الموت على مرمى حجر.. قصة عائلة يهودية عاشت أمام هتلر

في عام 1929، كان إدغار فوشتفنغر طفلًا في الخامسة من عمره يعيش مع عائلته اليهودية في ميونخ، حين انتقل أدولف هتلر للسكن في منزل مقابل لهم.
كانت العائلتان تعيشان أجواء متوترة، إذ كان هتلر قد بدأ يبرز كزعيم للحركة النازية التي ستضطهد اليهود، ورغم ذلك، كان إدغار وعائلته في البداية يعتقدون أن الاختباء في العلن قد يحميهم، لكن الواقع سرعان ما تغير، بحسب صحيفة الغارديان البريطانية.
انتقل هتلر في أكتوبر/ تشرين الأول 1929 إلى شقة فخمة في شارع برينتسريغنتنبلاتس في ميونخ، حيث أقام مع طاقمه وأتباعه من قوات "إس إس" في الشقق المجاورة.
وعلى الجانب الآخر من الشارع، في غريلبرتسرشتراسه، كانت تعيش عائلة فوشتفنغر. وكان إدغار ينتمي إلى عائلة مرموقة وثرية، حيث كان والده ناشرًا ومحاميًا، ووالدته عازفة بيانو، وكان منزلهم ملتقى للمثقفين والأدباء مثل توماس مان وعمه الكاتب ليون فوشتفنغر.
عاشت العائلتان جنبًا إلى جنب لسنوات، حتى اضطرت عائلة فوشتفنغر للهجرة إلى إنجلترا عام 1939 قبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية.
ويقول إدغار إنه ربما يكون الشاهد الحي الوحيد الذي عاش قرب هتلر وكان له نوع من الاتصال به.
يتذكر إدغار كيف بدأوا يلاحظون وجود جار جديد عندما اختفى حليب الصباح من منزلهم، إذ استولى هتلر عليه لحراسه. وكان إدغار يعرف أن هتلر لا يحب اليهود، وكان يعلم بمحاولة الانقلاب الفاشلة التي قادها عام 1923، والتي اعتبرها الجميع آنذاك ظاهرة مؤقتة وسخيفة.
في عام 1933، عندما أصبح هتلر مستشارًا لألمانيا، التقى إدغار به للمرة الوحيدة وجهًا لوجه، حيث كان هتلر شخصًا عاديًا لا يبدو مميزًا. ولم يكن هتلر يعلم أن إدغار وعائلته يهود، ولو علم بذلك، يقول إدغار: "لأرسلنا إلى معسكر اعتقال داخاو بلا شك".
رغم ذلك، كان إدغار ووالدته يختبئون أمامه مباشرة، وكانت حياتهم تبدو طبيعية وغير مهددة في البداية.
مع مرور الوقت، تغيرت الأمور بشكل جذري، خصوصًا بعد سن قوانين نورمبرغ العرقية عام 1935 التي منعت اليهود من توظيف غير اليهود، وأدت إلى فقدان العائلة لخدماتها ومكانة والد إدغار في العمل.
بدأ إدغار يشعر بالعزلة في المدرسة، حيث تجنب زملاؤه، اليهود ولم يكن يدرك في البداية معنى كونه يهوديًا، لكن النازية جعلت الأمر قضية خطيرة.
كان إدغار يشارك في النشاطات النازية المدرسية، حيث كانت معلمته النازية تطلب منهم كتابة تهنئات لهتلر ورسم خرائط لألمانيا، وكان والداه ينصحانه بعدم المقاومة لتجنب المشاكل. ورغم كل ذلك، ظل إدغار محميًا نسبيًا كطفل، لكنه كان يشعر بالخطر المتزايد.
تغيرت الحياة اليومية لعائلة فوشتفنغر مع تصاعد قوة هتلر، حيث لاحظ إدغار اختفاء المظاهرات المضادة وظهور الحشود التي تهتف "عاش هتلر" أمام شقة الفوهرر، وزيارات كبار السياسيين مثل نيفيل تشامبرلين، وبدأت حياة العائلة تنهار تدريجيًا مع تزايد القمع والتمييز ضد اليهود.
ويتذكر إدغار كيف كان هتلر ذكيًا في إدارة الأمور، لكنه كان تهديدًا لعائلته.
ورغم كل ما حدث، ظل إدغار يحتفظ بذكريات طفولته وصوره القديمة، وكتب عن تجربته في كتابه "جاري هتلر"، الذي يوثق حياة عائلة يهودية تعايشت مع هتلر في بدايات صعوده. وهذه الذكريات تقدم شهادة نادرة عن الجانب الإنساني في ظل واحدة من أحلك فترات التاريخ الحديث.
aXA6IDMuMTQ3LjE0MC4yMyA=
جزيرة ام اند امز