"فريش".. ثورة "لطيفة" لتصدير السعادة والإيجابية
أغنية لطيفة الجديدة "فريش" تكشف عن ثورة على الشكل التقليدي لأغنياتها ودعوة فنية للسعادة والإيجابية في كارت بوستال مدهش.. كيف حققت ذلك؟
أطلقت المطربة التونسية لطيفة، عبر قناتها بموقع يوتيوب، أغنيتها المصورة الجديدة "فريش" الشهر الماضي، قبل أن تعود لتعلن عبر "أنستقرام" قرب طرحها على قناة مزيكا خلال الأيام المقبلة، وهي إحدى أغنيات أحدث ألبوماتها الذي يحمل الاسم ذاته، والذي يتضمن 13 أغنية كاملة من بينها "فريش، ملحوقة، تحلو الأيام، بحر الغرام، كل اللي حبوا".
وامتلأت الأغنية التي كتبها عمرو المصري، ولحّنها سامر أبوطالب، ووزعها مونتي، وأخرجها فادي حداد، بالطاقة الإيجابية، وتتحدث كلماتها عن البحث عن السعادة في الحياة، وتجنب جميع أنواع الهموم، ليس فقط عبر مزيج الكلمات التي تجمع بين الرقة والواقعية بالدعوة لعلاقات بسيطة لا تغمس الإنسان في الهموم وعدم الانصياع لتعدد الوجوه التي تخفي خلفها ابتسامات كاذبة مع رفض الاستسلام لليأس أو الإحباط بسهولة.
وقد نجح اللحن في دعم هذه المعاني الباعثة على التفاؤل والإيجابية بإيقاع راقص لاهث استثنائي ربما لما نتعوده في أغنيات لطيفة الأكثر شاعرية وتأملا، من خلال موسيقى مفعمة بإحساس فريق الجيبسي كينج الإسباني الشهير، كما تمزج الإيقاعات ما بين الآسيوي والهندي والغربي بصورة مميزة.
أما إخراج فادي حداد فقد استدعى بدوره عددا من الرموز الثقافية الآسيوية بل والمصرية والإغريقية، فهناك رأس فيل على الحائط خلف الراقصات بالأغنية، اللاتي يؤدين حركات رياضية تشبه اليوجا، مع مزجها بتراث هندي يعزز الطاقة الإيجابية الموجودة في الثقافة الآسيوية لاسيما الصينية تحديدا كمجموعة الأذرع التي تظهر خلف المطربة بينما تنزل كلمة فريش بأكثر من لغة، وهناك أيضا تمثال فرعوني في الأغلب للتأكيد على تنوع مصادر الطاقة القديمة.
هناك أيضا لقطات لعيادة تبدو أقرب للعلاج النفسي، وتعكس تعدد الوجوه الذي يقترب من مرضى الذهان أو اضطراب الشخصيات الانفصامية الذي يكشف عن انتشار هذا المرض لدى العديد من البشر، بينما تتساقط أقراص أدوية وكبسولات على الأرض، وهو ما يُحسب للمخرج دخوله إلى عوالم كلمات الأغنية بذكاء وعمق، بالإضافة للقطات أخرى لشاشة سينما خلف المطربة، وكأنها أيضا عاكسة للحالة التمثيلية التي يعيشها الجميع بوجوه زائفة غير حقيقية.
وفي الكليب أيضا لقطات تجريدية لتماثيل وفناجين وآلات موسيقية خصوصا آلة الهارب الفرعونية، وشعور مسترسلة للكورال مع لقطة عابرة لكولاج مجموعة من وجوه العرائس وملهى للرقص بإضاءته الداعية للتحرر، وكلها في صياغة نفسية للحالة الغنائية والشعورية في الكليب، لتحيله إلى كارت بوستال فني مدهش.
وإذا كانت أغنية لطيفة الجديدة تكشف عن ثورة على حالة الرومانسية وأحيانا الخنوع والاستسلام التي سادت في مرحلة كبيرة من رحلة لطيفة الغنائية خصوصا مع كلمات مكتشفها عبدالوهاب محمد الذي صنع لها شكلا فنيا مميزا بعد أن ربطتها به علاقة أبوة لم تنقطع بعد وفاته، حيث أوصي الشاعر الكبير بكل ما كتبه لها، بالإضافة لاحتضان ألحان بليغ حمدي أيضا مع سيد مكاوي وجمال سلامة وعمار الشريعي بل وكاظم الساهر وآخرين لتقدم لنا روائع من نوعية (عندك شك في إيه - أكتر من روحي بحبك - ضد التيار - ماوحشتكش).
كما وصلت لطيفة في ألبوم "معلومات أكيدة" إلى مرحلة تاريخية في مشوارها الفني مع العملاق زياد رحباني، لكن كل ذلك لا ينفي أن بداية هذه الثورة كانت أيضا من عند نقطة عبدالوهاب محمد نفسه وهو الذي كتب أول ثورة للمرأة العربية في تاريخ الأغنية برائعته "حب إيه".
فلم تتخلّ لطيفة عن جرأة الكلمة التي تعلمتها من عبدالوهاب محمد، فغنت "واضح" و"كرهتك"، واختارت الكلمات التي تمس المرأة ومشاعرها بصدق في "باقبلك" و"حالة حب" و"بطلب السماح"، وذلك قبل أن تصل لطفرة أغنيات أخيرة من نوعية "ملحوقة" التي تتحدث أيضا عن عدم الندم على ما فات وضرورة الحياة بشكل إيجابي بعد اكتشاف أن الماضي كان تضييعا للوقت.
وربما تكون ثورة لطيفة الغنائية متجاوزة لمجرد الدعوة الإيجابية للمرأة في مواجهة الفشل العاطفي كما فعلت سميرة سعيد مثلا، لدعوة أكثر شمولا وإيجابية في مواجهة كل الإحباطات، لتصبح الإيجابية وإشاعة السعادة والأمل هما الروح الجديدة التي تتناثر في كل أغنياتها الأخيرة باختلاف الكتاب والملحنين.