من الإعمار إلى مواجهة تغير المناخ.. كيف تطور دور البنك الدولي في 8 عقود؟

يعد البنك الدولي مؤسسة مالية وتنموية دولية كبرى، يُنظر إليها باعتبارها إحدى الركائز الأساسية للنظام الاقتصادي العالمي المعاصر.
وبالرغم من أنه يُنظر إلى البنك الدولي عادة كأداة واعدة للتنمية، لكنه أيضًا يعكس التناقضات السياسية والاقتصادية للنظام العالمي.
ومع تعدد التحديات العالمية – من تغير المناخ إلى أزمات الديون – يواجه البنك اختبارًا حقيقيًا في قدرته على التكيّف والابتكار.
وسيحدد نجاحه في ذلك ما إذا كان سيظل حجر الزاوية في التنمية العالمية أم سيتراجع أمام مؤسسات جديدة صاعدة.
النشأة
ويُعد البنك الدولي مؤسسة مالية وتنموية كبرى تأسست بعد الحرب العالمية الثانية ضمن مؤتمر بريتون وودز عام 1944، إلى جانب صندوق النقد الدولي، بهدف إعادة إعمار الاقتصاد العالمي.
وبدأ عمله عام 1946 تحت مسمى "البنك الدولي للإنشاء والتعمير"، وكانت أولى مهامه دعم إعادة إعمار أوروبا، قبل أن يتحول لاحقًا إلى مؤسسة تركز على دعم الدول النامية في مشاريع البنية التحتية والتنمية.
البنك ليس كيانًا منفردًا، بل يتكون مما يُعرف بـ"مجموعة البنك الدولي"، والتي تضم خمس مؤسسات مترابطة:
- البنك الدولي للإنشاء والتعمير (IBRD) – يقدّم قروضًا وضمانات للدول متوسطة الدخل.
- المؤسسة الدولية للتنمية (IDA) – تقدم قروضًا ميسّرة ومنحًا للدول الأشد فقرًا.
- مؤسسة التمويل الدولية (IFC) – تركز على تمويل القطاع الخاص والمشروعات الصغيرة.
- الوكالة الدولية لضمان الاستثمار (MIGA) – توفر تأمينًا ضد المخاطر السياسية.
- المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار (ICSID) – يعالج النزاعات بين المستثمرين والدول.
ويقع المقر الرئيسي للبنك الدولي في واشنطن العاصمة، ويضم أكثر من 10,000 موظف من نحو 170 دولة. يبلغ عدد أعضائه 189 دولة، لكن القوة التصويتية موزعة بشكل غير متساوٍ، إذ تحتفظ الولايات المتحدة وحدها بنسبة تفوق 15% من الأصوات، ما يمنحها فعليًا حق "الفيتو" على القرارات الكبرى، وهو ما يثير انتقادات متكررة بشأن الحوكمة.
الرسالة والأهداف
ومنذ عام 2013، يركز البنك على هدفين أساسيين وهما القضاء على الفقر المدقع بحلول 2030 وتعزيز الرخاء المشترك من خلال دعم النمو الشامل للفئات الأكثر فقرًا.
ويتحقق ذلك عبر تمويل مشاريع تشمل الكهرباء، الطرق، المياه، التعليم، الصحة، البيئة، والتنمية الريفية. كما زاد البنك من انخراطه في قضايا عالمية مثل التغير المناخي، والأمن الغذائي، وأزمات اللاجئين.
والبنك الدولي هو أكبر ممول متعدد الأطراف للتنمية في العالم، حيث قدم أكثر من 104 مليارات دولار في السنة المالية 2022، خاصة لمواجهة آثار جائحة كوفيد-19 من خلال دعم الأنظمة الصحية وبرامج الحماية الاجتماعية. كما أصبحت استثماراته في الطاقة المتجددة تفوق استثماراته في الوقود الأحفوري.
الانتقادات والتحديات
ورغم دوره التنموي، يواجه البنك انتقادات منذ الثمانينيات بسبب فرضه برامج التكيّف الهيكلي، التي اشترطت إصلاحات اقتصادية قاسية مثل الخصخصة، تقليص الدعم، وتحرير الأسواق. وفي بعض الدول، ساهمت هذه السياسات في زيادة الفقر والبطالة. كما يتعرض لانتقادات بسبب هيمنة الدول الغنية على قراراته، واتهامات بخدمة أجنداتها الاستراتيجية أكثر من مصالح الدول النامية.
كذلك تُوجَّه له انتقادات بيئية وحقوقية بسبب تمويله لمشاريع كبيرة مثل السدود والتعدين، والتي يُقال إنها أضرت بالبيئة والمجتمعات المحلية.
واستجابة لهذه الانتقادات، تبنى البنك في العقود الأخيرة نهجًا أكثر شمولًا، فأدخل معايير صارمة لحماية البيئة والمجتمعات المحلية، ووسع نطاق المشاورات مع الحكومات والمجتمع المدني. كما ركز على الشفافية ومكافحة الفساد كجزء من برامجه.
وقد طوّر أدوات تمويل مبتكرة مثل السندات الخضراء لتمويل مشاريع بيئية، وبدأ في دعم الرقمنة والخدمات المالية الرقمية، لإدراكه دورها في تعزيز الشمول المالي. كما يلعب دورًا مهمًا في معالجة أزمات الديون من خلال التوسط بين الدول المقترضة والدائنين.
أما فيما يتعلق بدوره السياسي والتحولات العالمية، فالبنك الدولي جزء من نظام بريتون وودز المالي الذي تقوده القوى الغربية. ومع صعود قوى اقتصادية جديدة مثل الصين والهند والبرازيل، طُرحت تساؤلات حول الحاجة لإصلاح هذا النظام. ورغم ظهور بدائل مثل بنك التنمية الجديد التابع لمجموعة "بريكس"، لا يزال البنك الدولي يحتفظ بمكانته نتيجة خبرته الطويلة وموارده الضخمة.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjE3IA== جزيرة ام اند امز