أسعار البنزين في السودان.. آلام أول جرعة من "الدواء المر"
تباين رد الفعل السوداني، إثر التحرير التدريجي لأسعار الوقود، والذي يأتي ضمن حزمة إصلاحات تبنتها الحكومة، لوقف التدهور في البلاد.
ورغم المخاوف من تصاعد مجمل أسعار السلع إثر إجراءات رفع الدعم عن الوقود، لكن هناك شبه إجماع وسط الخبراء والمواطنين، على أن ما تم يمثل المدخل الحقيقي لعلاج الأزمة الاقتصادية في السودان.
وشدد كثيرون على أن تحرير الوقود يعتبر ضربة قوية لسماسرة التهريب والسوق السوداء، ويحقق الوفرة المطلوبة في المنتجات البترولية، فضلا عن أنه يزيل التشوهات الهيكلية في الاقتصاد ويقلص الإنفاق العام، وهذا جوهر الإصلاح، وفق تقديرهم.
واقتربت الزيادات التي جرى تنفيذها في السودان على البنزين والجازولين من 5 أضعاف، إذ بلغ سعر لتر البنزين التجاري 120 جنيها، والجازولين 106 جنيهات، وهذا يباع في نحو 15 محطة يستورده القطاع الخاص.
وبينما لا يزال هناك وقود مدعوم تحت مسمى "الخدمي" وهو مخصص لقطاع المواصلات العامة والزراعة والتعدين، ويباع لتر البنزين منه 56 جنيها، و46 لتر الجازولين، وفق الأسعار المعلنة من وزارة النفط.
وتأتي هذه الإجراءات ضمن برنامج متكامل لإصلاح الاقتصاد السوداني يشرف عليه صندوق النقد الدولي ويقوم أساسا على إلغاء كافة الدعم الحكومي للسلع، ويعرف إعلاميا بالدواء المر".
وقال وزير الطاقة والتعدين المكلف في السودان، خيري عبدالرحمن إن هذه الأسعار ستخضع للمراجعة أسبوعيا بواسطة لجنة تضم وزارة المالية والمستوردين وبإشراف وزارته ليتم تحريك سعر البيع للجمهور حسب السعر العالمي الحر.
وأقر بأن ما تم يعد "علاجا بالكي" ويأتي في ظروف صعبة، لكنه ضروري لتحقيق الاستقرار الاقتصادي المطلوب، مشيرا إلى أن تحرير الوقود سيحقق الوفرة ويقضي على السوق السوداء والتهريب لدول الجوار.
وأشار إلى أن هذه التدابير ستفيد كثيرا القطاعات المنتجة خاصة التعدين، مما يعود بفائدة كبيرة على الاقتصاد السوداني.
إزالة التشوهات
واعتبر المحلل الاقتصادي أحمد خليل أن تحرير أسعار قرار شجاع وجريء أقدمت عليه الحكومة الانتقالية، لإنهاء التشوهات الناجمة عن الدعم السلعي، وعده بمثابة المدخل الحقيقي والسليم لعلاج الأزمة الاقتصادية.
وقال خليل لـ"العين الإخبارية" إن تحرير أسعار الوقود خطوة صائبة، وستحقق منافع كثيرة للاقتصاد، أهمها وفرة المواد البترولية بما ينهي الطوابير أمام محطات الخدمة، ويضرب السوق السوداء والسماسرة ومهربي هذه السلعة إلى الخارج.
وشدد على أن التحرير سيخفف الضغط على المصروفات في الموازنة العامة للدولة، ما يعني تقلص الفجوة والعجز التجاري، حتى تتمكن الحكومة من توفير مبالغ لدعم القطاعات المنتجة.
وتتفق الصحفية المتخصصة في الشؤون الاقتصادية، عائدة قسيس، مع خليل في المكاسب التي ستتحقق من قرار رفع أسعار الوقود، لكنها قلقة بشأن الصدمة الأولى والضغط المعيشي الذي ستخلفه هذه السياسة عند بداية تطبيقها.
وتقول قسيس لـ"العين الإخبارية" إن "من خلال بيان وزارة النفط لا يزال هناك وقود مدعوم تحت مسمى خدمي، وهذا بحاجة إلى ضبط حتى لا يتسرب مجددا لعناصر التهريب حتى تصبح هذه السياسة بلا جدوى".
وحسب تقديرها، فإن "نجاح سياسة التحرير الجزئي للوقود يتوقف على مقدرة القطاع الخاص على إغراق السوق بالمنتجات البترولية وتحقيق الوفرة المطلوبة، لأن ذلك سينهي ويدمر السوق السوداء التي تولدت بالشح والندرة".
مكاسب سياسية
ولم تتوقف منافع رفع الدعم عن الوقود عند الحد الاقتصادي، بينما ستكون لها مكاسب سياسية، حسب رأي المحلل السياسي وليد النور، الذي أشار إلى جهات معادية للشعب ظلت تستثمر في أزمة المحروقات ووضعتها كارت ضغط على السلطة الانتقالية.
وقال النور الذي تحدث لـ"العين الإخبارية" "تحرير الوقود سيخلق وفرة في هذا المنتج، وبالتالي ينقطع عشم الذين يعولون على طوابير الوقود لإرهاق الحكومة الانتقالية".
وأضاف "ما تم بالأمس خطوة كبيرة في الاتجاه الصحيح، وكان من المفترض أن تحدث منذ أن تسلمت الحكومة مقاليد السلطة، فهي تحظى بتأييد واسع من قطاعات الشعب السوداني، لأنهم أدركوا تماما أن الدعم يستفيد منه المهربين والسماسرة".
مخاوف الشارع
ولا تبدو نظرة الشارع العام لهذه الإجراءات ببعيدة عما ذهب إليه المحللون، ولكن هناك بعض المخاوف من مزيد من الانفلات في الأسعار تسيطر على المواطنين.
ويقول محمد عبدالرحيم وهو موظف في القطاع الخاص: "نخشى أن يستغل أصحاب المركبات زيادة سعر الوقود ويرفعوا تعريفة الترحيل بشكل فوضوي كما بدأت بوادره الآن، فبالتالي يكون هناك عبء جديد علينا".
وأضاف عبدالرحيم لـ"العين الإخبارية": "لكن حديث السلطات ومبرراتها لهذه القرارات، تجعلنا نقف مع سياسة رفع الدعم عن الوقود حتى تتحقق الفائدة لبلادنا".