إسرائيل وخيار اجتياح غزة.. مخاوف من «فخ الاستنزاف»

مع استمرار الهجمات الإسرائيلية على غزة، تتزايد المخاوف من عواقب توسيع العمليات البرية في القطاع.
وصعّدت إسرائيل من هجماتها على قطاع غزة، مؤكدة أن ما يحدث الآن "ليس سوى البداية"، حيث شنت غارات جوية مدمرة، تزامنت مع عمليات برية جديدة.
ويرى مسؤولون ومحللون إسرائيليون أن العودة إلى حرب برية واسعة ضد حركة حماس "قد تكون أكثر تعقيدا من السابق، في ظل التراجع في الدعم الشعبي، واستنزاف جنود الاحتياط، والتحديات السياسية المتزايدة".
والخدمة العسكرية إلزامية في إسرائيل التي يقل عدد سكانها عن 10 ملايين نسمة، لكنها تعتمد بشدة على جنود الاحتياط في أوقات الأزمات.
وفي أعقاب الهجوم المباغت الذي شنته حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تدفق جنود الاحتياط إلى وحداتهم، بعضهم حتى دون انتظار استدعائهم.
لكن ستة جنود احتياط وجماعة مدافعة عن قوات الاحتياط قالوا لرويترز إنه بعد عمليات انتشار استمرت عدة أشهر، يعزف بعض الجنود عن العودة إلى غزة.
نتنياهو في المواجهة
وأثار قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو باستئناف القصف يوم الثلاثاء الماضي، موجة من الغضب بين المحتجين، الذين يتهمون الحكومة بإطالة أمد الحرب لأسباب سياسية، والمخاطرة بحياة الرهائن المحتجزين في غزة.
وعلى الرغم من أن وقف إطلاق النار استمر قرابة شهرين، فإن الحكومة الإسرائيلية عادت إلى التصعيد العسكري.
وفي رده على ذلك، قال نتنياهو يوم الثلاثاء، إن مثل هذه الاتهامات "مخزية"، وإن استئناف الحملة العسكرية يستهدف استعادة الرهائن المتبقين وعددهم 59.
ومنذ الثلاثاء، شهدت تل أبيب والقدس احتجاجات حاشدة ضد الحكومة، حيث خرج عشرات الآلاف للتنديد بقرارات نتنياهو.
وفي تصعيد للمواجهات، استخدمت الشرطة مدافع المياه واعتقلت عددا كبيرا من المتظاهرين، لا سيما أمام مقر إقامة رئيس الوزراء في القدس، حيث احتشد المحتجون تحت المطر رفضا لإقالة رئيس جهاز الأمن الداخلي (الشاباك).
وقال الجنرال المتقاعد يعقوب عميدرور، الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي لنتنياهو سابقا، "في دولة ديمقراطية، الشرعية الداخلية (للحرب) مهمة جدا جدا".
وأضاف أن السؤال يتعلق "بمدى استعداد صناع القرار التخلي عن الشرعية، لأنهم يعتقدون أن التحرك مهم... وإلى أي مدى ستتأثر قدرتهم على العمل في غياب الشرعية".
وتتبادل إسرائيل وحماس الاتهامات بانتهاك الهدنة التي تم التوصل لها في 19 يناير/كانون الثاني الماضي.
من ناحية أخرى، تكشف استطلاعات الرأي الأخيرة أن غالبية الإسرائيليين يفضلون التفاوض لإنهاء الحرب وإطلاق سراح الرهائن المتبقين، مقابل الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين وانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة.
إرهاق الجيش
تعد الحرب في غزة هي الأطول في تاريخ الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي منذ حرب 1948، حيث أسفرت عن مقتل أكثر من 400 جندي إسرائيلي وآلاف الجرحى.
بينما أسفرت عن مقتل أكثر من 49 ألف فلسطيني في قطاع غزة، ودمار واسع في غزة ونزوح قرابة مليوني شخص.
وتقول إسرائيل إنها وجهت ضربات قاسية لحماس، وقتلت العديد من قادتها ومقاتليها.
ومع ذلك، لا تزال الحركة تحتفظ بـ59 رهينة من أصل 251 تم اختطافهم في 7 أكتوبر، فيما تشير التقارير إلى مقتل ما لا يقل عن 40 رهينة، سواء بنيران محتجزيهم أو خلال العمليات الإسرائيلية.
ويعترف قادة عسكريون بأن الإرهاق يمثل مشكلة وسط جنود الاحتياط. لكن اللفتنانت كولونيل نداف شوشاني، وهو متحدث باسم الجيش الإسرائيلي، قال لرويترز إنه "في وقت الشدة، يبدي جنود الاحتياط استعدادا للتخلي عما يفعلونه ويخاطرون بحياتهم دفاعا عن وطنهم".
وأضاف أن الجيش الإسرائيلي لديه خطة لتخفيف العبء عنهم.
قتال تدريجي لغاية أخرى
وصرح ثلاثة مسؤولين دفاعيين مطلعين على عملية صنع القرار الإسرائيلي لرويترز في الأيام التي سبقت حملة هذا الأسبوع، بأن استئناف القتال سيكون تدريجيا مما يفتح الباب أمام مفاوضات لتمديد الهدنة. دون أن يسهبوا في تفاصيل.
وقال مسؤولان إسرائيليان آخران إن نتنياهو وافق على خطة لعملية واسعة النطاق تتضمن خيار إرسال مزيد من القوات البرية.
وأحجم مكتب نتنياهو عن التعليق، ولم ترد وزارة الدفاع على أسئلة حول موضوع هذا التقرير.
خطط جاهزة
ووفق اللفتنانت شوشاني، فإن الجيش لديه خطط جاهزة لاحتمالات مختلفة تتضمن العمليات البرية إذا لزم الأمر.
وأوضح شوشاني لرويترز أن "هدف هذه الحملة على حماس هو تفكيك قدراتها لمنعها من تنفيذ أي هجمات، والضغط من أجل إعادة الرهائن، سواء عبر عمليات عسكرية أو عبر اتفاق سياسي ما".
مستطردا "كل الخيارات مطروحة للنقاش".
تكاليف الحرب
وفي الأشهر الثلاثة التي سبقت اتفاق وقف إطلاق النار في يناير/كانون الثاني، أوقعت هجمات حماس أحد أكبر عدد من القتلى والمصابين في صفوف الجنود الإسرائيليين،
وأثار هذا، بالإضافة إلى مقتل بعض الرهائن، بعض التساؤلات داخل إسرائيل عن تكاليف ومكاسب الحرب.
وعارض شركاء نتنياهو في الائتلاف الحاكم من اليمين المتطرف وقف إطلاق النار وضغطوا من أجل العودة الشاملة إلى الحرب.
ومنح استئناف الهجمات الإسرائيلية هذا الأسبوع، نتنياهو، دفعة سياسية عندما عاد وزير الأمن الوطني إيتمار بن غفير إلى الائتلاف.
ولم يبقَ لنتنياهو سوى أغلبية برلمانية ضئيلة بعد استقالته في يناير/كانون الثاني بسبب خلافات حول وقف إطلاق النار.
وقال عاموس أسائيل، المحلل السياسي في معهد شالوم هارتمان، إن رئيس الوزراء "بدا منعزلا عن الرأي العام بشكل متزايد، مما أدى إلى تصدع الإجماع الكبير الذي دعم حرب إسرائيل".
ويتشكل حاليا ائتلاف من عائلات الرهائن والمحتجين المعارضين لتحركات نتنياهو ضد السلطة القضائية وبعض مؤسسات إسرائيل الأمنية.
واتهمت حماس إسرائيل هذا الأسبوع بتقويض الجهود للتوصل لنهاية القتال بشكل دائم ودعت الوسطاء إلى "تحمل مسؤولياتهم".
تهديدات
وفي تبريره لاستئناف الحرب، أوضح نتنياهو أنه أمر بشن ضربات؛ لأن حماس رفضت مقترحات تدعمها الولايات المتحدة لتمديد وقف إطلاق النار مقابل إطلاق سراح الرهائن المتبقين.
وقال مكتبه، في بيان يوم الثلاثاء، إن إسرائيل ستعمل حاليا ضد الحركة "بقوة عسكرية متزايدة".
أما وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، فحذر من أن "أبواب الجحيم ستُفتح" إذا لم تفرج حماس عن جميع الرهائن.
وعلى الرغم من التهديدات، لم تكن هناك علامة على تعبئة واسعة النطاق مثلما حدث في 2023، عندما استدعى الجيش ما يصل إلى 300 ألف من جنود الاحتياط لتعزيز قواته التي يقدر قوامها بنحو 170 ألف جندي.
ولا يكشف الجيش الإسرائيلي عن الأرقام المتعلقة بعدد أفراده.
وأرسل الجيش الإسرائيلي لواء مشاة من النخبة إلى حدود غزة يوم الأربعاء، وأعلن أمس الخميس أنه "يجري عمليات برية" في محور نتساريم جنوب مدينة غزة، وفي رفح جنوب القطاع.
ومن المتوقع أيضا أن يشمل أي هجوم بري كبير قوات احتياط، على الرغم من أنه قد لا يتطلب عددا كبيرا كما كان الحال في بداية الحرب.
القضاء على حماس
ورأى عميدرور أن "استئصال مقاتلي حماس الذين ما زالوا هناك سيتطلب مزيدا من القوة البشرية، ومزيدا من الجنود على الأرض".
وقال جنود الاحتياط الذين التقت بهم رويترز إنه مع استمرار الحرب، كافح كثيرون لتحقيق التوازن بين العمل والأُسرة والدراسة والانتشار العسكري.
وروى أحد جنود الاحتياط في القوات الخاصة، الذي أمضى نحو ثمانية أشهر من 15 شهرا من الحرب يخدم في غزة ولبنان وشمال إسرائيل "حتى الآن كان إحساسي هو أنه ما دام بقي هناك رهائن فأنا موجود، لكنني الآن لا أعرف. هناك كثير من عدم الثقة في قيادة البلاد، وليس من الواضح ما إذا كان الضغط العسكري سيساعد الرهائن".
كما يساوره القلق من الآثار النفسية التي لحقت بزوجته وأطفاله الستة، الذين قال إن أحدهم بدأ في إعداد كلمات التأبين له.
وذكر موقع واي نت الإسرائيلي وصحيفة هآرتس ذات الميول اليسارية هذا الشهر أن عدد جنود الاحتياط الذين يستجيبون للاستدعاء انخفض إلى 60% في بعض الوحدات. ولم يعلق الجيش الإسرائيلي.
مستقبل الحرب
وبالنسبة لهانوخ دوب، وهو كولونيل تقاعد مؤخرا وقاد قوات احتياطية ونظامية في غزة، فإن هذا الانخفاض لن يمنع الجيش من شن هجوم بري كبير إذا لزم الأمر، ومن المرجح أن تكون المشاركة مرتفعة في البداية.
لكن دوب، الذي يقود حاليا جمعية لجنود الاحتياط تُعرف باسم "منتدى محاربي السيوف الحديدية"، قال إنه إذا تحولت الحملة العسكرية إلى حرب عصابات مطولة دون أهداف استراتيجية واضحة، فإن ذلك سيؤدي في النهاية إلى الإرهاق.
aXA6IDE4LjE5MS4yMDEuMjcg جزيرة ام اند امز