نائل والشرطي في فرنسا.. من ربح المليون؟
قد تكون لك قاعدة شعبية واسعة لكن في حال لم تكن تلك الأصوات ممثلة في دوائر القرار السياسي أو الاقتصادي فإنها ستكون شبيهة بالعدم.
هذا ما أكدته مقارنة بسيطة بين حجم التبرعات الذي حصلت عليه عائلة الشرطي فلوريان قاتل الفتى نائل خلال عملية تفتيش مروري في ضاحية نانتير بالعاصمة باريس، وبين ضحيته.
فحتى الثلاثاء، تجاوزت حصيلة حملة جماعية لجمع الأموال لعائلة رجل شرطة فرنسي 1.4 مليون يورو (1.5 مليون دولار)، وهو ما يزيد على التبرعات التي جُمعت لصالح عائلة ضحيته نائل.
فارق شاسع يفجر تباينات وانقسامات المجتمع الفرنسي والهوة الفاصلة بين طبقاته وسيكولوجية تركيبة سكانية غير متجانسة إلى حد بعيد.
فارق وشروخ
حتى أمس، تجاوزت التبرعات للشرطي قاتل نائل بنحو 5 مرات ما حصلت عليه عائلة الضحية، وذلك ضمن حملات بدأها الإعلامي الفرنسي اليميني جان مسيحة في إطار جهود جمع الأموال عبر منصة (جو فند مي) الأمريكية.
ودعم مسيحة في الانتخابات الرئاسية 2022 المرشح إريك زمور وتلقى أكثر من 72 ألف تبرع خاص.
ووصف ساسة يساريون حملة جمع الأموال بالمخزية، بينما دافع اليمين المتطرف عن قوات شرطة يقولون إنها هدف يومي للعنف في الأحياء الشعبية المحيطة بالمدن الفرنسية.
ويعكس هذا الجدل صورة للشروخ العميقة في المجتمع الفرنسي.
وكتب مسيحة يقول في تغريدة عبر تويتر بعد تدشين الحملة، إن "هذا الشرطي ضحية لمطاردة محلية شريرة. هذه فضيحة"، مضيفا: "جهود جمع الأموال.. هي رمز لفرنسا التي تقول لا لهذه الخيانة".
ويواجه رجل الشرطة اتهامات بالقتل العمد وجرى وضعه رهن الاحتجاز.
وحث زعيم الحزب الاشتراكي أوليفيه فور منصة (جو فند مي) على وقف الحملة، وكتب عبر وسائل التواصل الاجتماعي: "أنتم تزيدون هوة تتسع بالفعل بدعمكم رجل شرطة يخضع للتحقيق في اتهام بالقتل العمد. أوقفوا هذا!"
وحتى الثلاثاء، بلغ إجمالي المبالغ المقدمة لعائلة نائل 352 ألف يورو.
وقال وزير العدل إريك دوبون-موريتي لإذاعة فرنسا الدولية إن كل شخص له الحق في التبرع لصالح حملة جماعية، لكنه أضاف "لا أعتقد أن (حملة مسيحة) تسير في اتجاه تهدئة الأوضاع".
لماذا؟
هذا هو الاستفهام الذي قد يقفز لرأس أي شخص تابع الأحداث الأخيرة في فرنسا التي اشتعلت عقب مقتل نائل برصاصة شرطي في صدره بنقطة تفتيش في نانتير.
فمن رأى الحشود الغاضبة في شوارع العديد من المدن الفرنسية ووقف شاهدا على حجم الاستهجان لمقتل الفتى و"عنصرية" الشرطة، سيصاب بالذهول حين يعلم أن الضحية حصل على تبرعات أقل بكثير من قاتله.
فارق شاسع يفسر أن حسم معادلة التفوق في مثل هذه الأمور لا يخضع للعدد، وإنما لحجم القوة الاقتصادية للفرد، فالعنصري الذي يكره سكان الأحياء الفقيرة على سبيل المثال يملك المال أكثر ممن تعرضوا للعنصرية، ولذلك سيدفع أكثر لضحية الجلاد لأن الضحية تظل هدفهم المشترك معه.
كما أن التمثيل السياسي للعرب والمسلمين عموما في فرنسا ضعيف نوعا ما، في نتيجة بديهية لضعف مشاركتهم في التصويت أثناء الانتخابات لاختيار من يدافعون عن حقوقهم ومطالبهم.
وهذه الشريحة عادة ما تكون محشورة في زاوية ضيقة، فهم يخشون ملاحقة الحكومة لهم في حال دعموا أسرة الضحية، لكن في المقابل، ينزل اليميني المتطرف في مثل هذه الحالات بكل ثقله، ويدفع من أجل مساعدة الجلاد بلا تردد أو خوف.
غضب وشغب
فجر إطلاق النار على نائل (17 عاما) المنحدر من أصول جزائرية مغربية موجة شغب بأنحاء البلاد أصابت فرنسا بالصدمة من عنفها قبل أن تسيطر الشرطة على مثيري الشغب مما أدى لهدوء نسبي خلال الليلتين الماضيتين.
وقالت وزارة الداخلية إن الشرطة ألقت القبض على 72 شخصا.
وتسبب القتل في حالة من الاستياء الكبير إزاء وكالات إنفاذ القانون في الأحياء الفقيرة التي تتعدد فيها الأعراق بالمدن الفرنسية الرئيسية.
وتعرف هذه الأحياء باسم الضواحي، وطالما اتهم المسلمون فيها المنحدرون من شمال أفريقيا على وجه الخصوص، الشرطة الفرنسية بالعنصرية والعنف.
وتحول العنف الذي بدأ كفورة في الضواحي ذات الأبنية المرتفعة إلى فيض من الكراهية والغضب على نطاق أوسع تجاه الدولة وفرصة للعنف في البلدات والمدن.
وأضرم مثيرو الشغب النار في أكثر من خمسة آلاف سيارة ونهبوا المراكز التجارية واستهدفوا مقار البلديات والمدارس وممتلكات حكومية تعتبر رمزا للدولة.
واستقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمس الثلاثاء أكثر من 200 رئيس بلدية في قصر الإليزيه للاستماع إلى إفاداتهم بشأن الاضطرابات.
aXA6IDMuMTUuMTg2Ljc4IA== جزيرة ام اند امز