شولتز ولاشيت يتنازعان "خلافة ميركل".. شبح 1980 يطل برأسه
بعد 16 عاما من قيادة أنجيلا ميركل الوسطية البراغماتية، تجد ألمانيا نفسها اليوم في مواجهة مع شبحِ يطل برأسه عائدا من ثلاثة عقود مضت.
شبحٌ فرضته نتائج انتخابات البوندستاج التي جرت بالأمس، وأظهرت نتائج قد تجعل من هذا الاقتراع حدثا يغير المشهد لتحديد المسار المستقبلي لأكبر اقتصاد في أوروبا.
فنتائج الانتخابات أفرزت فائزا بالاقتراع، لكنها لم تفرز تفويضا حاسما بتشكيل الحكومة، بعد أن منحت "الحزب الاشتراكي الديمقراطي" (يسار وسط) الصدارة بفارق أقل من نقطتين، عن حزب ميركل، في واحدة من أكثر النتائج تقاربا في تاريخ البلاد، وتستحضر معها سيناريو عاشته ألمانيا عام 1980.
وحسبما أعلنته اللجنة الانتخابيّة الفيدراليّة، الإثنين، جاءت كتلة المحافظين المكونة من حزب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل "الاتحاد الديمقراطي المسيحي لألمانيا" وحزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي"، في المرتبة الثانية بنسبة 24.1 في المائة وهي النتيجة الأسوأ في تاريخه.
كما حصد حزب "الخضر" بقيادة ألينا بيربوك، وفقا للنتائج التي طالعتها "العين الإخبارية"، 14.8% من الأصوات، بينما جاء في المركز الرابع "الحزب الديمقراطي الحر" بـ11.5% من الأصوات، ويليهما حزب "البديل من أجل ألمانيا" بنسبة 10.3% من الأصوات، فيما فشل اليسار في تجاوز عتبة الـ5%.
وبعد هذه النتائج، هناك أمران فقط مؤكدان؛ الأول، أن "الاشتراكي الديمقراطي" بات أكبر قوة سياسية في ألمانيا لأول مرة منذ الفترة بين 2002 و2005، والثاني، أن مفاوضات الائتلاف الحاكم صعبة ومفتوحة على كل الاحتمالات، وفق تحليل خاص لـ"العين الإخبارية".
ماذا يحدث الآن؟
بعد الانتخابات العامة، يبدأ عادة النضال الصعب لتشكيل الحكومة؛ فالنتائج منحت "الحزب الاشتراكي الديمقراطي" بالفعل الصدارة، ما يدفع الحزب لطلب تعيين مرشحه أولاف شولتز مستشارًا لألمانيا.
لكن "الاتحاد المسيحي" يطلب أيضا تشكيل الحكومة وتعيين مرشحه أرمين لاشيت مستشارا للبلاد، على الرغم من هزيمته التاريخية في الانتخابات، وكلاهما يراهن على قدرته على جذب حزبي "الديمقراطي الحر" (يمين وسط)، و"الخضر" (يسار وسط) إلى صفه وامتلاك أغلبية المقاعد اللازمة.
ونظريا هناك 3 سيناريوهات ممكنة للائتلاف الحاكم، الأول هو الأقل احتمالا نظرا للتنافس الصعب بين طرفيه ورغبة كل طرف في عرقلة جهود الآخر، وهو تحالف كبير يجمع "الحزب الاشتراكي الديمقراطي" و"الاتحاد المسيحي"، وهذا التحالف إن حدث، سيملك أغلبية مريحة في البرلمان بـ402 من أصل 735 مقعدا.
أما فيما يتعلق بالسيناريوهين المتبقيين، فهما أقرب إلى لعبة صفرية، إذ أن خروج أحدهما إلى أرض الواقع يعني تلقائيا فشل الآخر، ويعتمدان على موقف حزبي "الخضر" و"الديمقراطي الحر"، اللذين باتا يعرفان في وسائل الإعلام بـ"صناع الملوك".
إشارة المرور
السيناريو الأول هو حكومة إشارة المرور المكونة بين "الحزب الاشتراكي الديمقراطي" (قائد الائتلاف) و"الخضر" و"الديمقراطي الحر"، وتملك 416 مقعدا، وهو السيناريو الذي لديه أكبر أغلبية في البرلمان.
لكن تشكيل مثل هذا الائتلاف سيمر بمفاوضات صعبة للغاية، في ظل تباعد مواقف الأحزاب المشاركة فيه، فالخضر والاشتراكي الديمقراطي ينتميان ليسار الوسط، فيما يعد الحزب الديمقراطي الحر ليبراليا.
وصباح اليوم، تحدث مرشح الحزب الديمقراطي الاشتراكي للمستشارية، شولتز، لصالح تشكيل تحالف "إشارات المرور" مع الحزب الديمقراطي الحر وحزب الخضر في صباح اليوم التالي لانتصار حزبه بالانتخابات.
وأوضح شولز أن "الناخبين اختاروا من يجب أن يشكل الحكومة المقبلة".
مضيفا "لقد حقق الحزب الاشتراكي الديمقراطي والحزب الديمقراطي الحر والخضر نموًا قويًا.. يجب أن يقود هؤلاء الثلاثة الحكومة المقبلة".
فيما توقع زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي نوربرت والتر بورجانس، محادثات صعبة مع الحزب الديمقراطي الحر، حول تشكيل الحكومة الجديدة.
فيما أعلن رئيس الديمقراطي الحر، كريستيان ليندنر، ميله إلى التحالف مع الاتحاد المسيحي.
لذلك، فإن وصول الاشتراكيين الديمقراطيين إلى المستشارية لأول مرة منذ خروج المستشار جيرهارد شرودر من السلطة في 2005، سيمر عبر طريق صعب وطويل ومليء بالمساومات والتنازلات، وفق مراقبين.
جامايكا
على الجانب الآخر، منحت النتائج المتقاربة، وخسارة الاشتراكيين الديمقراطيين ورقة الضغط الوحيدة في مفاوضات الائتلاف الحاكم مع أي طرف وهي تحالف يساري بعد نتائج حزب اليسار السيئة، الاتحاد المسيحي الحاكم أمل في البقاء بالمستشارية لـ4 أعوام أخرى.
ومنذ ظهور نتائج استطلاعات الخروج بعد دقائق من إغلاق صناديق الاقتراع، يتمسك أرمين لاشيت مرشح الاتحاد، بقدرته على تشكيل حكومة قوية مع الخضر والديمقراطي الحر قادرة على تحقيق الاستقرار لألمانيا.
لكن طريق الاتحاد المسيحي إلى المستشارية يمر عبر إقناع الخضر والديمقراطي الحر بالانضمام له، ورفض التحالف مع الاشتراكي الديمقراطي صاحب الأولوية وفق نتائج الانتخابات.
لذلك، فإن النتائج المتقاربة فتحت باب صراع محتدم وصفري بين الاتحاد المسيحي والاشتراكي الديمقراطي على الوصول إلى المستشارية، وفق مراقبين.
ورغم ذلك، يبقى الاتحاد المسيحي في موقف أصعب، لأنه ينتظر فشل الاشتراكي الديمقراطي في إقناع الديمقراطي الحر والخضر بتشكيل حكومة ثلاثية، وثانيا يعاني صعوبات في الحفاظ على تماسكه الداخلي بسبب المواقف الغاضبة التي تريد الإطاحة بلاشيت بعد النتائج السيئة.
والحفاظ على التماسك الداخلي للاتحاد المسيحي والالتفاف القوي وراء لاشيت، شرط مسبق إذا أراد التكتل النجاح في الوصول للمستشارية، لكن الأمور تبدو غير مبشرة.
وتحدثت صحيفة بيلد الألمانية صباح الإثنين، عن وجود كثير من الشد والجذب في اجتماع الهيئة العليا للاتحاد المسيحي، وسط لوم واضح للاشيت على النتائج، ومراوغة الأخير وتمسكه بالاستمرار في دوره القيادي والقتال من أجل تشكيل الحكومة.
وبصفة عامة، يحتاج شولتز أو لاشيت إلى تأمين اتفاق حكومي مع الخضر والديمقراطي الحر حتى يجري انتخابه مستشارا من قبل البرلمان، وتبدأ الحكومة عملها رسميا.
وفي آخر انتخابات في سبتمبر/ أيلول 2017، استمرت ميركل في مفاوضات ماراثونية لتشكيل ائتلاف حاكم لمدة 6 أشهر، رغم فوز اتحادها المسيحي بفارق مريح آنذاك، ولم ينتخبها البرلمان مستشارة للبلاد إلا بعد نجاحها في إبرام اتفاق الائتلاف الحاكم مع الاشتراكي الديمقراطي، في مارس/آذار 2018.
وفي هذا الإطار، يقول الخبير في الشؤون الألمانية كارل رودولف كورتي، في تصريحات صحفية، "حان موعد المفاوضات المعقدة"، مضيفا "بطل المحادثات الاستكشافية مع الأحزاب الأخرى هو من سيصل للمستشارية وليس الفائز الليلة".
ولا يوجد قانون في ألمانيا يمنع وصيف الانتخابات من تشكيل الحكومة، في حال نجاحه في تأمين اتفاق مع الأحزاب الأخرى وفشل الطرف الآخر في ذلك.
سابقة تاريخية
تاريخيا، انتخابات برلمان 2021، مشابهة إلى حد كبير لانتخابات 1980، مع تبادل الأدوار بين الحزب الاشتراكي الديمقراطي والاتحاد المسيحي، وكان الفارق بين الطرفين 1.6% فقط، وهو نفس الفارق في انتخابات أمس.
وفي هذه الانتخابات، حصل الاتحاد المسيحي على 44.5% من الأصوات في المركز الأول، فيما حصد الاشتراكي الديمقراطي 42.9% من الأصوات.
وكان الحزب الديمقراطي الحر أيضا هو صانع الملوك، حيث حصد المرتبة الثالثة بـ10.6%، فيما حل الخضر في المرتبة الرابعة بـ1.5%، وفق رصد لـ"العين الإخبارية".
وبعد انتخابات 1980، نجح هيلموت شميدت مرشح الاشتراكي الديمقراطي في تأمين اتفاق مع الحزب الديمقراطي الحر لتشكيل الحكومة، وبات مستشارا، رغم أن حزبه لم يفز بالمركز الأول بالانتخابات.
لكن هذه الحكومة التي جاءت بعد فشل مرشح الاتحاد المسيحي هيلموت كول في تشكيل ائتلاف مع الديمقراطي الحر، لم تستمر إلا عامين، وانهارت 1982، وجاءت بعدها حكومة يقودها كول أبقت الاتحاد المسيحي في السلطة حتى 1998.
فهل يتكرر سيناريو الثمانينيات في القرن الحادي والعشرين؟
aXA6IDE4LjE4OC4xMDEuMjUxIA== جزيرة ام اند امز