أسر بمفرده 1200 جندي ألماني.. القصة المنسية للبطل الفرنسي روش

خلال الحروب، يقدم الجنود تضحيات كبيرة لكن بعض القصص تُنسى بمرور الوقت.
لا يعرف الكثيرون اسم ألبرت سيفيرين روش النحيل الجرئ ابن المزارع الذي أشاد به المارشال فرديناند فوش قائد قوات الحلفاء عام 1918 باعتباره "الجندي الأول لفرنسا".
ورغم امتلاكه صندوقًا مليئًا بالأوسمة لبطولاته التي لا تُصدق، فإن روش يكاد يكون منسيًا حتى في موطنه، ولم يُذكر اسمه إلا مؤخرًا في قصة مصورة غامضة نُشرت العام الماضي وربما بشكل غير متوقع، في أغنية عام 2023 لفرقة هيفي ميتال سويدية متخصصة في أناشيد الحرب.
ولد روش في 5 مارس/أذار 1895 في روفيل شمال أفينيون وهي قرية حجرية متعرجة يسكنها 400 نسمة معزولة في ريف دروم بروفنسال جنوب فرنسا وخارج مبنى البلدية يوجد تمثال نصفي للجندي الراحل الذي لا يعرف السكان شيئا عنه وذلك وفقا لما ذكرته صحيفة "تلغراف" البريطانية.
بدأت بطولة روش عام 1914 حينها لم يكن والده يرغب في أن يغادر ابنه القرية للانضمام إلى الجيش لكن الشاب العنيد التحق بسلاح المشاة وذلك بعد رفضه في البداية لضعفه.
وخلال التدريبات، أثبت روش أنه غير صبور ومتقلب المزاج فهرب دون إذن وسرعان ما أُلقي القبض عليه وتمت معاقبته بإرساله إلى خط المواجهة، وهو ما كان يتمناه منذ البداية.
وجرى تعيين روش في الكتيبة السابعة والعشرين، "صائدو الألب"، وسرعان ما وصل إلى جبهة أيسن، حيث دمر بمفرده حصنًا ألمانيًا مزودًا برشاشات آلية وذلك بعد تسلله لإلقاء قنابل يدوية على مدخنة موقده وأدى ذلك إلى مقتل عدد من الجنود وأسر 8.
وأصبح أسر الجنود تخصص روش الذي وقع في إحدى المرات في الأسر قبل أن يتغلب على ضابطه الألماني الذي كان يحرسه، وسرق مسدسه، وأمر جميع الألمان المحيطين به بالاستسلام حيث عاد إلى الخطوط الفرنسية برفقة 40 أسير حرب ألمانيًا، وتردد أنه بحلول نهاية الحرب كان قد أسر حوالي 1200 ألماني.
وعُرف روش بمهامه الانتحارية وبراعته، ففي جبال فوج بالألزاس، كان روش، في خندقه، الناجي الوحيد من القصف الألماني الذي سبق الهجوم، وبدلًا من الفرار استولى على بنادق رفاقه القتلى، ورتبها على طول حافة الخندق، واندفع من واحد إلى آخر، مطلقًا النار من كل سلاح وهو ما أعطى انطباعا للمهاجمين بأن الموقع محمي جيدًا فانسحبوا.
وفي 1918، عاد روش إلى نهر أيسن على طريق شومين دي دام، بعد تقدم كارثي آخر، وأنقذ قائده المصاب حيث تسلل ببطء عبر الوحل المكشوف وسحبه إلى الخطوط الفرنسية وهو ما استغرق نحو 10 ساعات، وبسبب الجهد الكبير نام منهكًا تمامًا، في حفرة بعيدة عن وحدته.
وعندما صادفته دورية، ظنت أنه هارب، ورفضت تصديق تفسيره، وسرعان ما حكمت عليه بالإعدام لكن ما أنقذه قبل لحظات من تنفيذ الحكم هو أن الضابط الذي أنقذه استعاد وعيه وأكدت رواية روش.
وواصل روش القتال وتزايدت جرأته وجروحه أيضا حيث أنه أُصيب بتسع طلقات نارية، حتى أنه استُخرجت رصاصة من فكه السفلي كما نال العديد من الأوسمة فمُنح الميدالية العسكرية، وصليب الحرب، ووسام جوقة الشرف.
وعندما حرر الفرنسيون الألزاس أخيرًا من الألمان، طلب الجنرال فوش من روش الانضمام إليه على شرفة مبنى بلدية ستراسبورغ وقال للحشد "أقدم لكم مُحرركم، ألبرت روش.. إنه الجندي الأول في فرنسا" ومع ذلك، لم يحصل أبدا على ترقية إلى ما هو أبعد من رتبة جندي.
لكن شهرة روش استمرت في فترة ما بعد الحرب مباشرة ففي عام 1920، كان واحدًا من 7 عسكريين رافقوا نعش الجندي المجهول إلى وجهته الأخيرة عند قوس النصر في باريس. وفي مايو/أيار 1925 انضم إلى فرقة صغيرة من العسكريين الفرنسيين الذين حضروا جنازة المشير السير جون فرينش في لندن، ودُعي لاحقًا لتناول العشاء مع الملك جورج الخامس.
وللأسف تراجع روش إلى الخلفية كما كان يفعل عادةً العديد من أبطال الحرب العالمية الأولى وبعدها تزوج امرأة من سكان ريوفيل، وأنجب طفلاً، وعمل في مزرعة أصهاره، ثم مصلح طرق ولاحقًا، انتقل إلى سورغ، وعمل كرجل إطفاء في مصنع للبارود.
وتوفي روش بشكل مأساوي في 14 أبريل/نيسان 1939، عندما نزل من الحافلة وصدمته سيارة، وارتطم بشجرة، ولقي حتفه حين كان عمره 44 عامًا.
ودُفن روش في المقبرة المحلية، ويُكرم الآن بلوحة تذكارية في حديقة سورغ البلدية، ولأسباب غير معروفة، نُقلت رفاته إلى مقبرة سان فيران في أفينيون.