اللواء 45 في ليتوانيا.. سيف ألماني «صدئ» في خاصرة موسكو؟

في قلب ليتوانيا، وبين صدى التاريخ وسكون الغابات الباردة، يعيد الألمان تموضعهم العسكري على أراضي الاتحاد السوفياتي السابق عبر اللواء المدرع 45.

ففي فصل جديد تسطره ألمانيا في كتاب الجغرافيا السياسية الأوروبية، تتلمس الدبابات من طراز ليوبارد طريقها شرقًا، فيما تحاكي المدفعية ذاتية الحركة طبول الحرب.

رأس حرب متقدم

بحسب مجلة «مليتري ووتش»، يتوقع أن يشكل اللواء الجديد رأس حربة متقدما للقوات الألمانية على أراضي الاتحاد السوفياتي السابق.

وسوف يتمركز هذا اللواء على مسافة قريبة من الحدود البيلاروسية، حيث لا يبعد سوى 150 كيلومترًا عن مينسك، وأقل من 800 كيلومتر عن موسكو، ما يمنحه أهمية استراتيجية كبيرة ويضفي على وجوده العسكري دلالات واضحة على توازن القوى في أوروبا الشرقية.

هذا الانتشار يُعتبر رسالة مباشرة لكل من روسيا وبيلاروسيا، إذ يُنظر إليه كعامل تهديد محتمل للأمن القومي في البلدين، ويعكس تصاعد التوترات في المنطقة في ظل التنافس بين الناتو وروسيا.

ويُتوقع أن يبلغ قوام اللواء المدرع 45 نحو 4800 جندي بحلول نهاية عام 2026، ويعتمد بشكل أساسي على كتيبة الدبابات 203 التي ستضم 105 دبابات قتال رئيسية من طراز ليوبارد 2A8، إلى جانب كتيبة المشاة الآلية 122 التي تستخدم مركبات القتال بوما.

ليوبارد 2إيه4

يأتي ذلك، بالإضافة إلى عدد غير محدد من أنظمة المدفعية ذاتية الحركة من طراز PzH 2000 عيار 155 ملم، والتي تتبع لكتيبة المدفعية المدرعة 455.

وتتكامل هذه المنظومة مع مركبات استطلاع من طراز فينيك، وناقلات جنود مدرعة من طراز بوكسر، فضلاً عن أنظمة دفاع جوي متنقلة، مما يمنح اللواء بنية قتالية متكاملة ومتقدمة تقنيًا.

في يوليو/تموز 2024، تم توقيع عقد لشراء 108 دبابات ليوبارد 2A8 لصالح اللواء بقيمة تقارب 2.93 مليار يورو (3.14 مليار دولار)، على أن يبدأ تسليمها بين عامي 2027 و2030.

وحتى ذلك الحين، سيجرى استخدام دبابات ليوبارد 2A6 كحل مؤقت. ورغم السمعة القوية التي لطالما أحاطت بدبابات ليوبارد 2، إلا أن سجل أدائها في النزاعات الأخيرة أثار الكثير من الشكوك حول فاعليتها، سواء بالنسبة للنسخة القديمة 2إيه4 أو النسخة الأحدث 2إيه6 تُعد أساس تطوير النسخة الجديدة 2إيه8.

ليوبارد 2إيه8

وقد تعرضت دبابات ليوبارد 2 التي استخدمها الجيش التركي في مدينة الباب السورية عام 2016 لخسائر فادحة على يد مقاتلي تنظيم داعش رغم أن هؤلاء كانوا مسلحين بأسلحة خفيفة فقط.

ووصفت تقارير إعلامية بريطانية وأمريكية أداء هذه الدبابات بأنه كشف عن "عيوب قاتلة"، وأكدت أن سمعتها تعرضت لضربة قوية، حتى أن قادة الجيش التركي وصفوا تجربتهم الأولى مع هذه الدبابات بأنها كانت "صادمة".

ورغم تعليق الغرب آمالًا كبيرة على النسخة الأحدث من ليوبارد 2إيه6، التي دخلت الخدمة عام 2006 معززة بدروع أمامية محسنة وتصميم متطور للبرج ومدفع L55 عيار 120 ملم، إلا أن تجربتها في أوكرانيا لم تكن أفضل حالًا.

فمع نشرها في يونيو/ حزيران 2023، تكبدت هذه الدبابات خسائر كبيرة، وبحلول يناير/ كانون الثاني 2024 كانت غالبية دبابات ليوبارد 2 التي شغّلها الجيش الأوكراني قد خرجت من الخدمة بفعل المعارك مع القوات الروسية، حيث تم تدمير أكثر من ربعها بالكامل، وتضررت البقية بشكل يصعب إصلاحه ميدانيًا.

وقد أشار تقرير لمجلة مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي إلى أن هذه الدبابات أثبتت أنها "ليست أسلحة خارقة لا تُقهر"، في انعكاس لتراجع الثقة بقدراتها.

كما تمكنت القوات الروسية من الاستيلاء على عدة دبابات ليوبارد 2إيه6، ما أتاح لها دراسة تقنياتها عن قرب. ورغم أن النسخة القادمة ليوبارد 2إيه8 ستتضمن تحسينات مثل وعي ميداني أفضل ونظام الحماية النشطة تروفي، إلا أن هذه الإضافات لا يُتوقع أن تُحدث تحولًا جوهريًا، خاصة في ظل محدودية أداء نظام تروفي التي ظهرت مؤخرًا.

مدفع PzH 2000 الألماني ذاتي الحركة

أما على صعيد المدفعية، فقد أظهرت أنظمة PzH 2000 الألمانية ذاتية الحركة أداءً مخيبًا في ميادين القتال النشطة. فبعد أقل من شهر على وصولها إلى أوكرانيا في صيف 2022، بدأت تعاني من أعطال متكررة نتيجة الأضرار والتلف السريع، ما دفع أوكرانيا للاعتماد بشكل أكبر على مدفعية من مصادر أخرى.

ورغم تصميم هذه المدافع لتكون متوافقة مع ذخائر 155 ملم المستخدمة في دول الناتو، إلا أنها واجهت مشاكل في التوافق مع الذخائر الغربية الأخرى، وهي معضلة تكررت أيضًا مع مركبات غيبارد المضادة للطائرات.

وتشير مجمل التقييمات إلى أن اللواء المدرع 45، رغم قربه الجغرافي من موسكو ومينسك، سيظل محدود التأثير في تشكيل تهديد حقيقي لروسيا وبيلاروسيا، خاصة في ظل قصور نوعي في المعدات الألمانية مقارنة بنظيراتها الأمريكية والكورية الجنوبية المنتشرة في بولندا المجاورة.

ويزداد هذا القصور وضوحًا عند الأخذ في الاعتبار التحديات المتعلقة بمستوى التدريب والاستعداد القتالي في الجيش الألماني، وهي مشكلات مزمنة لا يبدو أن حلها سيكون سريعًا أو سهلًا.