سيبقى التساؤل قائما.. هل نحن أمام تحركات مقبولة ضمنيا من الطرفين؟
تشير كل الشواهد إلى قيام فرنسا بدور لافت في خفض التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، وإن هذا الموقف يتم بناء على رغبة الطرفين، خاصة أن زيارة وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف إلى بياريتز في نفس توقيت انعقاد قمة السبع كان لافتا، ونقل رسائل برغبة إيران -وإن ناورت- في بدء مسار خفض التوتر والتصعيد انطلاقا من تحركات الوسيط الفرنسي الذي يمارس هذا الدور بالفعل منذ عدة أسابيع.
واتضحت ملامح تحركه مؤخرا، خاصة أنه يمضي في مسارات متعددة، ومن الواضح أن الرئيس ماكرون تلقى مسبقا رسائل إيرانية مهمة دفعته للاستمرار في مساره الذي سيتواصل في إطار خفض التوتر، ووقف التصعيد بناء على توجه إيراني بالأساس، وتجاوب أمريكي حذر.
إن فرص التوافق ستبدأ انطلاقا من واقع سياسي واستراتيجي جديد قد يمهد لبدايات حقيقية، بصرف النظر عن الخطاب المعلن للجانبين الأمريكي والإيراني في الوقت الراهن، وبصرف النظر عن المهاترات الإيرانية المعتادة المطالبة بتعويض إيران عن العقوبات وعودة واشنطن للاتفاق
واللافت هنا طبيعة التحرك الفرنسي الذي يمضي في إطار العمل على بناء توافقات سياسية أولية، والسعي للدخول في مفاوضات أوروبية أمريكية إيرانية مباشرة مقابل تهيئة الأوضاع لمراجعة مجمل المواقف الإيرانية، اعتمادا على طرح فرنسي متكامل يركز بالأساس على تفكيك عناصر الأزمة الحالية، وإعادة ترتيب الحسابات الحالية والمتوقعة لكل طرف، خاصة أن مراجعة الموقف الإيراني من الاتفاق النووي سيتطلب وقف الأنشطة الإيرانية من جانب واحد، وعدم الاستمرار في تخصيب اليورانيوم، واستئناف العمل في مفاعل آراك، وغيرها من الممارسات الإيرانية الحالية والتي تتم بوتيرة عالية.
والرسالة الفرنسية المهمة -بصرف النظر عن الحصول على موقف أوروبي أمريكي داعم بالتعامل مع إيران- ستتركز على ضرورة إطلاق مفاوضات جديدة ستُبنى على أسس واقعية، مع العمل على تجنب التحركات الإيرانية العدائية، والتصعيد القائم على اختبار توجهات جميع الأطراف، خاصة أن الرؤية الأوروبية واضحة، وارتبطت بعدم الرغبة في امتلاك إيران السلاح النووي وتحجيم التحرك الإيراني في ملف البرنامج الصاروخي الذي تعمل عليه إيران في الوقت الراهن، أي من الضروري تزامن النظر في الملفين معا إلى جانب تحييد التدخلات الإيرانية في الإقليم، والتخلي عن النزعة العدائية الحالية مقابل السماح لإيران بتصدير جزء من نفطها لفترة محدودة، مقابل التزامها مجددا بعدم تخصيب اليورانيوم لحيازة السلاح النووي.
لكن يلاحظ أن الجانب الفرنسي لم يأتِ على ذكر أو تناول المطالب الأمريكية الأخرى الخاصة بمصير البرنامج النووي لما بعد 2025 والبرنامج الصاروخي، والواضح أن هذه المطالب لا تنفصل عن سائر المطالب الأخرى للدول الأوروبية، والمتعلقة بسياسة إيران الإقليمية، ومن ثم فإن أي تطور سيكون مرتبطا بالأساس بموقف إيران المعلن، وغير المراوغ بصرف النظر عن رفض إيران إعادة التفاوض بشأن البرنامج النووي، وكذلك بشأن قدراتها الصاروخية والسؤال إذن عن ماذا ستفاوض إيران؟ وللتذكير فإن الإيرانيين يؤكدون أن البرنامج الصاروخي هو في الأصل جزء من منظومة الأمن الإقليمي، وأنه خارج السياق في أي مفاوضات محتملة.
وسيبقى التساؤل قائما.. هل نحن أمام تحركات مقبولة ضمنيا من الطرفين، وأن ما يجري جزء من معادلة التفاوض التي تريدها إيران خاصة مع التهدئة الجارية في الخليج وشروع الإدارة الأمريكية في بناء تحالف دولي بحري لمواجهة التهديدات الإيرانية كإجراء احترازي؟ وهل تنجح فرنسا في وساطتها، لا سيما في ظل الموقف الأمريكي المعلن بتصفير الصادرات النفطية الإيرانية، ومنع إيران من الاستفادة من الدورة المالية العالمية مستمر؟
الإجابة سترتبط بنجاح فرنسا في دفع إيران لمساحة محدودة من المناورة، مع عدم الوصول مع الجانب الأمريكي لخيارات صفرية، خاصة أن الرئيس ماكرون سيستمر في وساطته، ولكنه سيواجه بإشكاليات كبيرة في التوصل لنقطة توافق حقيقية، ومن المؤكد أن رسائل إيرانية حملها وزير الخارجية جواد ظريف مضت في اتجاه التراجع تخوفا من مراجعة أمريكية كاملة للموقف السياسي والاستراتيجي تجاه إيران، وفي ظل ضغوطات من وزارة الدفاع والاستخبارات المركزية على الرئيس ترامب، وهو ما قد يقطع الطريق على الجانب الإيراني في ظل الموقف الراهن الذي تتحرك من خلاله فرنسا كوسيط للبدء في مفاوضات جديدة، وفي حال انضمام الجانب الألماني إلى الوسيط الفرنسي فإن فرص التوافق ستبدأ انطلاقا من واقع سياسي واستراتيجي جديد قد يمهد لبدايات حقيقية بصرف النظر عن الخطاب المعلن للجانبين الأمريكي والإيراني في الوقت الراهن، وبصرف النظر عن المهاترات الإيرانية المعتادة المطالبة بتعويض إيران عن العقوبات وعودة واشنطن للاتفاق.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة