تدهور أوضاع المعيشة في إيران هو سبب الانتفاضة الشعبية، التي تشهدها مدن إيرانية، خاصة إقليم الأحواز، أو خوزستان، كما تسميها حكومة إيران.
لكن واقع التهجير والتجويع لعدد كبير من مواطني إيران أمر يلقي بظلاله على يوميات هذا البلد، الذي يسعى لدخول النادي النووي العالمي، ويفاوض الغرب على برنامجه المشبوه في عاصمة النمسا، فيينا.
وبما أن إيران كدولة هي خليط من شعوب عدة، فارسية وعربية وآذرية تركية وكرد وغيرها، فإن التجانس بين تلك الشعوب والحكومة ظل غائباً بشكل ملحوظ منذ وصول نظام الملالي للحكم نهاية سبعينيات القرن الماضي.
ومسألة الأجهزة الأمنية والعسكرية الرديفة للدولة مثل الحرس الثوري الإيراني والباسيج، بقيت جدلية، وقد تم القضاء من خلالها على مختلف المؤسسات السيادية القادرة على ردم الهوة السحيقة بين مفهوم المواطنة والولاء للنظام.
لهذا، فإن وصول قائد الحرس الثوري الإيراني إلى مركز الانتفاضة، كان وصولاً مخيفاً للسكان وغير مقبول حتى على الصعيد الدولي، نتيجة ممارسات الحرس الثوري العنيفة بحق الشعب الإيراني في مناسبات مختلفة، مثل عمليات الإعدام والتصفية الجسدية في الميدان.
وربما كان توقيت الاحتجاجات بالنسبة للمرشد الإيراني، علي خامنئي، وفريقه، غير متوقع، لا سيما أن إيران في مرحلة انتقالية رئاسية، تستعد من خلالها لمغادرة حسن روحاني، الرئيس الحالي، سدة الحكم، وتسليم إبراهيم رئيسي مقاليد الحكم في البلاد بعد فوزه في انتخابات شابها كثير من حملات المقاطعة من قبل التيار الإصلاحي على وجه الخصوص.
وقد عكف "رئيسي" خلال الأيام الماضية على تكوين طاقمه السياسي والأمني والاقتصادي ضمن توجيهات المرشد، وحتى فريق التفاوض المعني بما يجري في فيينا، بعيداً عن وجوه معروفة أدارت على مدى سنوات وجولات مضت ملف التفاوض مع الغرب.
لكن حتى المواقف الأوروبية والأمريكية حيال المتظاهرين في إيران كانت إلى اللحظة مخيبة للآمال، والبعض يعزو ذلك إلى حرص الإدارة الديمقراطية في واشنطن على عدم استفزاز الحكومة الإيرانية، ولعل سيناريو موقف إدارة أوباما السابقة من "الثورة الخضراء" في إيران يعاد في عهد الرئيس "بايدن" حيال الأحواز بطريقة مشابهة.
جديد المواقف العربية الخليجية حيال إيران لخصه أمين عام مجلس التعاون الخليجي، نايف الحجرف، حين قال: "إيران تتدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة وتزعزع الأمن والاستقرار في المنطقة والإقليم".. هذا التصريح يختصر عبث المجتمع الدولي حين يفترض التفاوض مع إيران على ملفها النووي فقط، ويؤخر أو يلغي الحديث معها عن مليشيات تدعمها في العراق واليمن وسوريا ولبنان.
سيبقى الثابت في المشهد أن دول الخليج العربي، وعلى وجه الخصوص السعودية والإمارات، حريصة كل الحرص على هدوء الأوضاع في المنطقة، والانتقال إلى مرحلة البناء والتنمية التي تخدم الشعوب، وعدم الإصغاء لصوت الدمار والخراب الذي يحطم آمال الناس بمستقبل أفضل.
تحتاج إيران إلى أن تكون دولة طبيعية، تعلي من شأن هموم مواطنيها، وتبتعد عن الاستثمار في مليشيات ظلامية ترى العنف سبيلاً لتحقيق أهدافها، فـ"الحشد الشعبي" في العراق كما "الحوثي" في اليمن و"حزب الله" في لبنان، مجرد أدوات إيرانية أسهمت في انتشار الفساد والسلاح غير الشرعي وتعطيل عمل الدولة في بغداد وبيروت وصنعاء.
وقد أثبتت التجارب العملية أن الجهل عدو العلم في مسيرة أي دولة وشعب، والجهل هنا ليس مرتبطاً فقط بالكتب أو الدراسات، إنما الجهل بحقيقة سبب وجود الإنسان في الحياة، لأن مهمة البشر تكمن في خدمة بعضهم وليس التنافر والحروب التي تأكل الأخضر واليابس.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة