شبكة سرية بجامعات أمريكا.. أدوات مكافحة الإرهاب تلاحق مؤيدي غزة
تكشف وثائق ومراسلات داخلية كيف تحوّلت شبكات معلومات أنشئت بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، بهدف مكافحة الإرهاب، إلى أدوات تُستخدم لمراقبة احتجاجات الطلاب على الإبادة في غزة داخل الجامعات الأمريكية.
وعوضا عن الاكتفاء بإدارة الاحتجاجات كجزء من الحياة الأكاديمية، لجأت إدارات جامعات عدة إلى بنية أمنية واسعة تعتمد على أجهزة الشرطة المحلية والفيدرالية، وعلى مراكز “الدمج الاستخبارية” المعروفة بجمعها كميات ضخمة من البيانات بذريعة مكافحة الإرهاب، وفقا لموقع إنترسبت.
تحذير استخباراتي قبل احتجاج… وخطة اعتقالات جاهزة
في ولاية أوهايو، أرسل مركز “الدمج الاستخباري” التابع للولاية، وهو مركز تم إنشاؤه لتبادل المعلومات بين أجهزة الأمن بعد 11 سبتمبر/ أيلول، تحذيرًا إلى مسؤولي جامعة ولاية أوهايو يفيد بوجود تظاهرة مرتقبة في الحرم الجامعي.
وبعد ساعتين فقط من وصول التحذير، وضعت شرطة الجامعة خطة عملياتية واضحة قائلة "الخيار الأفضل هو الاعتقال والإبعاد من موقع الحدث"، بحسب رسالة قائدة شرطة الجامعة كيمبرلي سبيرز-ماكنات إلى ضباطها. وفي الليلة نفسها، أخلت الشرطة الاعتصام بمشاركة دورية الطرق السريعة، واعتقلت 36 متظاهرًا.
توسّع هائل في المراقبة تحت غطاء مكافحة الإرهاب
أُنشئت مراكز الدمج الاستخباري - البالغ عددها 80 مركزًا في الولايات المتحدة - لتبادل معلومات استخباراتية موجودة مسبقًا بين أجهزة الأمن المختلفة. لكن هذه المراكز تجاوزت تدريجيًا، بحسب منظمات حقوقية، نطاق عملها، وصارت أداة لاستهداف المجتمعات الملوّنة والنشطاء، من حركة "حياة السود مهمة" إلى نشطاء البيئة.
وتشير الوثائق التي حصل عليها موقع إنترسبت إلى أن مراكز الدمج الاستخباري راقبت التظاهرات المؤيدة لفلسطين في ما لا يقل عن خمس جامعات، ضمن أكثر من 20 ألف صفحة من السجلات الرسمية تكشف كيف تعاملت الجامعات مع الاحتجاجات باعتبارها تهديدًا أمنيًا، لا نشاطًا طلابيًا يحميه الدستور.
وتوضح الوثائق أن إدارات الجامعات لم ترَ في الاعتصامات الطلابية السلمية شأنًا داخليًا يمكن احتواؤه، بل “مشكلة أمنية” تستدعي تدخل أطراف خارجية وأنظمة مراقبة متقدمة.
وهذا المنطق الأمني كان هو ذاته الذي تبنّته الجهات الفيدرالية المسؤولة عن مكافحة الإرهاب، والتي تعاملت مع الاحتجاجات باعتبارها تهديدًا محتملًا، رغم سلميتها.
جذور القمع: من عهد بايدن إلى تسريع الأدوات في عهد ترامب
ورغم إعلان إدارة ترامب بوضوح استهدافها النشطاء المؤيدين لفلسطين - بما في ذلك محاولات ترحيل طلاب ناشطين - تكشف الوثائق أن جزءًا كبيرًا من هذا التعاون الأمني بين الجامعات والأجهزة الفيدرالية بُني خلال إدارة بايدن.
ويقول ديلان سابا، المحامي في منظمة فلسطين ليغال: "كل ذلك حدث في عهد الرئيس السابق جو بايدن، وما نراه اليوم في عهد دونالد ترامب هو تسريع للأدوات القمعية الموجودة أصلًا".
ويكشف التحقيق أن شبكة المراقبة لم تُنشأ بسبب الاعتصامات المؤيدة لفلسطين، بل سبقتها. ومن الأدلة على ذلك تقرير تحليل المخاطر لعام 2023 الصادر عن شرطة جامعة كليمسون، والذي يوضح مشاركتها الدورية في تبادل المعلومات الاستخباراتية مع شركائها الفيدراليين والولائيين، ومع مركز معلومات واستخبارات ساوث كارولاينا.
ومع تصاعد الاحتجاجات في عام 2024، توسّعت الجامعات في الاعتماد على هذه الشبكات، وتبادلت المعلومات ليس فقط مع الجامعات الأخرى، بل مع أجهزة الشرطة في الولايات والشرطة الفيدرالية المعنية بالمراقبة.
استهداف أجهزة الطلاب بمساعدة مكتب التحقيقات الفيدرالي
في جامعة كاليفورنيا الحكومية – بوليتكنيك هامبولت، اتخذت الإجراءات منحى أكثر خطورة. فقد استغلت الولاية أموال الطوارئ لجلب قوات شرطة خارجية لإخلاء مبنى احتله الطلاب. وأكّد رئيس الجامعة السابق، توم جاكسون، أن قسم تكنولوجيا المعلومات تتبّع عناوين وحسابات المستخدمين لكل من اتصل بشبكة الواي فاي داخل المبنى.
وبالتعاون مع مكتب التحقيقات الفيدرالي، حصلت الجامعة على أوامر تفتيش ومصادرة للأجهزة الإلكترونية، ما سمح لها بتوسيع نطاق العقوبات ضد الطلاب. وكتب عميل في مكتب التحقيقات لشرطة الجامعة: "أرفق لكم عدة أوامر تفتيش للأجهزة الإلكترونية… استخدموها عند الحاجة".
ويحذر روري مير من مؤسسة إلكترونيك فرونتير من أن إدخال مراكز الدمج الاستخباري إلى حرم الجامعات يمثل تهديدًا مباشرًا للحقوق المدنية للطلاب، ويقول: "هذه المراكز معروفة بتقديم معلومات استخباراتية مشكوك فيها، وبإسهامها في تصعيد قمع احتجاجات ‘حياة السود مهمة’. وتنسيق الجامعات مع هذه الأنظمة يعرّض الطلاب للخطر.”