من وحش سينمائي إلى ضحية مهددة بالانقراض.. 50 عاما من تشويه سمعة أسماك القرش

قبل نصف قرن، أطلق المخرج الأمريكي ستيفن سبيلبرغ فيلمه الشهير "أسنان البحر" (Jaws) عام 1975، ليصبح علامة فارقة في تاريخ السينما، لكنه أيضًا فتح فصلًا من الخوف الجماعي تجاه أسماك القرش لا يزال تأثيره قائمًا حتى اليوم.
رسّخ الفيلم صورة القرش كوحش بحري قاتل، عطش للدماء، وأثار ما يُعرف بـ"السكوَالوفوبيا" أو "فوبيا القرش"، وهي صورة نمطية تخالف الحقائق العلمية، وتسببت في أضرار كبيرة لهذه الكائنات البحرية.
قرش "السينما" ليس قرش "الواقع"
رغم نجاح الفيلم جماهيريًا، تشير منظمات حماية البيئة إلى أن أسماك القرش تعرّضت لتشويه ممنهج بسبب هذا العمل. ووفقًا لمحطة BFM الفرنسية، فإن الواقع العلمي يثبت أن من بين أكثر من 500 نوع معروف من أسماك القرش، لا تشكل سوى 5 أنواع تهديدًا محتملًا للبشر، أبرزها: القرش الأبيض الكبير، القرش النمر، القرش المحيطي، قرش الماكو، والقرش الجاموسي.
وتؤكد ثيا جاكوب من منظمة WWF أن الإنسان ليس فريسة طبيعية للقرش، بل غالبًا ما تحدث الهجمات نتيجة إرباك أو فضول من القرش.
كما أن أنواعًا عديدة، مثل القرش الحوتي والقرش الحاجز، تتغذى على العوالق والأسماك الصغيرة فقط، ولا تمثل أي تهديد للبشر.
بين الخوف والحقيقة
تُظهر الإحصاءات الحديثة أن عدد الهجمات المسجلة عالميًا لا يتجاوز 51 حادثة سنويًا، نتج عنها أربع وفيات فقط في 2024، مقارنةً بـ800 ألف حالة وفاة سنويًا بسبب البعوض.
ورغم ذلك، لا تزال أسماك القرش تُصنّف شعبيًا كأحد أخطر الكائنات على الإنسان.
واللافت أن سبيلبرغ نفسه أعرب لاحقًا عن ندمه بسبب ما سبّبه فيلمه من ذعر أدى إلى ارتفاع معدلات الصيد الترفيهي لأسماك القرش، خصوصًا خلال العقود التي تلت عرض الفيلم.
تراجع خطير في أعداد القرش
تشير بيانات الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة (IUCN) إلى أن 37% من أنواع أسماك القرش والرايّات باتت مهددة بالانقراض، وأن أعدادها انخفضت بنسبة 71% منذ سبعينيات القرن الماضي، بفعل الصيد الجائر، وفقدان المواطن البيئية، وتغير المناخ.
قرش اليوم.. حارس للنظام البيئي البحري
يلعب القرش دورًا محوريًا في الحفاظ على توازن النظم البيئية البحرية، من خلال التحكم في أعداد الفرائس والحفاظ على صحة الشعاب المرجانية. ومع ذلك، لا تزال صورته كـ"قاتل متسلسل" تهيمن على الخيال الجماهيري، ما يُعيق الجهود العالمية لحمايته.
وتطالب المنظمات البيئية بتصحيح الصورة النمطية لهذه الكائنات، عبر التوعية والدعم التشريعي لمنع صيدها العشوائي، داعيةً إلى تغيير نظرة العالم نحوها، من "وحش سينمائي" إلى "رمز بيئي مهدد يستحق الحماية".