أسبوع من الغضب والشغب في فرنسا.. آفات وثغرات
أسبوع من أعمال الشغب في فرنسا، عانت فيها "بلاد الحريات" الكثير على وطأة العنف الذي كان اللغة السائدة في الشوارع، وسط محاولات من الشرطة الفرنسية لكبح جماح المحتجين.
إلا أن أعمال الشغب تلك التي ضربت مدنًا فرنسيًا عدة على مقتل الشاب نائل م. برصاص شرطي في نانتير في 27 يونيو/حزيران خلال تدقيق مروري، أعاد إلى الواجهة آفات عميقة يعاني منها المجتمع الفرنسي.
استخدام الأسلحة
بعد موجة الهجمات الإرهابية التي هزت فرنسا في عامَي 2015 و2016، طرحت الحكومة في فبراير/شباط 2017 قانونًا يخفّف من نواح معيّنة، الشروط القانونية لإطلاق النار من قبل الشرطيين، لا سيّما في سياق رفض الامتثال.
ولاحظ باحثون أن هذا القانون الجديد زاد من عدد حوادث إطلاق النار المميتة على مركبات خلال تحرّكها بخمسة أضعاف، وعاد هذا القانون ليثير الجدل مرة جديدة.
وتثير أيضًا الجدل التحقيقات التي تجريها المفتشية العامة للشرطة الوطنية المتّهمة بانتظام بحماية الموظفين الحكوميين المستهدفين بقضايا من هذا النوع.
ويضغط نواب اليسار ومنظمات غير حكومية وباحثون من أجل إنشاء وكالة مراقبة خارجية فعلية للشرطة تتمتّع بموارد وقوة أكبر من تلك التي يتمتّع بها "المدافع عن الحقوق" في فرنسا كما هو الحال في بريطانيا.
هل يثق الفرنسيون بالشرطة؟
أظهر استطلاع أجراه "المعهد الفرنسي للرأي العام" بعد مقتل الشاب نائل م، أن 30% فقط من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عامًا يقولون إن لديهم "ثقة" بالشرطة، مقارنة بـ43% لباقي السكان.
ومنذ العام 2021، تواجه الدولة الفرنسية قضية أمام مجلس الدولة بعد دعوى جماعية رفعتها مجموعة منظمات غير حكومية ضد "عمليات تمييزية للتحقق من الهوية" شجبها شباب متحدرون من أحياء شعبية أو مهاجرون.
وفي العام 2017، قال "المدافع عن الحقوق" في تقرير إن الشاب الذي يُنظر إليه على أنه أسود أو عربي معرّض أكثر بعشرين مرة للخضوع لتوقيف وتدقيق من عامّة السكّان.
وقال عالم الاجتماع الفرنسي أوليفيه غالان لـ"فرانس برس": "هناك اقتصاد موازٍ في العديد من هذه الأحياء، أنشطة منحرفة واتجار يشارك فيه عدد من هؤلاء الشباب. ويتسبّب ذلك بعمليات تفتيش أكثر تواترًا وبتوتر مع الشرطة، وبما نسمّيه أيضًا التمييز الإحصائي الذي يجعل من كل شاب مشتبهًا به بنظر قوات إنفاذ القانون".
ردّ جنائي
منذ بدء أعمال الشغب مساء 27 يونيو/حزيران على خلفية مقتل الشاب نائل م، أوقف 3625 شخصًا لارتباطهم بالاضطرابات بينهم 1124 قاصرًا، بحسب أرقام نشرتها وزارة العدل الثلاثاء. بين هؤلاء الأشخاص 990 مثلوا أمام قاضٍ بينهم 480 شخصًا حُكم عليهم خلال المثول الفوري، وسُجن 380 شخصًا.
وفيما يتعلّق بأعمال الشغب التي هزت فرنسا في العام 2005 طيلة ثلاثة أسابيع، أوقف 4728 شخصًا وأصدر القضاء أكثر من 400 حكم بالسجن. وفي العام 2015، أُفرج عن الشرطيَين اللذين حوكما لعدم مساعدة شخص في خطر بعد وفاة مراهقَين اثنَين أضرما النار في كليشي في ضواحي باريس.
وأودع الشرطي الذي قتل نائل الحبس الاحتياطي بعدما وُجّهت إليه تهمة القتل العمد.
سياسة مفيدة لكن
في فرنسا، يعيش 5,2 مليون شخص في أحياء فقيرة، أي نحو 8% من السكان، بحسب بيانات المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية للعام 2023.
وتتمثل سياسة المدينة، الممولة بشكل رئيسي من الوكالة الوطنية للتجديد الحضري والتي مُنحت خطتها الحالية (2014-2030) 12 مليار يورو، بتحسين المساكن في الأحياء التي تشكّل "أولوية" من خلال هدم حواجز وأبراج الإسكان الاجتماعي في 600 حي لاستبدالها بمبانٍ أصغر ومفتوحة أكثر واستهلاكها للطاقة أفضل.
لكن الجوانب الأخرى لسياسة المدينة، بما في ذلك التعليم والوصول إلى العمل والأمن ومكافحة التمييز، أُهملت بشكل كبير، حسبما يرى نواب وأكاديميون ومنظمات.
البطالة
مع أن مستوى البطالة لدى الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عامًا قد تراجع في فرنسا في السنوات الأخيرة، إلا أنه سجل 16,6% في بداية العام الحالي، في رقم أعلى بكثير من المعدّل البالغ 7,1%.
ويعاني الشباب المقيمون في الأحياء "ذات الأولوية" من البطالة ضعف ما يعانيه الشباب المقيمون في الأحياء المجاورة، لا سيما بسبب مستوى مؤهلاتهم المتدنّي، عندما يكون لديهم وظيفة، تكون لفترة محددة.
ويواجه الشباب أيضًا تمييزًا عند توظيفهم؛ فاستطلاع أجرته "المدافعة عن الحقوق" في العام 2021 على شباب تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عامًا، أظهر أن 41% من هؤلاء الشباب يواجهون تمييزًا مرتبطًا بالحيّ الذين يقيمون فيه، ويواجهون هذا التمييز معظم الأحيان خلال بحثهم عن عمل.
التعليم
المراهق نائل، الذي ربّته والدته بمفردها في حيّ بابلو بيكاسو بضاحية نانتير (غربي باريس)، لم يكن ملتحقًا بمدرسة.
وبحسب دراسات منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي حول الأنظمة التربوية، لا تزال فرنسا واحدة من الدول التي يُعدّ فيها الأصل الاجتماعي للفرد أهم عامل في تحديد مستقبله المدرسي.
والأسبوع الماضي، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مرسيليا أن المدارس التكميلية ستفتح من الثامنة صباحًا حتى السادسة مساءً أقلّه، وستكون روضة الأطفال متاحة للأطفال ابتداء من سنّ عامَين في أحياء التعليم ذات الأولوية، لكن لا تزال هناك الكثير من الصعوبات، بدءًا من إصلاح بطاقة التعليم ذات الأولوية ومسألة التنوع الاجتماعي الشائكة.
ويشكّل الشغور في مناصب المدرّسين مشكلة أخرى، بحيث بلغ مستوى غير مسبوق العام الماضي مع أكثر من أربعة آلاف وظيفة شاغرة، ولسدّ هذه الثغرات، يعتمد النظام على المتعاقدين الذين غالبًا ما يكونون صغارًا ويتمتعون بخبرة أقلّ.
تراخي العائلات
في مواجهة صغر سنّ بعض الموقوفين خلال أعمال الشغب، انتقد جزء من الطبقة السياسية "تراخي" الأهل. وذكّرت الحكومة، في تعميم أصدره الجمعة وزير العدل إريك دوبون-موريتي، بمسؤوليتهم المدنية عن الجرائم التي يرتكبها أطفالهم، غير أن بعض المنظمات تبقى حذرة في انتقاد العائلات.
وتقول منظمة "فامي دو فرانس" (عائلات فرسا) "إن الاستياء عميق (..) لكنه تربوي واجتماعي أيضًا وليس عائليا بحتا". وتتساءل الحكومة أيضًا حول الدور التي قد تكون لعبته شبكات التواصل الاجتماعي في تفاقم العنف.