ماذا تبقى في غزة لاحتلالها؟

بعد أن أُنهكت غزة تحت القصف والنزوح على مدار عامين تقريبا، يسأل أهلها: ما الذي تبقى في المدينة لتحتله إسرائيل؟
وصباح الجمعة، أعلنت إسرائيل أنها تخطط للسيطرة على مدينة غزة في تصعيد جديد لحربها المستمرة منذ 22 شهرا مع حماس.
جاء القرار، الذي اتُخذ بعد اجتماع لكبار المسؤولين في وقت متأخر من الليل، على الرغم من الدعوات الدولية المتزايدة لإنهاء الحرب واحتجاجات الكثيرين في إسرائيل الذين يخشون على الرهائن المتبقين لدى حماس.
ووفق ما طالعته "العين الإخبارية" في موقع "أكسيوس" الأمريكي، فقد صدر القرار بعد أكثر من عشر ساعات من المشاورات في مجلس الوزراء الأمني، وهو المرحلة الأولى من هجوم قد يشمل احتلال قطاع غزة بأكمله.
وأسفرت الحرب الجوية والبرية الإسرائيلية منذ اندلاعها في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، عن مقتل أكثر من 61 ألف فلسطيني. ونزوح معظم السكان، وتدمير مساحات شاسعة. كما دفعت القطاع نحو المجاعة.
ويؤكد فلسطينيون ومنظمات دولية أن أي عملية برية كبرى أخرى ستؤدي إلى تفاقم الكارثة الإنسانية في القطاع الفلسطيني.
وكان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قد حدد في وقت سابق خططا أكثر شمولا في مقابلة مع قناة فوكس نيوز، قائلا إن إسرائيل تخطط للسيطرة على غزة بأكملها.
وبالفعل تسيطر إسرائيل على حوالي ثلاثة أرباع القطاع المدمر.
ماذا تريد إسرائيل؟
ولكن القرار النهائي، الذي جاء بعد اجتماع مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي طوال الليل، توقف عند هذا الحد، وربما يهدف جزئيا إلى الضغط على حماس لقبول وقف إطلاق النار وفقا لشروط إسرائيل. بحسب وكالة أسوشيتد برس.
وجاء القرار رغم تحفظات رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الذي رأى- بحسب تقارير- أن احتلال غزة سيعرّض للخطر ما تبقى من رهائن أحياء لدى حماس، وعددهم نحو 20، وسيُزيد من الضغط على الجيش بعد قرابة عامين من الحروب الإقليمية.
وقال مكتب نتنياهو في بيان عقب الاجتماع: "سيستعد الجيش للسيطرة على مدينة غزة مع تقديم المساعدات الإنسانية للسكان المدنيين خارج مناطق القتال".
"لم يبقَ شيء للاحتلال"
وتُعد غزة المدينة واحدة من المناطق القليلة في القطاع التي لم تُحول إلى منطقة عازلة إسرائيلية أو وُضعت تحت أوامر إخلاء.
وفي هذا السياق، لفتت أسوشيتد برس، إلى أن أي عملية برية كبيرة هناك قد تؤدي إلى نزوح عشرات الآلاف من الأشخاص، وتعيق جهود إيصال الغذاء إلى القطاع المنهك.
ليس من الواضح عدد سكان المدينة، التي كانت أكبر مدن القطاع قبل الحرب.
وفرّ مئات الآلاف من مدينة غزة بموجب أوامر إخلاء في الأسابيع الأولى من الحرب، لكن الكثيرين عادوا خلال وقف إطلاق النار في بداية هذا العام.
وكان الفلسطينيون يتوقعون بالفعل المزيد من المعاناة قبل القرار، وقد قُتل ما لا يقل عن 42 شخصا في غارات جوية وإطلاق نار إسرائيلي يوم الخميس، وفقا للمستشفيات المحلية.
وقالت ميساء الحيلة، التي تعيش في مخيم للنازحين لوكالة أسوشيتد برس: "لم يتبقَّ شيء للاحتلال. لم يبق غزة".
"لا نريد الاحتفاظ بها"
عندما سُئل نتنياهو في مقابلة مع قناة فوكس نيوز قبل اجتماع مجلس الوزراء الأمني عما إذا كانت إسرائيل "ستسيطر على غزة بأكملها"، أجاب: "نعتزم، لضمان أمننا، إخراج حماس من هناك".
وأضاف نتنياهو في المقابلة: "لا نريد الاحتفاظ بها. نريد أن يكون هناك محيط أمني. نريد تسليمها لقوات عربية تحكمها بشكل صحيح دون تهديدنا، وتضمن لسكان غزة حياة كريمة".
من جهته، حذر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، إيال زامير، من احتلال غزة، قائلا إنه سيعرض الرهائن للخطر ويزيد من الضغط على الجيش بعد قرابة عامين من الحرب، وفقا لتقارير إعلامية إسرائيلية حول اجتماع مجلس الوزراء الأمني المغلق.
وفي هجوم السابع من أكتوبر 2023 الذي أشعل فتيل الحرب، اختطف مسلحون بقيادة حماس 251 شخصا وقتلوا نحو 1200.
أُطلق سراح معظم الرهائن في اتفاقات وقف إطلاق النار أو غيرها من الاتفاقات، لكن 50 منهم لا يزالون داخل غزة، وتعتقد إسرائيل أن نحو 20 منهم على قيد الحياة.
الإبحار نحو غزة
في هذه الأثناء، أبحر نحو 24 من أقارب الرهائن من جنوب إسرائيل باتجاه الحدود البحرية مع غزة يوم الخميس، حيث بثوا رسائل عبر مكبرات الصوت.
وقال يهودا، والد نمرود كوهين، الجندي الإسرائيلي المحتجز في غزة، من على متن القارب، إن "نتنياهو يُطيل أمد الحرب لإرضاء المتطرفين في ائتلافه الحاكم".
ويسعى حلفاء نتنياهو من اليمين المتطرف إلى تصعيد الحرب، ونقل معظم سكان غزة إلى دول أخرى، وإعادة بناء المستوطنات اليهودية التي فُككت عام ٢٠٠٥.
وأضاف كوهين: "نتنياهو يعمل لمصلحته الشخصية فقط".
انتقادات متزايدة لإسرائيل و"مؤسسة غزة الإنسانية"
ونشرت منظمة أطباء بلا حدود، تقريرا لاذعا يندد بنظام توزيع مؤسسة غزة، وقالت: "هذه ليست مساعدة. إنها قتل مُدبّر".
وتدير منظمة أطباء بلا حدود مركزين صحيين قريبين جدا من مواقع المؤسسة في جنوب غزة، مشيرة إلى أنها عالجت 1380 شخصا مصابا بالقرب من المواقع بين 7 يونيو/حزيران و20 يوليو/تموز، من بينهم 28 توفوا عند وصولهم.
ومن بين هؤلاء، أصيب 147 شخصا على الأقل بطلقات نارية - من بينهم 41 طفلا على الأقل.
وأضافت منظمة أطباء بلا حدود أن مئات آخرين أصيبوا بجروح ناجمة عن اعتداءات جسدية نتيجة التدافع الفوضوي للحصول على الطعام في المواقع، وأن العديد من المرضى أصيبوا بالتهابات شديدة في العيون بعد رشهم برذاذ الفلفل من مسافة قريبة.
ونوهت إلى أن الحالات التي عاينتها لا تمثل سوى جزء بسيط من إجمالي الإصابات المرتبطة بمواقع مؤسسة غزة.
وذكر التقرير أن "مستوى سوء الإدارة والفوضى والعنف في مواقع التوزيع التابعة لمؤسسة غزة يرقى إما إلى إهمال متهور أو إلى فخ موت مصمم عمدا".
من جهتها، اعتبرت "مؤسسة غزة الإنسانية" أن "الاتهامات باطلة ومشينة" واتهمت أطباء بلا حدود "بتضخيم حملة تضليل" دبرتها حماس.
وساهمت الولايات المتحدة وإسرائيل في إنشاء "مؤسسة غزة" كبديل لنظام إيصال المساعدات الذي تديره الأمم المتحدة والذي دعم غزة لعقود، متهمتين حماس باختلاس المساعدات.
وتنفي الأمم المتحدة أي تحويل جماعي من جانب حماس، وتتهم "مؤسسة غزة" بإجبار الفلسطينيين على المخاطرة بحياتهم للحصول على الغذاء، وتقول إنه يدعم خطط إسرائيل لمزيد من النزوح الجماعي.