غزة بمجلس الأمن.. الإمارات تسدد في شباك «الكبار» وتنشد السلام
إلى فلسطين ومدنها، تُوجه دولة الإمارات بوصلتها الدبلوماسية والإنسانية، لترسم خارطة طريق واضحة المعالم لإرساء الاستقرار وإنهاء المعاناة الإنسانية.
فمنذ بدء التصعيد الإسرائيلي في قطاع غزة، في السابع من الشهر الماضي، وما خلّفه من أزمة إنسانية كبيرة بالقطاع المحاصر، دارت عجلة الدبلوماسية الإماراتية بوتيرة سريعة بتوجيهات ملهمة وقيادة حكيمة للشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة.
توجيهاتٌ ببحث سبل وقف التصعيد في غزة، وحماية جميع المدنيين وتقديم الدعم الإنساني لهم، وإيجاد أفق للسلام الشامل، توجها اجتماع عقده مجلس الأمن الدولي، الليلة الماضية، تخللته رسائل قوية وجهتها مندوبة الإمارات لدى الأمم المتحدة، انتقدت خلالها فشل المجلس في وقف الدمار والمعاناة في غزة طيلة الفترة الماضية.
إنسانيا، هبّت الإمارات تضيء قلوب المفطورين بقناديل الأمل، فسيّرت قافلات المساعدات تشق طرق الفضاء للوصول إلى قلب المأساة، لإغاثة أهل القطاع ممن شردتهم الحرب من منازلهم.
مجلس الأمن مجددا
نهجٌ إماراتي ثابت تجاه القضية الفلسطينية تجدد الليلة الماضية، في اجتماع عقده مجلس الأمن الدولي، بشأن الحالة في الشرق الأوسط، بما في ذلك المسألة الفلسطينية، وذلك في اليوم الأربعين للحرب الإسرائيلية.
في ذلك الاجتماع، خرج مجلس الأمن الدولي عن صمته للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة حماس، بإصداره قرارا يدعو إلى "هدنات وممرات إنسانية" في قطاع غزة.
والقرار الذي صاغته مالطا وتم تبنيه بأغلبية 12 صوتا بينهم الإمارات العربية المتحدة العضو العربي الوحيد بالمجلس، "يدعو إلى هدنات وممرات إنسانية واسعة النطاق وعاجلة لعدد كاف من الأيام" لتقديم المساعدات الإنسانية للمدنيين في غزة.
تأييد إماراتي يأتي في ظل حراك متواصل لدعم غزة داخل مجلس الأمن الدولي، وليترجم مجددا نهج الدولة الثابت تجاه القضية الفلسطينية.
أهمية خاصة
ويحمل هذا القرار أهمية خاصة لأكثر من سبب، أبرزها أنه الأول حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يتم اعتماده في مجلس الأمن الدولي منذ عام 2016.
كما يُعد أول قرار من المجلس بشأن الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة منذ 41 يوما، بعد فشل المجلس في اعتماد 4 قرارات سابقة طرحت عليه، بسبب استخدام الفيتو أو عدم الحصول على العدد الكافي من الأصوات.
أهمية أخرى يحملها قرار الأمس، في كونه يتوج جهود الإمارات المتواصلة في حلحلة الجمود الراهن في قرارات المجلس بشأن الأزمة في غزة.
جهود كبيرة
ومنذ تجدد التصعيد بغزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عقد مجلس الأمن 9 جلسات حول القضية الفلسطينية والوضع في غزة.
ولم تمر أي من تلك الجلسات دون أن تسجل الإمارات رسائل قوية داعمة، إضافة إلى سعيها لتحقيق التوازن بين مختلف الأطراف والعمل على دعم جهود السلام وتخفيف حدة التصعيد.
من بين تلك الجلسات التسع خمسة اجتماعات تم عقدها بطلب من الإمارات، حرصت الدولة خلالها على إتاحة المجال لأعضاء المجلس الاستماع إلى إحاطات من مسؤولين أمميين وآخرين في المجال الإنساني، كشفت حقائق الوضع الإنساني المأساوي في غزة.
ووجه المسؤولون في تلك الإحاطات دعوات بالوقف الإنساني لإطلاق النار.
إحاطات كان لها الأثر الكبير في حلحلة مواقف أعضاء مجلس الأمن الدولي، وصولا إلى اتخاذ قرار الأمس، أخيرا، بشأن الوضع في غزة.
ويرى مراقبون أنه على الرغم من أن القرار لا يلبي كامل الطموحات بشأن هدنة إنسانية فورية ودائمة في غزة، إلا أنه يعد خطوة أولى ومهمة نحو تحقيق هذا الهدف، في ظل الانحياز الأمريكي المطلق لإسرائيل داخل مجلس الأمن الدولي.
كما أنه يعد خطوة هامة في ظل ما تضمنه من عناصر رئيسية تشتمل على:
• الضرورة الأساسية لحماية الأطفال.
• فترات توقف ممتدة لأيام كافية في جميع أرجاء غزة، مما يسمح بالقيام بالأنشطة الإنسانية الحيوية.
• مطالبة المجلس لكافة الأطراف بالامتثال لالتزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني.
نص القرار
القرار دعا إلى" إقامة هُدن وممرات إنسانية عاجلة ممتدة في جميع أنحاء قطاع غزة لعدد كاف من الأيام لتمكين الوكالات الإنسانية الأممية وشركائها من الوصول الكامل والعاجل ودون عوائق لتقديم المساعدة الإنسانية وتيسير توفير السلع والخدمات الأساسية المهمة لرفاه المدنيين وخاصة الأطفال في جميع أنحاء قطاع غزة."
كما دعا القرار إلى "الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن الذين تحتجزهم حماس وغيرها من الجماعات، ولا سيما الأطفال، فضلا عن ضمان الوصول الفوري للمساعدات الإنسانية".
وأهاب القرار بجميع الأطراف الامتناع عن حرمان السكان المدنيين في غزة من الخدمات الأساسية والمساعدة الإنسانية اللازمة لبقائهم على قيد الحياة بما يتفق مع القانون الدولي الإنساني".
ورحب بالعملية الأولية لتوفير الإمدادات الإنسانية للمدنيين في قطاع غزة وإن كانت محدودة، داعيا إلى توفير هذه الإمدادات لتلبية الاحتياجات للسكان المدنيين وخاصة الأطفال.
وطالب جميع الأطراف بالامتثال لالتزاماتها بموجب القانون الدولي.
رسائل وتحذيرات
وفي تعليلها للتصويت لصالح القرار خلال اجتماع مجلس الأمن، الليلة الماضية، وجهت السفيرة لانا نسيبة المندوبة الدائمة لدولة الإمارات في الأمم المتحدة رسائل هامة، تضمنت انتقادات ضمنية لتأخر المجلس في اتخاذ قرار بهذا الشأن، وإن شددت على أهمية القرار.
وقالت نسيبة "تشتعل الحرب على غزة منذ 40 يوما. ورغم عقدنا اجتماعات عدة، واستماعنا لإحاطات مؤثرة للغاية، واطلاعنا على تقارير تُفطر القلب، لم يتمكن المجلس من إصدار أي قرار يحد من معاناة المدنيين في غزة".
وأضافت "بات الانطباع خارج هذه القاعة خاصة في منطقتنا أن المجلس غير مبالٍ بالمذبحة ومتجاهلٌ للمعاناة التي نشهدها، ولكن تلوح أمامنا اليوم فرصة للبدء في تغيير هذا التصور، بفضل الجهود الاستثنائية لمالطا، وفريقها الذين نتوجه لهم بالشكر، ومع الدعم الكامل الذي قدمناه بصفتنا العضو العربي في المجلس.
وتابعت "هذا القرار هو خطوة أولى مهمة ومتأخرة للمجلس، ولهذه الأسباب سنصوت لصالحه، حيث يحظى بدعم مجموعتنا. ومع ذلك، تواصل دولة الإمارات عزمها على العمل من أجل التوصل إلى وقف إنساني لإطلاق النار، ويجب ألا يغيب عن أذهاننا هذا الهدف المُلح".
وأكدت أن اعتماد القرار "ما هو إلا مجرد بداية نحو الرد على هذه الحرب والتعامل مع الأزمة".
وآثرت مندوبة الإمارات في الأمم المتحدة التحذير مما يتعرض له الفلسطينيون في الضفة الغربية أيضا من المستوطنين، قائلة في هذا الصدد " حتى المناطق التي لا تتواجد فيها حماس، يتعرض الفلسطينيون للموت أيضاً في الأراضي المعترف بها دولياً كجزء من دولتهم المقبلة، فخلال تلك الفترة، أي الأربعين يوماً الماضية، والتي لم تنل التوثيق المناسب، قُتل ما يقرب من 200 مواطن فلسطيني في الضفة الغربية، بسبب عنف وهجمات المستوطنين".
وأردفت :"كل هذا يجب أن يتوقف، ويتعين على إسرائيل تحميل مرتكبي هذه الهجمات كامل المسؤولية".
أهمية إنسانية
وعرجت السفيرة لانا نسيبة في كلمتها أمام المجلس على الأهمية الإنسانية للقرار سواء بشكل عام، أو بالنسبة لدعم جهود بلادها لغزة.
وأوضحت أن أهمية القرار تنبع من كونه سيسهم في:
- إتاحة الوقت والمجال الكافيين في الوقت الراهن أمام عمليات البحث والإنقاذ لمحاولة إخراج المدفونين من الأطفال تحت الركام، بما يشمل أكثر من 1500 طفل تم الإبلاغ أنهم مفقودون.
- إيصال الوقود والغذاء والمياه والأدوية والسلع الأخرى على نطاق واسع.
- إجلاء الأطفال المرضى والجرحى.
- ستساعد فترات التوقف الممتدة هذه أيضاً في الوصول إلى أولئك المحتجزين، خاصة الأطفال الذي يدعو هذا القرار إلى إطلاق سراحهم دون قيد أو شرط.
- رفض التهجير القسري للفلسطينيين، وهذه مسألة ضرورية، إذ إن ثلثي السكان في غزة من اللاجئين الفلسطينيين الذين عانوا بالفعل من عواقب التهجير القسري، ومرة أخرى تعرض حوالي 80 بالمائة من سكان غزة إلى التهجير مجدداً خلال الأيام الأربعين الماضية.
جهود إماراتية متواصلة
وعن أهمية القرار من الجانب الإنساني للإمارات، قالت السفيرة لانا نسية "وبالنسبة لدولة الإمارات يمكننا هذا القرار من الاضطلاع بجهودنا، ومنها جهودنا الإنسانية على الأرض، مثل:
- استقبال ألف طفل فلسطيني وعائلاتهم لتلقي العلاج في الدولة، وقد بدأنا بتنفيذ ذلك بالفعل، حيث نأمل في استقبال الدفعة الأولى من الأطفال خلال الأسبوع المقبل.
- سيفتح القرار الطريق لإنشاء مستشفى ميداني للطوارئ في قطاع غزة.
وشددت مندوبة الإمارات على أهمية "ضمان التنفيذ الكامل" للقرار.
وبينت أن "القانون الدولي، خاصة ما يتعلق بقواعد الحرب، ملزم لجميع أطراف هذا الصراع، ولا يمكن لأي لبس أن يشوب هذه النقطة".
وشددت على أنه "ينبغي على إسرائيل أن توقف هجماتها على المدنيين والأعيان المدنية، وأن تدعم تدابير الحماية الخاصة التي يوفرها القانون الدولي للمستشفيات والمدارس، وأيضاً أن تضمن وصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن ودون عوائق".
وجددت السفيرة الإماراتية إدانة بلادها "للغارة الإسرائيلية على مستشفى الشفاء خلال الـ24 ساعة الماضية، والهجمات الأخرى على المستشفيات، مؤكدة أن "هذا النوع من العمل العسكري بالتحديد هو ما يرفضه قرار اليوم، فالمستشفيات هي أماكن مقدسة يجب حمايتها".
وحثت مجلس الأمن، بالعمل على المستوين الجماعي والفردي، ومنح الأولوية لحل هذا الصراع، على أساس حل الدولتين.
وحذرت من أن "أمن إسرائيل الحقيقي والدائم سيظل حلماً بعيد المنال إذا ما بني على استمرار إنكار حق الشعب الفلسطيني غير القابل للتصرف في تقرير المصير"، معتبرة أن "أي سياسة تسعى إلى إخفاء هذه الحقيقة محكوم عليها بالفشل".
مساران يتكاملان
رسائل تؤكد أن نشر السلام وحل القضية الفلسطينية مساران يتكاملان، وهو ما تسعى الإمارات لتحقيقه، بشكل آنٍ ومستدام.
وهذا ما أكده الدبلوماسي الإماراتي السابق يوسف الحسن في تصريحات خاصة لـ"العين الإخبارية"، أبرز خلالها الجهود الإنسانية والدبلوماسية التي تبذلها بلاده لدعم القضية الفلسطينية.
وقال في هذا الصدد "عندما سارت الإمارات في مسار بناء التعايش والاستقرار والازدهار في المنطقة لم يكن هذا المسار بديلا على حل القضية الفلسطينية، لذلك لا بد إلى العودة لجذور القضية ولا بد من انحسار الاحتلال، وتطبيق القرارات الدولية والتوجه الإنساني في هذا المجال، فهذا شعب له حقوقه".
ولفت إلى أن الإمارات تقوم بالكثير من المبادرات الدبلوماسية لدعم القضية الفلسطينية "أحيانا لا يعلن عنها"، جنبا إلى جنب مع "الجانب الإنساني الذي تتميز به الإمارات ويتجاوز الخلافات الآنية والتباينات المختلفة".
وأكد الحسن ضرورة وقف هذه الحرب التي طالت الحجر والبشر، محذرا من أن "استمرار العبث في أمن المنطقة العربية يعيق التقدم والازدهار والاستقرار".
ملحمة دبلوماسية وإنسانية بالأرقام
جهود إماراتية تتواصل ضمن ملحمة سياسية وإنسانية يقودها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات لدعم غزة والقضية الفلسطينية.
وبحسب إحصاء لـ"العين الإخبارية" فقد بحثت دولة الإمارات سبل وقف التصعيد في غزة وحماية جميع المدنيين عبر 67 اتصالاً ولقاءً، و27 اجتماعاً وقمة، من بينها 9 اجتماعات في مجلس الأمن الدولي.
فضلاً عن إطلاقها 3 مبادرات إنسانية هي "الفارس الشهم 3" و"تراحم من أجل غزة"، كما تم الإعلان عن استضافة ألف طفل فلسطيني برفقة عائلاتهم من قطاع غزة لتقديم جميع أنواع الرعاية الطبية والصحية التي يحتاجون إليها في مستشفيات الإمارات، تنفيذا لتوجيهات القيادة.
وعبر تلك المبادرات، أرسلت دولة الإمارات 69 طائرة لإغاثة غزة من بينها 37 طائرة ضمن عملية "الفارس الشهم 3"، أحد أبرز مهامها نقل مستلزمات مستشفى ميداني تعتزم الإمارات إقامته في غزة، و32 طائرة نقلت 1030 طناً من المساعدات تمّ جمعها من حملة "تراحم من أجل غزة".
كذلك تم الإعلان عن تقديم مساعدات إنسانية عاجلة بقيمة تتجاوز 154 مليون درهم.