باحث ألماني: دافنشي لم يكن قادرا على إجراء "القسمة الحسابية"
سيرة الفنان الإيطالي الشهير ليوناردو دافنشي كما يتبناها الكاتب والباحث الألماني ستيفان كلاين تثير تساؤلات كثيرة وتكاد تجعله رجل ألغاز
قال الكاتب والباحث الألماني ستيفان كلاين إن الفنان الإيطالي الشهير ليوناردو دافنشي كان غير قادر على إجراء عملية "القسمة" الحسابية، على الرغم من انشغاله الدائم بعلوم الرياضيات.
وليوناردو دي سير بيرو دا فينشي (1452 - 1519)، أبرز فناني عصر النهضة الأوروبية، وكان رساماً ومهندساً، وعالم نبات، وعالم خرائط، وجيولوجياً، وموسيقياً، ونحاتاً، ومعمارياً وعالماً.
وجسد دا فينشي روح عصره، وهو أحد أعظم عباقرة البشرية، وصاحب لوحة "الموناليزا"، التي تُعد أشهر لوحات العالم، هي ولوحة "العشاء الأخير"، بالإضافة إلى تصميماته الهندسية والمعمارية، ودوره في إنشاء المصارف المائية وتجفيف المستنقعات.
ويشير كلاين في كتاب ترجمته إلى العربية مؤخراً ناهد الديب، وصدر عن المركز القومي للترجمة في مصر، إلى أنه تفرغ عدة سنوات لكتابة سيرة جديدة لـ"دافنشي"، لافتاً إلى أن صاحب "الموناليزا" امتلك قدرة مذهلة على فهم العالم.
ستيفان كلاين، مؤلف العلوم الأكثر شهرة في ألمانيا الآن، وهو حاصل على درجة الدكتوراه في الفيزياء الحيوية، وعمل في هيئة تحرير دير شبيجل، وتُرجم كتابه "تعويذة الحظ" إلى 25 لغة.
ومن مؤلفات "كلاين" أيضاً "كل شيء بالصدفة"، وكان من بين أكثر الكتب مبيعاً في أوروبا، مثل كتابه "الوقت.. المادة التي تتكون منها الحياة"، أما المترجمة ناهد الديب، فهي أستاذة بقسم اللغة الألمانية جامعة القاهرة.
ويبحث الكتاب في سر معجزة دافنشي التي لا ترتبط فقط بمنجزاته وإنما بسيرته الشخصية، متسائلاً: كيف استطاع عقل واحد أن يجمع ما في الدنيا من علوم؟ بل كيف ترجم علمه في صور أعمال لا مثيل لها إلى اليوم؟.
وينحاز مؤلف الكتاب لوصف أطلقه المهندس والرسام جوروجيو فازاري، الذي يعتبر أول من كتب سيرة دافنشي، بأنه "الإنسان الرباني"، في حين رأى عالم النفس الشهير سيجموند فرويد أن دافنشي هو الشخص الذي استيقظ بينما كان الجميع نياماً، في إشارة إلى أنه سبق عصره، ويكاد بإنتاجه الغزير أن يكون أسطورة.
وتثير سيرة دافنشي كما يتبناها الكاتب تساؤلات كثيرة، وتكاد تجعله رجل "ألغاز"، فهو يرسم دون أن تتسخ يديه، ويشرح الجثث بينما يظهر نبلاً أخلاقياً باعتباره نباتياً محباً للسلام، وعلى الرغم من أنه اتخذ موقفاً نقدياً من الدين دفع البعض لاتهامه بالإلحاد، إلا أن لوحاته التي أنتجها ظلت تنطق بالإيمان، بل عندما تقدم في السن انضم إلى جماعة دينية.
وبالإضافة إلى كل هذه التناقضات كان دافنشي نجم عصر وزمانه، ومع ذلك تكشف مذكراته عن شعور قاتل بـ"الوحدة"، لذلك سعى مؤلف الكتاب لتتبع سيرة رجل "غير عادي" لفهم مكنونه، اعتماداً على أرشيفات متعددة، لأن تراث دافنشي لا يشتمل على أرقام ولوحات ومخطوطات وإنما على طريقة تفكير ملهمة.
وقام المؤلف بجولات عديدة، تابع فيها إنتاجات دافنشي بين عواصم أوروبية مختلفة، وبدأ من لوحته المعروفة "الموناليزا"، وهي أشهر لوحة في العالم دون منازع، ويفند مزاعم الباحثين ومؤرخي الفن حولها، منتهياً إلى القول إن دافنشي تلاعب فيها بغريزة الناس، لأجل اكتشاف ملامح صاحبة الصورة من خلال الوجه، وهو جزء من نظام متكامل لما يسميه علماء النفس "عمليات الإدراك"، وهو نظام مكن دافنشي وآخرين من النفاذ لما وراء الصورة إلى المشاعر الدفينة.
ويضع كلاين فرضية طريفة، وهي ماذا لو أن دافنشي عاش بيننا اليوم وتلقى تعليماً نمطياً أو تعليماً نظامياً؟ ويُجيب مؤكدا أن أنظمة التعليم المتاحة في العالم لم توضع لمن يشذون عن القاعدة، ودافنشي لم يكن من النوع الذي يتعرف على العالم عبر وصفات جاهزة محددة مسبقاً، وإنما على أساس قدراته الخاصة.
ويرى الكتاب أن وجود دافنشي خارج النظام التقليدي للأسرة، لكونه ابناً غير شرعي، مكنه من التفرغ التام لإبداعه، كذلك رغبته في النهوض والارتقاء شجعته عليها ودعمته البيئة المحيطة.
ويركز الكتاب على الفرصة التي أجاد دافنشي استغلالها حين تلقى تعليمه على يد معلمه دل فيروتيشيو، لأنه امتلك موهبة تحويل الموهوبين من الشباب إلى فنانين ناجحين، ووضع أساساً لتمكين دافنشي من الإبداع في مجالات عديدة.
وكان المعلم فيروتيشيو، الذي بث الحماس في روح تلميذه، رساماً ونحاتاً، كما عمل أيضاً في مجال التعدين، فضلاً عن امتلاكه مصنعا للآلات، وكذلك قام بتعليم تلاميذه التشريح.
وكانت سمة هذا العصر أن يكون المعلم موسوعياً، ملماً بثقافة شاملة تتجاوز حدود حرفته، فبينما نعتمد اليوم على تقسيم العلوم إلى تخصصات، فقد نظر دافنشي إلى العلوم كوحدة واحدة متكاملة، بحثاً عن أوجه التشابه بين الظواهر رغم بعدها عن بعضها البعض.
وتوقف الكتاب أمام سمة رئيسية في إبداع دافنشي، ترتبط بقدرته على التركيز في حل مشكلة واحدة على مدى ممتد من السنوات دون كلل، وقد وصف إرادته ذات يوم بأنها "الصلبة والدوؤبة"، بالإضافة إلى أنه ظل حتى بلغ سن الشيخوخة صاحب قدرة على رؤية العالم بعيون "طفل".
aXA6IDEzLjU5LjIwNS4xODIg جزيرة ام اند امز