حريق غزة يكشف الكارثة.. لا معدات إطفاء لإنقاذ الأرواح
كشف الحريق المدمّر الذي أودى بحياة 21 في قطاع غزة قبل أسبوعين، عن نقص شديد في معدات ورافعات السيطرة على النيران.
يؤكد علاء حبوب بحزن أنه "لو توفرت معدات ورافعات لتمت السيطرة على الحريق وأنقذت الأرواح"، مشيرا بذلك إلى تردي خدمات الطوارئ والإنقاذ في قطاع غزة المحاصر.
قبل أسبوعين، شب حريق أثناء حفل عائلي في شقة سكنية في مبنى مكون من 3 طبقات وسط مخيم جباليا للاجئين. احتشد الجيران في زقاق أمام المنزل الخرساني الذي كان يتصاعد منه دخان كثيف وتسع صرخات استغاثة من داخله.
وهرع رجال الإطفاء إلى مكان الحادث لمكافحة الحريق.
وفي نهاية المطاف انتشلت 21 جثة متفحمة لأفراد عائلة واحدة غالبيتهم من النساء والأطفال.
ويأسف علاء حبوب (21 عاما) لنقص الوسائل التي كان يمكن أن تسمح بإنقاذ أرواح في الحادثة التي كشفت الوضع البائس لخدمة الإطفاء والإنقاذ في غزة حيث تمنع إسرائيل إدخال معدات وإطفائيات منذ 15 عاما.
وبعد الحادثة المفجعة دعت صحيفة "هآرتس" اليومية الإسرائيلية في افتتاحيتها الحكومة إلى "اتخاذ خطوات لتحسين خدمات الإطفاء في غزة".
ويبعد مخيم جباليا نحو 5 كيلومترات عن إسرائيل، التي لا تنسق مع حماس التي تحكم القطاع، معتبرة أنها حركة "إرهابية".
ويملك الدفاع المدني في قطاع غزة الذي يبلغ عدد سكانه أكثر من 2,3 مليون نسمة نحو ثلثيهم من اللاجئين الفقراء، 4 رافعات مزودة بسلالم طول إثنين منها ستون مترا. لكن ثلاثا من هذه الرافعات معطلة.
ويعتمد السكان نظام البناء الشاقولي والأبراج السكنية التي يصل ارتفاع بعضها إلى سبعين مترا في هذا الشريط الساحلي الضيق الذي تبلغ مساحته 360 كلم مربعا وتفرض عليه إسرائيل حصارا مشددا برا وبحرا وجوا.
ما زال الغزيون تحت تأثير الصدمة منذ الحريق في مخيم جباليا. وروى شهود عيان أن طاقم الدفاع المدني وصل مبكرا إلى موقع الحريق لكنه لا يملك معدات مناسبة للإنقاذ.
ويؤكد رئيس الدفاع المدني في القطاع اللواء زهير شاهين أن إسرائيل تمنع منذ 2007 دخول معدات رئيسية مثل عربات الإطفاء وصهاريج المياه وأجهزة الأكسجين ومعدات رصد الأحياء تحت الأنقاض وفرشات هوائية وقطع غيار للدفاع المدني.
ويقول لوكالة الأنباء الفرنسية إن "الاحتلال يتذرع بالاستخدام المزدوج لهذه المعدات"، مضيفا "أؤكد يقينا ليس هناك أي استخدام لأغراض عسكرية" من قبل الفصائل الفلسطينية.
وشدد اللواء شاهين على أن قلة إمكانيات جهازه "يزيد عدد الضحايا والأضرار في ممتلكات المواطنين"، مؤكدا أن جهازه "خدمي إنساني لإنقاذ أرواح المواطنين وحماية الجبهة الداخلية".
وأشار إلى أنه خلال أربع حروب - بين 2009 و2021 -، قام الجيش الإسرائيلي "بتدمير 12 مركزا للدفاع المدني أعيد بناؤها مرات عدة، واستشهد 12 ضابط إنقاذ".
ضحايا يموتون قبل إجلائهم
يتذكر شاهين أعمال إنقاذ خلال حرب 2021. وقال "لو كان لدينا أدوات لأنقذنا مزيدا من المدنيين والضحايا".
وانتشل رجال الدفاع المدني عشرات الجثث غالبيتها لمدنيين من تحت أنقاض منازل دمرها القصف الجوي الإسرائيلي في شارع الوحدة غرب مدينة غزة.
وفي هذا الشأن، يؤكد المسؤول في الدفاع المدني محمود بصل أنه "للأسف أخرجنا شهداء من تحت الأنقاض كان يفترض أن يتم إخراجهم جرحى، بسبب عدم توافر أجهزة للكشف تحت الأنقاض ولا إمكانيات".
وحول عمليات الإنقاذ يوضح ضابط في الدفاع المدني طلب عدم ذكر اسمه "كنا نسمع أصوات مصابين يستغيثون والمصيبة عندما لا نسمع أصواتهم"، موضحا أنه "بسبب عدم توفر المعدات يموتون عندما نتأخر في إزالة الركام".
وأكد اللواء شاهين أن عناصره يصنعون "المعجزات بجهود ذاتية وإمكانيات شحيحة".
ويتابع أن ندرة المعدات تؤدي إلى "ضعف شديد في الأداء"، مؤكدا أن أفضل مركبة وسيارة إطفاء لديه تعود صناعتها إلى 1994. وقال "كلها قديمة ومهترئة".
على بعد مئات الأمتار من مقر قيادة الدفاع المدني تلقى مركز "تل الهوى" الحي المكتظ بمئات الأبراج والعمارات السكنية المرتفعة في جنوب غرب مدينة غزة، بلاغا يفيد باندلاع حريق في شقة في مبنى من خمسة طوابق.
على الفور خرجت عربة إطفاء مع سيارة إسعاف، لكن الحريق أتى على الشقة.
ويعمل حوالي 800 عنصر في جهاز الإنقاذ بالقطاع الذي يحتاج، حسب بصل، إلى ستين مركز للطوارئ وستين عربة إطفاء وسيارة إنقاذ على الأقل، أي ضعفي العدد المتوفر.
من جهته يروي المزارع عبد الكريم ضبة (67 عاما) أنه شاهد عدة مرات طائرات إطفاء إسرائيلية تخمد حرائق في حقول" قرب حدود غزة، متسائلا "لماذا لا يساعدون الدفاع المدني هنا في عمليات الإنقاذ".
ويوضح أنه شاهد في المقابل آلية إطفاء تخمد حريقا في مزروعات في المنطقة الإسرائيلية بجانب السياج الحدودي شرق مدينة غزة.
وتساءل بصل "لماذا يمنع الاحتلال إدخال طائرات إطفاء مدنية إلى غزة مع أنه ليس لها علاقة بقضايا العمل العسكري؟".