سر «فشل» بايدن في غزة.. «خطأ» استراتيجي ونصيحة «ضائعة»
مهلة منحتها الولايات المتحدة لإسرائيل، لاتخاذ «إجراءات عاجلة ومستدامة»؛ لعكس الأزمة الإنسانية المتصاعدة في غزة، ملوحة بعقوبات حال عدم الامتثال.
إلا أن المهلة التي حُددت بـ30 يومًا، انتهت في النصف الأول من شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، دون تقدم ملموس في 15 إجراء من بين 19 طلبت أمريكا من إسرائيل تنفيذها، فيما لم تتخذ واشنطن أي خطوة نحو معاقبة إسرائيل.
وبحسب صحيفة «فورين أفيرز»، فإن هذا المثال كان الأكثر وضوحًا على فشل إدارة بايدن في محاسبة إسرائيل على انتهاك التزاماتها الإنسانية في حربها في غزة، لكنه ليس الوحيد؛ فمنذ الأيام الأولى للحرب، دعا بايدن وكبار مستشاريه إسرائيل مرارًا وتكرارًا إلى حماية جهود الإغاثة الإنسانية - ثم وقفوا مكتوفي الأيدي بينما شردت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ما يقرب من جميع سكان غزة، ودفعت العديد من الفلسطينيين إلى المجاعة، ومنعت جماعات الإغاثة من الوصول إلى القطاع، وقتلت العاملين في المجال الإنساني.
وأوضحت الصحيفة الأمريكية، أن النتائج في غزة تتحدث عن نفسها: فاليوم، يقدر عدد الأطفال الذين يحتاجون إلى العلاج من سوء التغذية بنحو 50 ألف طفل، ولا يعمل سوى أربعة مخابز من أصل 19 يدعمها برنامج الغذاء العالمي، ولا يعمل سوى 17 مستشفى من أصل 36 كان موجودًا في غزة قبل الحرب.
وتشير تقديرات اليونيسيف إلى أن 95% من مدارس غزة تضررت أو دمرت، وما زال أكثر من 1.9 مليون شخص ـ 90% من سكان غزة ـ نازحين قسراً.
اعتراف رسمي
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن الرسالة الأمريكية، كانت بمثابة اعتراف رسمي وإن كان ضمنياً، بمسؤولية إسرائيل المباشرة عن الظروف غير المقبولة في غزة. لكن يبدو أن نتنياهو افترض أنه لن تكون هناك عواقب إذا لم تكلف إسرائيل نفسها عناء الامتثال لمطالب الرسالة.
وحول أسباب فشل الجهود الدبلوماسية التي تبذلها الولايات المتحدة لتحسين الظروف الإنسانية في غزة، حصرتها «فورين أفيرز»، في عيبين أساسيين: أولاً، خلط الدبلوماسية الإنسانية مع دبلوماسية وقف إطلاق النار حتى مع تعثر مفاوضات وقف إطلاق النار؛ وثانياً، غياب الإرادة السياسية على أعلى مستويات الإدارة لمحاسبة إسرائيل عن التزاماتها الإنسانية بموجب القانون الأمريكي والدولي.
وأشارت إلى أن الخلل الأول كان متأصلاً في استراتيجية الولايات المتحدة في وقت مبكر جدًا من الحرب؛ ففي تصريحات أدلى بها في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أعرب مستشار بايدن بريت ماكجورك عن وجهة نظر الولايات المتحدة: أن تأمين وقف إطلاق النار هو الشيء الرئيسي الذي يمكن للحكومة الأمريكية القيام به لتحسين الظروف الإنسانية في غزة - وأن احتمال تحسن الظروف قد يدفع حماس إلى تقديم تنازلات.
وأثار هذا البيان ضجة من قبل مجموعات الإغاثة والعلماء القانونيين، الذين أشاروا إلى أن تقييد الوصول إلى المساعدات الإنسانية بهذه الطريقة ينتهك قوانين الحرب بشكل صارخ.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن إدارة بايدن تبنت منطق المساعدات مقابل الرهائن في جهودها التفاوضية، فقد زعم مسؤولو الإدارة في المناقشات العامة والخاصة مع مجموعات المساعدة أن أفضل طريقة لزيادة تدفقات المساعدات هي تأمين وقف إطلاق النار - وأن جهودهم نحو وقف إطلاق النار تعمل بالتالي بشكل فعال كمكون رئيسي لدبلوماسيتهم الإنسانية.
ومن المؤكد أن وقف إطلاق النار المطول كان سيمكن من التوسع بشكل كبير في جهود المساعدات الإنسانية، لكن التأثير الحقيقي المترتب على الرهان على هذا الاحتمال كان عامًا ضائعًا حيث أرجأت الولايات المتحدة الضغط على إسرائيل لتخفيف معاناة غزة طالما كان هناك بعض الأمل في وقف إطلاق النار.
وظلت إسرائيل حرة في الغالب في عرقلة تسليم المساعدات إلى غزة، شريطة أن تتمكن من «خداع» إدارة بايدن في مفاوضات وقف إطلاق النار المطولة.
وأكدت أن الهدفين المتمثلين في تخفيف الأزمة الإنسانية في غزة وتحقيق وقف إطلاق النار لم يكن ينبغي أن يرتبطا بهذا القدر، فالقانون الدولي لا لبس فيه في أن منع الإغاثة الإنسانية من أجل الضغط على السكان المدنيين يشكل عقاباً جماعياً وجريمة حرب واضحة.
ومن الناحية القانونية، يلتزم الطرف المتحارب بتسهيل وحماية جهود الإغاثة للمدنيين بصرف النظر عن وضع أي مفاوضات لوقف إطلاق النار، ولا يحق لحماس ولا لإسرائيل استخدام رفاهة المدنيين الفلسطينيين في غزة كورقة تفاوض.
خطأ استراتيجي
وبعيداً عن البعد القانوني، كان ربط المساعدات الإنسانية بوقف إطلاق النار خطأً استراتيجياً، فمن الواضح الآن أن ممارسة إسرائيل المتمثلة في الحد من الإغاثة في غزة لم تخفف من موقف حماس التفاوضي؛ بل إنها على العكس من ذلك شجعت الجماعة الفلسطينية من خلال نزع الشرعية عن إسرائيل على الساحة العالمية.
وأشارت إلى أنه كان ينبغي على الحكومة الأمريكية أن تستخدم نفوذها الكبير لدى الحكومة الإسرائيلية لمواصلة الدبلوماسية الإنسانية بشروطها الخاصة، وتحميل إسرائيل المسؤولية عن عرقلتها.
ومن المفارقات المأساوية أنه في عام 2018، كتب عدد من المسؤولين المستقبليين في إدارة بايدن ــ بما في ذلك مستشاره للأمن القومي، ووزير خارجيته، ومدير الاستخبارات الوطنية، وسفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ومدير الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ــ رسالة مفتوحة زعموا فيها أنه لإجبار حليف متمرد للولايات المتحدة على الالتزام بالتزاماته الإنسانية، يتعين على الولايات المتحدة أن تكون مستعدة لتعليق الدعم العسكري.
نصيحة ضائعة
واختتمت الصحيفة الأمريكية، بالتأكيد على أنه «لو كان مسؤولو بايدن قد اتبعوا نصيحتهم عندما يتعلق الأمر بغزة، لكانوا قد أنقذوا أرواحًا لا حصر لها»، لكن بدلاً من ذلك، لا يوجد الآن ما يمنع المجاعة في شمال غزة وتفاقم الدمار الذي يحاصر بقية المنطقة.
ومن المرجح أن تتفاقم أزمة سكان غزة عندما يتولى دونالد ترامب زمام الأمور، حيث أشارت إدارته القادمة إلى أنها ستمنح نتنياهو حرية أكبر في التصرف.
لكن رفض بايدن وضع ثقل حقيقي وراء خطابه أهدر الفرصة لدعم قدرة سكان غزة على الوصول إلى المساعدات قبل أن تأتي هذه اللحظة، تقول الصحيفة الأمريكية، مشيرة إلى أن «معاناتهم غير المقبولة ستكون وصمة عار لا تمحى على إرثه».
aXA6IDE4LjExNi4xMC41OCA=
جزيرة ام اند امز