات الرأي تفشل في التجربة البريطانية والأمريكية، لكن بالنسبة للتجربة الفرنسية كان الأمر مختلفًا؛ لقد تعلموا الدرس وأدركوا أن مخاوف الإنسان الغربي تقوده بقوه هذه المرة، فالخوف من ارتفاع نسب البطالة ومن جرائم اللاجئين ومن التحول الديموغرافي ومن وحشية الرأسمالية في مواجهة النظم الاجتماعية ومن خطورة الجدران المفتوحة أمام التطرف واستغلال المتطرفين للأراضي الحرة.
مفاجأة ترامب
فوز مفاجئ للمرشح الجمهوري دونالد ترامب، الذي وصفته جميع استطلاعات الرأي بالراسب ونجاح منافسته، هيلاري كلينتون، نتيجة الانتخابات الأمريكية الأخيرة، كشفت عن خلل واضح في استطلاعات الرأي وإخفاقها في توقع من سيصوتون فعليًا، برغم أن استطلاعات الرأي في الانتخابات الأمريكية لها إرث طويل من الدقة والثقة ولم تفشل إلا نادراً منذ أكثر من سبعة عقود.
ووصف الدكتور باسم الطويسي، الباحث والخبير الإعلامي، أن نتيجة الانتخابات الأمريكية كانت كارثية وصادمة على استطلاعات الرأي، وأن ما تعرض له استطلاعات الرأي، ليست المرة الأولى التي تذهب فيها عكس إرادة الناخبين.
ويتذكر الباحثون في التاريخ الديمقراطي الأمريكي الانتخابات الأمريكية عام 1943 التي تشبه الانتخابات الأخيرة، حينما ذهبت وسائل الإعلام والاستطلاعات عكس ما خلصت اليه النتائج تماما، الأمر الذي أحدث فيما بعد انقلابا كبيرا في نظريات التأثير الإعلامي وباتت الدراسات تنظر لتأثير وسائل الإعلام بنظرة أكثر عقلانية بعيدا عن هيمنة التأثير القوي الذي يقود المجتمع.
الاستفتاء البريطاني
وكما هو الحال في أمريكا، فشلت استطلاعات الرأي في بريطانيا في توقع نتيجة الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبي العام الماضي، فكانت جميع الاستطلاعات في حينها تتوقع وبقوة البقاء في الاتحاد الأوروبي وتراجع المعسكر المطالب بالخروج، لتأتي النتيجة عكس كل نتائج استطلاعات الرأي.
لم يكن هذا الفشل الأول، بل فشلت استطلاعات الرأي في توقع الفوز الكاسح لحزب المحافظين في الانتخابات العامة في بريطانيا من نفس العام.
وعلى إثر ذلك قامت المملكة المتحدة بتشكيل لجنة تقصي حقائق ما زالت تنظر في صناعة "استطلاعات الرأي" ومدى مصداقيتها والوسائل التي تعتمدها.
وقالت اللجنة أإن استطلاعات الرأي الإلكترونية، عبر البريد الإلكتروني أو غيره من وسائط الإنترنت، ليس دقيقة إطلاقًا بل يمكن أن تكون غير ممثلة للرأي العام إلى حد "الكذب" ، حتى الاستطلاعات عبر الهاتف لا تعتبر بدقة الوسائل التقليدية في القياس، وإن تضمنت عددا أكبر ممن تستطلع آراؤهم.
وجاءت نتائج الجولة الأولى للانتخابات الفرنسية لتُعيد الثقة مرة آخرى لاستطلاعات الرأي بعد جولات متتالية من الفشل والصدمة العام الماضي، وهنا يقول يوسف بدر، "إن استطلاعات الرأي الفرنسية، أدركت جيدًا الدرس من بريطانيا وأمريكا، والأصح أن نقول إن المواطن الفرنسي الأوروبي هو من أدرك الدرس لأنه أكثر حساسية تجاه قضايا بلاده، وفرنسا بلد فيها تنوعات أيديولوجية أكثر من الولايات المتحدة، وهو ما جعل المواطن الفرنسي يقف الآن أمام خيارين صعبين هما "لوبان وماكرون".