بستاني غزة.. محمد قمصان يزرع خضراوات الأمل وسط الأنقاض
في مخيم جباليا للاجئين في غزة، أصبح من النادر العثور على الطعام الطازج إلا أن محمد قمصان وعائلته يزرعون الأمل كما يزرعون الخضراوات في أنقاض منزلهم.
وباستخدام حوض استحمام قديم ودلو بلاستيكي وعلبة صفيح وغيرها من الحاويات الأخرى التي جمعتها العائلة من بين الحطام التي خلفتها الحرب التي تقترب من عامها الأول، يزرع قمصان الخضراوات مثل الفلفل والباذنجان التي تبدو وكأنها العلامة الوحيدة على الحياة النباتية في مخيم جباليا الذي كان يوم يوما ما حيا صاخبا قبل أن تحوله العمليات البرية والغارات الإسرائيلية إلى أنقاض.
وبدأت عائلة قمصان جهودها في الزراعة بعد عودتها في منتصف يونيو/حزيران الماضي من نزوحها الثاني بسبب الهجمات لتجد غرفتين فقط صالحتين للسكن في منزلها.
وفي تصريحات لصحيفة "الغارديان" البريطانية، قال محمد: "عندما عدنا، انتابني شعور غريب لا يمكنني وصفه.. المنزل الذي عشنا فيه لمدة 25 عامًا.. كنت منزعجًا للغاية وجلست هناك.. لقد اختفت كل ذكرياتنا، وذهبت كل ممتلكاتنا".
عاد عدد قليل من جيرانهم القدامى الذين كانوا قد فروا إلى جنوب القطاع بعدما أمرت إسرائيل بإخلاء شمال غزة في وقت مبكر من الحرب حيث تتسبب التهديدات بعمليات إسرائيلية جديدة في عملية نزوح مستمرة بين مخيم جباليا وأجزاء أخرى من مدينة غزة.
لكن عائلة قمصان قررت إعادة تأسيس نفسها في منزلها المحطم، فقامت بإزالة بعض الأنقاض ومدت قطعة من القماش المشمع لإنشاء غرفة معيشة مؤقتة مع حديقة ملحقة بها للزراعة.
وقال محمد: "يجب أن تتذكر أنني أعيش في شمال غزة.. الفواكه والخضراوات والعديد من السلع التي يمكنك العثور عليها في جنوب القطاع محظورة هنا".
وأضاف "هناك سوء تغذية حاد هنا.. الطعام الذي نتناوله ليس له قيمة غذائية ونحن نعتمد بشكل كامل على الطعام المعلب".
وتعاني الأسواق في غزة من قلة المخزون، كما أن المساعدات الغذائية تأتي بشكل متقطع ومرت فترة لم يكن فيها أي شئ متاح تقريبا حيث تزايدت المخاوف في مارس/آذار من أن شمال القطاع يواجه مجاعة وشيكة.
وتحسنت الظروف قليلاً وذكر التقرير الأخير للجنة الأمن الغذائي المدعومة من الأمم المتحدة في يونيو/حزيران أن زيادة القدرة على الوصول إلى الشمال لتوصيل الغذاء خففت من حدة الموقف، لكن القلق لا يزال قائمًا بشأن انتشار الجوع على نطاق واسع.
ولا تزال قوافل المساعدات إلى شمال غزة تواجه عقبات وهجمات، ولا يعمل سوى مخبزين في مدينة غزة، التي كان عدد سكانها 600 ألف نسمة قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول، وفقًا للأمم المتحدة.
وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، يعمل قمصان على توثيق حياته في جباليا وما يقوم به من العناية بمزرعة العائلة والتجول عبر المواقع المليئة بالأنقاض مع الكلاب التي تركض بحرية في الشوارع الفارغة. وعند عودته إلى جباليا في يونيو/حزيران، نشر صوراً للمنازل التي تعرضت للقصف والحرق، والعيادات والملاجئ للأشخاص الذين نزحوا.
وأحيانا، ينشر قمصان مقاطع فيديو تكشف حنينه للحياة قبل الحرب مثل مقاطع لميناء غزة حيث كانت العائلات تذهب للاسترخاء أو الصيد على طول شاطئ البحر والباعة في الشوارع.
وقال قمصان إنه يركز وعائلته اليوم على البقاء على قيد الحياة وإن حديقتهم الصغيرة هي وسيلة لضمان ذلك خاصة أنهم يعرفون أنه لن يكون هناك حصاد للطعام الطازج في أي وقت قريب، بعد نزوح مزارعي المنطقة وتدمير منازلهم وحقولهم واختفاء كل الأراضي الزراعية في غزة.
وأوضح أن عائلته ذهبت للسوق ووجدت بعض البذور وأضاف: "لم يكن كل شيء متاحًا، لكننا اشترينا ما يمكننا العثور عليه وقلنا لدينا هذه المساحة الصغيرة، يمكننا استخدامها لزراعة بعض المحاصيل وبدأنا في زراعة الخضراوات، حتى نتمكن من العيش قليلاً مثل الناس العاديين".