مسؤولة في منظمة بيئية: أعلى بصمة بلاستيكية تأتي من الشرق الأوسط.. والعالم مطالب بمعاهدة ملزمة

تستقبل مدينة جنيف السويسرية، الجولة الأخيرة من المفاوضات للاتفاق على معاهدة دولية ملزمة قانونياً للحد من التلوث البلاستيكي في الفترة ما بين 5 إلى 14 أغسطس/آب 2025.
تأتي هذه الجولة بعد 3 سنوات من المفاوضات التي بدأت في عام 2022 تحت إشراف "برنامج الأمم المتحدة للبيئة" (UNEP). وعلى الرغم من كونها الجولة الأخيرة لحسم الاتفاق من أجل إبرام المعاهدة، إلا أنّ هناك العديد من الخلافات بين الممثلين لأكثر من 170 دولة حول العالم حضروا إلى جنيف لمناقشة أهم بنود المعاهدة.
وفي هذا الصدد، أجرت العين الإخبارية حوارًا مع "فرح الحطاب" ممثلة غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مفاوضات معاهدة البلاستيك العالمية ومسؤولة حملة البلاستيك؛ لتخبرنا عن أبرز المستجدات في المفاوضات وتصوراتها حول السيناريوهات المحتملة للمعاهدة.
إليكم نص الحوار..
1- لماذا مفاوضات البلاستيك في جنيف مهمة للمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟
الجولة الموسّعة من الدورة الخامسة للجنة التفاوض الحكومية الدولية المنعقدة في جنيف والمعنية بإبرام معاهدة عالمية حول البلاستيك في غاية الأهمية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. تعد مشكلة التلوث البلاستيكي بارزة بشكل خاص في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي تسجّل أعلى بصمة بلاستيكية للفرد في العالم، حيث يُقدَّر أن المواطن في المنطقة يطلق أكثر من 6 كيلوغرامات من النفايات البلاستيكية إلى المحيطات سنويًا، وفقًا للبنك الدولي. وفي الوقت نفسه، تفتقر بلداننا إلى أنظمة فعّالة لإدارة النفايات.
النفايات البلاستيكية توجد الآن في المحيطات، التربة، الهواء، وحتى داخل أجسامنا. إن إنتاج البلاستيك واستخدامه بشكل مفرط يتسبب في التأثير على صحة الإنسان و تدهور النظم البيئية، ويهدد الاقتصادات.
على الصعيد الصحي، فإن المواد الكيميائية المضافة إلى البلاستيك تعتبر شديدة السمية. تتضمن هذه المواد العديد من المركبات المسرطنة التي تزيد من خطر الإصابة بالسرطان، بالإضافة إلى المواد السامة للأعصاب التي تؤثر على الجهاز العصبي. كما تشمل بعض المواد المركبات التي تعطل عمل الغدد الصماء، مما يؤدي إلى اضطرابات هرمونية قد تؤثر على النمو، التناسل، وحتى الجهاز المناعي. هذه التأثيرات قد تسهم في مشاكل إنجابية مثل العقم وزيادة خطر الإصابة بالأمراض المزمنة مثل السكري وأمراض القلب.
يتفاعل الميكروبلاستيك مع السموم والملوثات البيئية الأخرى بشكل يزيد من المخاطر الصحية. يمكن تشبيه الميكروبلاستيك بإسفنجة تمتص ملوثات مثل المبيدات الحشرية، المعادن الثقيلة، والهيدروكربونات السامة من البيئة المحيطة. وبالتالي، يصبح الميكروبلاستيك ناقلًا لهذه المواد الملوثة إلى الكائنات الحية والأوساط البيئية المختلفة. وعندما يدخل الميكروبلاستيك إلى الجسم، قد تتحرر هذه السموم وتؤثر على الأنسجة والخلايا، مما يساهم في حدوث التهابات، اضطرابات هرمونية، ومشاكل في الجهاز المناعي.
يمتد تأثير التلوث البلاستيكي على النظم البيئية البحرية إلى ما هو أبعد من المخاوف البيئية، إذ ينطوي أيضاً على عواقب اقتصادية خطيرة. فسبل عيش المجتمعات الساحلية التي تعتمد بشكل كبير على البحر، ولا سيما الصيادين، أصبحت مهددة على نحو متزايد. ومع تراجع أعداد الأسماك نتيجة تدهور المواطن الطبيعية وابتلاع الكائنات البحرية للجزيئات البلاستيكية الدقيقة، تنخفض كميات الصيد، ما يؤثر على الدخل والأمن الغذائي على حد سواء.
كما يعاني قطاع السياحة، الذي يُعد ركناً اقتصادياً أساسياً للعديد من الدول الساحلية، من هذه الأزمة. فالشواطئ المليئة بالنفايات البلاستيكية تُنفّر الزوار، وتُلحِق الضرر بالأعمال المحلية التي تعتمد على السواحل النظيفة والجذابة. ويؤدي تدهور الشعاب المرجانية، الذي تفاقمه ملوثات البلاستيك الدقيقة، إلى تقليص جاذبية السياحة البحرية، بدءاً من الغوص والغطس وصولاً إلى الجولات البيئية لمراقبة الحياة البحرية.
2- هل هناك نقاط الخلاف بين الدول الصناعية والدول النامية في جنيف لإبرام معاهدة بلاستيك ملزمة؟ وما هي؟
الخلاف في المفاوضات لا يقوم على أساس التقسيم بين الدول النامية والدول الصناعية، إذ إن بعض الدول المصنَّفة صناعية تُعد في الوقت نفسه دولاً نامية. جوهر الخلاف يتمحور حول مواقف الدول تجاه صناعة البتروكيماويات؛ فهناك دول لديها مصالح مباشرة وطموحات لتوسيع هذه الصناعة وتطويرها، في مقابل دول أخرى تدفع باتجاه خفض الإنتاج. وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تتأثر جميع الدول بدرجة متساوية من التلوث البلاستيكي، لكن الانقسام الإقليمي ينبع من التباين بين الدول الساعية لتعزيز صناعتها البتروكيماوية وتلك التي تدعو إلى الحد منها. ليس من الكافي حل مشكلة تلوث البلاستيك من جهة المصب فقط (downstream measures) مثل إعادة التدوير، بل يجب إغلاق الصنابير على إنتاج البلاستيك، وهو ما يتطلب طموح وإرادة سياسية، والتحول الى قطاعات أكثر استدامة.
إحدى نقاط الخلاف الرئيسية الأخرى تتمثل في أن دول الجنوب العالمي، سواء كانت صناعية أم لا، تحتاج إلى آلية تمويل قوية تقدمها الدول المتقدمة، لتمكينها من مواجهة أزمة البلاستيك بفعالية. ومن دون التوصل إلى اتفاق حول هذه الآلية، لن تتمكن هذه الدول من تحقيق انتقال عادل ومنصف نحو مستقبل خالٍ من البلاستيك.
3- قد تكون هناك بعض الحساسية من قبل بعض المستفيدين من صناعة البلاستيك كالشركات الكبرى؛ فكيف تؤثر مصالح تلك الشركات في صناعة البلاستيك على مسار التفاوض؟
أرسلت الشركات الصناعية الكبرى ممثلين لها إلى المفاوضات، وعملت على إبطاء وتيرة التقدم من خلال تشكيل مجموعات ضغط. ووفقاً لتقرير مركز القانون البيئي الدولي (CEIL)، الذي نشر يوم الخميس 7 أغسطس/آب، فقد مُنح 234 من جماعات الضغط التابعة لصناعات الوقود الأحفوري والكيماويات العالمية تصاريح لدخول المفاوضات.
إن وجود هذا العدد الكبير من لوبيات الوقود الأحفوري والبتروكيماويات في جنيف يهدد بتقويض فرصة حاسمة لمواجهة التلوث البلاستيكي وحماية الصحة العامة. والمقلق أن يكون للجهات التي تساهم في تفاقم الأزمة تأثير مباشر وكبير على صياغة الحلول التي من المفترض أن تحمي حق الجميع في بيئة صحية وحياة آمنة.
4- ما أهم البنود التي يجري التفاوض حولها؟
من أبرز البنود المطروحة للنقاش حالياً المادة السادسة، التي تتعلق بوضع هدف عالمي ملزم لخفض إنتاج البلاستيك. إدراج هذه المادة يُعد شرطاً أساسياً لضمان قوة المعاهدة وقدرتها على مواجهة التلوث البلاستيكي بشكل فعّال.
كما تشكّل المادة الحادية عشرة محور خلاف آخر، وهي تتناول إنشاء آلية تمويل قوية لدعم دول الجنوب العالمي في تنفيذ بنود المعاهدة، وضمان انتقال عادل نحو اقتصاد دائري خالٍ من البلاستيك.
5- هل هناك مجال للتطرق إلى فرض قيود على المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد أو المواد المضافة السامة؟
جزءاً من كون مخرجات المفاوضات قوية وفعّالة، هي أن تتضمن المعاهدة بنوداً واضحة لحظر البلاستيك أحادي الاستخدام، وخاصة المواد غير الضرورية منه مثل الأكياس البلاستيكية الخفيفة، وأدوات الطعام والشرب البلاستيكية (كالأطباق، والأكواب، والملاعق، والشوك)، وعبوات المشروبات وزجاجات المياه، وعبوات التغليف ذات الاستخدام الواحد.
المادة الثالثة من المعاهدة ستحدد المواد الأكثر ضرراً وسُميّة الموجودة في المنتجات البلاستيكية، ويجري حالياً التفاوض حول هذه القضايا لضمان معايير للحد من أخطارها.
6- ما أهمية إنشاء صندوق تمويل لدعم الدول النامية في التحول بعيدًا عن البلاستيك؟ وهل هناك حديث بشأن هذا؟
تُعد آلية التمويل القوية الجاري التفاوض حولها من أهم مخرجات المحادثات، إذ تهدف إلى مساعدة دول الجنوب العالمي على تنفيذ بنود المعاهدة وضمان انتقال عادل نحو اقتصاد دائري خالٍ من البلاستيك. ومن الضروري أن تتضمن المعاهدة آليات تمويل غير مشروطة أو مرتبطة بديون على الدول المستفيدة، وأن تكون هذه الآليات مؤطرة بوضوح من حيث مصادر التمويل ووجهة إنفاقه. ونظراً لبطء وتيرة المفاوضات، لم يتم التوصل بعد إلى صيغة نهائية لهذه المادة، ما يجعل من الضروري استمرار الضغط والتفاوض لضمان إدراجها بشكل فعّال.
7- هل المفاوضات في جنيف مفتوحة بما يكفي لمشاركة المجتمع المدني والعلماء؟
المفاوضات مفتوحة أمام المنظمات والممثلين عن المجتمع المدني، لكن بعض الاجتماعات المخصصة لممثلي الدول تُعقد خلف أبواب مغلقة، ما يمنع حضور المجتمع المدني. كما أن عدد ممثلي المجتمع المدني المسموح لهم بحضور جلسات التفاوض محدود، وهو ما ينعكس على حجم مشاركة المراقبين وقدرتهم على متابعة مجريات هذه العملية بشكل كامل.
8- ما فرص الربط بين هذه المعاهدة المنتظرة وأجندات أخرى مثل اتفاق باريس أو أهداف التنمية المستدامة؟
الرابط هو أن معاهدة طموحة لمكافحة التلوث البلاستيكي ستعالج المشكلة من جذورها، من خلال الحد من الإنتاج المفرط للبلاستيك، وليس الاكتفاء بمعالجة النفايات الناتجة عنه. هذا النهج الوقائي سيؤدي مباشرة إلى خفض انبعاثات الغازات الدفيئة المرتبطة بدورة حياة البلاستيك. إضافة إلى ذلك، فإن هذه المعاهدة تتقاطع بشكل وثيق مع أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، مثل الهدف 12 المتعلق بضمان أنماط الاستهلاك والإنتاج المستدامة. ومن خلال تبني هذه المبادئ والبناء عليها، يمكن للمعاهدة أن تسهم في تحقيق تكامل حقيقي بين الأجندات البيئية والتنموية، بما يضمن أن الجهود المبذولة لمكافحة التلوث البلاستيكي تسير جنباً إلى جنب مع خطط التنمية المستدامة، وتعود بالنفع على الإنسان والبيئة والاقتصاد على حد سواء.
9- ما السيناريوهات المحتملة لمخرجات المعاهدة؟ هل تتوقعين أن تكون نقطة تحول في إدارة البلاستيك عالميًا؟
إذا تم التوصل إلى معاهدة قوية وفعّالة تتضمن أربعة أهداف أساسية: هدفاً عالمياً لخفض إنتاج البلاستيك، وحظراً على المواد البلاستيكية أحادية الاستخدام، وأهدافاً طموحة لإعادة الاستخدام، وآليات تمويل قوية لدعم دول الجنوب العالمي في تنفيذ بنود المعاهدة وضمان انتقال عادل نحو مستقبل خالٍ من البلاستيك، فستكون هذه المعاهدة نقطة تحول حقيقية في مكافحة التلوث البلاستيكي عالمياً، وقد تحقق التغيير الذي نطمح إليه.
أما إذا جاءت المعاهدة ضعيفة أو قائمة على تنازلات واسعة، فإن ذلك سيقوّض الجهود المبذولة للحد من التلوث البلاستيكي والتخفيف من آثاره على صحتنا وبيئتنا. وفي حال عدم التوصل إلى اتفاق، خصوصاً مع بطء وتيرة المفاوضات الحالية، سيكون العالم قد خسر فرصة تاريخية لمكافحة التلوث البلاستيكي.
لذلك، من الضروري إحداث تغيير ملموس في الفترة المتبقية من المفاوضات، وعلى الدول التي أعلنت عن طموحات عالية أن تعمل بجدية لتحقيقها. كما يجب على قادة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المطالبة بمعاهدة عالمية قوية وملزمة، فنحن جميعاً نتحمل مسؤولية مشتركة لحماية مستقبل كوكبنا وأجياله القادمة من الآثار المدمرة للتلوث البلاستيكي.