هل يحمل فوز بايدن بالرئاسة الخير لـ"العلاقات الأمريكية الألمانية"؟
أبدت برلين استعدادها للتعامل مع نتائج الانتخابات الأمريكية في حال فوز أي من المرشحين المتنافسين لكنها تخشى من فوز تأثير نصر باهت.
ففي صباح 4 نوفمبر/تشرين الثاني، كانت نتائج الانتخابات الأمريكية معلقة، لكن وزير الدولة في وزارة الخارجية الألمانية، نيلز أنين، وقف متحدثا للجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان عن "استعداد برلين لأي من السيناريوهين"، أي فوز دونالد ترامب، أو جو بايدن.
لكن السيناريو الذي تخشاه برلين أكثر ليس متعلقا بفوز أحد الرجلين، وإنما من لعبة معلقة طويلة مغلفة بنزاعات قانونية وإعادة فرز في ولايات مختلفة. وفي نهاية المطاف يمكن أن يتولى فائز ضعيف الرئاسة في أفضل الأحوال، بعد أن تكون وحدة البلاد وصورتها اهتزت بشدة.
أنين قال لمجلة "دير شبيجل" الألمانية عن هذا السيناريو "عبرنا عن مخاوفنا بشأن نزاهة العملية الانتخابية خلال الحملة الانتخابية"، مضيفا "نتوقع من شركائنا المقربين وحلفائنا على وجه الخصوص أن يتم قبول المبادئ الأساسية للانتخابات الديمقراطية والالتزام بها".
وبعيدا عن سيناريو الخلافات والصراعات القانونية طويلة الأمد، يسيطر سؤال واحد على الجدل السياسي في ألمانيا حاليا: هل بايدن الخيار الأفضل للعلاقات الأمريكية الألمانية، خاصة مع اقتراب نائب الرئيس السابق من حسم سباق الرئاسة رقميا، بانتظار حسم المعركة القضائية في وقت لاحق.
4 سنوات من الصدام
خلال سنوات حكم دونالد ترامب، شهدت العلاقات الأمريكية الألمانية توترا وصداما لم يحدثا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في 1945، وباتت العلاقات التي لطالما كانت وثيقة وقوية، ضعيفة ومتراجعة.
ومنذ 2017، يتزايد التوتر بين برلين وواشنطن على خلفية إصرار الثانية على التزام الأولى باتفاق أعضاء حلف الناتو في 2014، الذي ينص على رفع الدول الأعضاء مساهمتها المالية في ميزانية الحلف إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2024.
لكن برلين ترغب في رفع مساهمتها في ميزانية الحلف البالغة حاليا 1.16% من ناتجها المحلي الإجمالي، بشكل تدريجي، ولا تعلن خطة واضحة لتحقيق هدف "الناتو"، وهو ما يغضب الإدارة الأمريكية بشدة.
ولم يتوقف عند ذلك، حيث أعلن وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر قبل أشهر أن الولايات المتحدة قررت سحب حوالي 12 ألف من جنودها من ألمانيا، لإعادة نشر جزء منهم في بلجيكا وإيطاليا، في خطوة حملت الكثير من التداعيات على العلاقات بين البلدين.
وفي هذا الإطار، قالت مجلة دير شبيجل في تقرير سابق "لم يترك ترامب مجالا للشك في أنه يعاقب ألمانيا"، موضحة "الرئيس الأمريكي يرى برلين مذنبة لأنها لم ترفع مساهمتها في ميزانية الناتو للحد المتفق عليه".
وتابعت "قرار سحب واشنطن قواتها من ألمانيا هو بمثابة انتقام من (المستشارة) انجيلا ميركل على ترددها في زيادة مساهمتها في الناتو"، مضيفة "هناك عدد قليل من رؤساء الحكومات الذين لا يحبون ترامب بقدر المستشارة. لكن النفور متبادل بين الزعيمين".
ولا يتوقف الأمر عند ميزانية "الناتو" وسحب القوات، حيث يمثل خط أنابيب "نورد ستريم 2" محور خلاف آخر بين واشنطن وبرلين.
وتعارض الولايات المتحدة بشدة "نورد ستريم 2" الذي يمر عبر بولندا وأوكرانيا، لنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا، وفرضت بالفعل عقوبات على الشركات العاملة في المشروع، وترى أنه يقوي النفوذ الروسي في أوروبا، ويمنعها من بيع المنتجات البترولية الأمريكية في القارة الأوروبية.
وبالإضافة إلى خط الأنابيب، تسبب الملف الإيراني في أزمة كبيرة في العلاقات الأمريكية الألمانية منذ مايو 2018، حين قرر ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي المبرم في 2015، وضغط على الدول الأوروبية لاتخاذ نفس الخطوات.
لكن ألمانيا، وفرنسا وبريطانيا قادوا موقفا أوروبيا يرفض الانسحاب من الاتفاق، ويتمسك به، ويرفض أيضا العقوبات الأمريكية على طهران والشركات والكيانات المتعاملة تجاريا معها، بل سعت هذه الدول إلى التحايل على العقوبات الأمريكية عبر نظام أوروبي للتعاملات المالية مع الدولة الآسيوية، وهو ما يغضب الولايات المتحدة بشدة.
بايدن.. الخيار الأفضل؟
دفع تراجع العلاقات بين الصديقين القديمين، برلين وواشنطن، ثلثي الألمان لتمنى انتصار بايدن في انتخابات هذا العام، ووضع نهاية لرئاسة ترامب، وفق استطلاع للرأي أجرته مؤسسة كيفي لقياس اتجاهات الرأي العام، ونشر قبل يومين.
لكن الأمر لا يتوقف عند الأراء الشعبية فقط، حيث قال يوهانس كيندلر، المستشار السابق للحكومة الاتحادية في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي "أي شخص عاقل يأمل أن يفوز بايدن"، مضيفا في تصريحات لـ"الإذاعة الألمانية": "هذا مهم حتى لا تزداد الأمور سوءا" فيما يتعلق بالعلاقات الأمريكية الألمانية.
لكن بيتر باير، السياسي بالاتحاد المسيحي الحاكم "يمين وسط" في تصريحات لـ"دويتشه فيلا": "أنا قلق من أن أعمدة هذا الجسر العابر للأطلسي تآكلت وأصيبت بخدوش أيضًا" خلال فترة حكم ترامب.
وتابع "من المؤكد أن الاتصالات مع واشنطن ستتحسن في عهد بايدن إذا تولى الرئاسة"، مستدركا "لكنه أيضًا سيطالب الألمان بتحمل مزيد من المسؤولية".
وأوضح: "سيطالبنا بتحمل المسؤولية فيما يتعلق بميزانية الناتو على الأقل.. ستكون مطالب الولايات المتحدة من برلين مرتفعة إلى حد ما في عهد بايدن أيضا".
بدوره، رفض مصدر في الخارجية الألمانية تحدث لـ"العين الإخبارية" مفضلا عدم الكشف عن هويته "التعليق على تأثير تولى بايدن الرئاسة الأمريكية على العلاقات بين البلدين".
وقال "لم تحسم الانتخابات بعد، ومستعدين لكل السيناريوهات"، مضيفا "نتمنى بداية مرحلة جديدة من العلاقات الجيدة مع واشنطن في الأربع سنوات المقبلة أيا ما كان الرئيس".
بدورها، قالت الخبيرة في الشؤون الأمريكية والاستاذة بجامعة برلين الحرة، جيسيكا سي إي جينوف هيشت، في تصريحات لـ"العين الإخبارية" إن العلاقات الألمانية الأمريكية "ليست جيدة في الوقت الحالي"، مضيفة إن خطاب ونهج الإدارة الأمريكية في عهد ترامب "لم يساهم في تحسينها".
وأضافت "وقف ترامب في طابور طويل من صناع السياسة في الولايات المتحدة الذين ينظرون إلى أوروبا كمنافس بشكل متزايد، وليس كشريك أو حليف".
ورأت جيسيكا التي تشغل أيضا منصب مدير معهد جون اف كينيدي لدراسات أمريكا الشمالية، إن تغير القيادة في الولايات المتحدة يمكن أن يحمل تغييرا في السياسات تجاه ألمانيا، وقالت "يميل الأوروبيون الغربيون عمومًا إلى دعم الديمقراطيين أكثر من الجمهوريين، كما أن الديمقراطيين أقرب لدعم أوروبا الغربية من الجمهوريين".