مصير أوروبا يتحدد في ألمانيا.. زحف «أهل اليمين واليسار» على الفراغ
يبدو أن أحزاب الوسط، أو الأحزاب المركزية، تعاني بشكل كبير في تحفيز وتعبئة الناخبين في ألمانيا، ما يمنح أرضا لأحزاب من أقصى الطيف.
الكاتب جون كامبنر، خلص في مقال بمجلة "بوليتيكو" الأمريكية، إلى أن أحزاب الوسط تعاني مشاكل جمة، وربما يحفز هذا الوضع، انشقاق سياسيين على طريقة سارة فاغنكنشت، السياسية اليسارية التي أسست حزبا حصد جانبا مهما من الأصوات في الانتخابات الإقليمية قبل أسبوع.
ووفق كامبنر، فإن المشكلة التي تواجه ألمانيا حاليًا، وكذلك أوروبا والكثير من دول العالم، تتجاوز المصطلحات. فخط الدفاع الجديد هو التيار السائد مقابل الشعبوية، أو في حالة الترتيبات السياسية في ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية على وجه التحديد، الأحزاب الراسخة مقابل الأحزاب المتمردة.
وفي مايو/أيار الماضي، نشرت صحيفة ”فايننشيال تايمز“ تقريرًا عن حجم شعبية السياسة المتطرفة بين شباب أوروبا، إذ أن مصطلحي ”اليسار“ و”اليمين“، لا يعنيان الكثير لهذا الجيل، وبشكل متزايد للأجيال الأكبر سنًا أيضًا.
والخطوط الفاصلة الاقتصادية والاجتماعية التي كانت تهيمن على النقاش السياسي حتى وقت قريب، لم تعد تنطبق في الظروف الحالية، فعلى سبيل المثال، يؤيد العديد من أعضاء أقصى اليمين، من التجمع الوطني بفرنسا إلى حزب البديل من أجل ألمانيا وتحالف ”سارة فاغنكنشت“ في ألمانيا، دورًا رئيسيًا للدولة في الاقتصاد.
وقليلون فقط من أقصى اليمين، وأهمهم الجمهوريون بقيادة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، يدعون بالفعل إلى إلغاء القيود وانسحاب الدولة وتخفيض الضرائب، بينما يحاول حزب الإصلاح البريطاني (ReformUK) أن يكون لها آراء تجمع بين كلا الاتجاهين.
ومع ذلك، كلما ابتعد المرء شرقًا عبر القارة الأوروبية، كلما كانت أحزاب أقصى اليمين، تتبنى القيم العائلية التقليدية، كما هو الحال مع حزب القانون والعدالة في بولندا أو الائتلاف الحاكم في سلوفاكيا.
دور بوتين
هنا، قال كامبنر، "يبدو أن القاسم المشترك الرئيسي بين هذه الأحزاب هو دعمها السري أو العلني للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.. فالمشاعر المؤيدة لروسيا - التي كانت حكرًا على أقصى اليسار - يتبناها الآن أقصى اليمين، ويسعد الكرملين باحتضان وتمويل كليهما".
وتابع "فاغنكنشت هي العضو الجديد الأكثر أهمية وتعقيدًا في هذا النادي - وهي أيضًا في فئة خاصة بها".
ووصفت مجلة ”كومباكت“ اليمينية المحظورة، فاغنكنشت، مؤخرًا بأنها ”أكثر الإغراءات الوطنية جاذبية منذ تأسيس الاشتراكية“.
وانضمت فاغنكنشت إلى الحزب الشيوعي في ألمانيا الشرقية، قبل سقوط جدار برلين مباشرةً وأصبحت واحدة من قادة الحزب الذي ورثه؛ حزب اليسار.
وبعد أن شعرت بالملل، رفضت بعد ذلك بأدب عروضًا من حزب البديل لأجل ألمانيا، من أجل تأسيس حزبها الخاص الذي يحمل اسمها "تحالف سارة فاغنكنشت"، ويعكس صورتها البراقة إلى حد كبير، وفق كامبنر.
والملفات الذين استخدمهما تحالف سارة فاغنكنشت، بنجاح مذهل في حملته الانتخابية الأخيرة، هما السعي إلى إنهاء دعم ألمانيا لأوكرانيا والتضييق على طالبي اللجوء.
زخم وانشقاقات متوقعة
الكاتب البريطاني، مضى مضيفا "اليوم، تستحوذ قوى أقصى اليسار وأقصى اليمين على الكثير من الزخم السياسي، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن المعسكر السائد (الأحزاب الرئيسية) خارج عن السيطرة ومتخبط"، مضيفا "وكما هو الحال، هناك قلة من المستعدين للدفاع عن نظام ما بعد عام 1989".
ووفق كامبنر، فإن الشخص الذي يدافع عن نظام ما بعد 1989، هو رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير، إذ أصر الأخير في مقابلة أجرتها معه هيئة الإذاعة البريطانية مؤخراً على أن ”العالم لن يتباطأ“، مضيفا أن "الحل يكمن في تجهيز الناس للتغيير السريع بدلاً من محاولة التظاهر بأنه يمكن إبطاءه بالفعل".
ومضى قائلا ”عندما يشعر الناس بأن العالم يتغير بطريقة لا يملكون فيها الكثير من السيطرة، فإنهم يتشبثون بهويتهم“.
ولكن على الرغم من أن حججه متسقة ومنطقية، إلا أنها لا تحظى باهتمام كبير، ربما لأنه كان خارج المناصب العامة منذ فترة طويلة.
كامبنر قال أيضا، "في هذه الأثناء، كان كل من المستشار الألماني أولاف شولتز ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر يتراجعان عن مثل هذا الخطاب، حيث يعتبران أن الأمل الرئيسي للتيار السياسي السائد في إحداث تحسينات في حياة الناس".
ولكن شولتز يدخل الآن في مرحلة الشفق في فترة ولايته، وينتظر هزيمة شبه مؤكدة في الانتخابات العامة المقررة 2025 في ألمانيا، تاركًا فراغًا لحزب البديل من أجل ألمانيا وتحالف سارة فاغنكنشت.
وفي جميع أنحاء أوروبا وخارجها، "أصبح من الصعب التمييز بين اليسار الراديكالي واليمين الراديكالي. وطالما أن الوسط يكافح من أجل طرح قضيته بطريقة تحفّز مثل هذه الأحزاب في أقصى الطيف، فسيكون هناك الكثير من أمثال فاغنكنشت"، وفق الكاتب البريطاني.