"سيتا" التركي وصهر الغنوشي.. جسر إرهاب إلى ليبيا
خبراء يرون أن أنقرة وجدت ضالتها في إخوان تونس لتمرير مشاريعها بمنطقة شمال أفريقيا، وتحديدا في ليبيا.
مع زحمة انشغال العالم بمواجهة تفشي فيروس كورونا، وجدت تركيا ضالتها في حركة النهضة، إخوان تونس، لتمرير مشاريعها التدميرية والاستعمارية بشمال أفريقيا وتحديدا في ليبيا.
"سيتا" التركي- صهر الغنوشي
يقول قاسم السعيدي، أستاذ العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي بجامعة باريس، إن المخطط التركي يقوم بالأساس على تعاون دقيق بين مركز "سيتا" للدراسات السياسية والاستراتيجية بأنقرة، ومركز الدراسات الاستراتيجية والدبلوماسية في تونس، الذي يمتلكه ويديره رفيق عبد السلام، صهر زعيم الإخوان بالبلاد راشد الغنوشي.
وفي حديث مع "العين الإخبارية"، لفت الخبير إلى أن هذا "التعاون تسرب إلى الإعلام، وإن ظل تداوله محدودا، لكن ما لا يعرفه كثيرون هو أن موضوع التعاون لم يقتصر على تدريب مهندسين تونسيين في اختصاصات مختلفة وإرسالهم إلى طرابلس، وإنما هناك جزء يتعلق بإرسال تونسيين من العائدين إلى بلادهم مؤخرا من بؤر القتال، وخصوصا من سوريا".
وأوضح أن الجدل الذي يثيره الحديث في تونس عن موضوع عودة المقاتلين في صفوف "داعش" وغيره من التنظيمات الإرهابية، جعل حركة النهضة الإخوانية حذرة في التعامل مع هذا الملف، لكنها وجدت فرصتها في رحلات إجلاء العالقين في تركيا، عقب انتشار فيروس كورونا.
وفيما قدّر السعيدي الإرهابيين العائدين مؤخرا إلى تونس، قال المحلل السياسي التونسي، أكرم العايدي، إن عددهم يتجاوز الـ500، و"قد عادوا عبر رحلات منفصلة، مندسين وسط العالقين بتركيا، تحت إشراف مباشر من حركة النهضة".
العايدي أوضح، لـ"العين الإخبارية"، أن "كثيرين يعتقدون بأن المرتزقة الذين يقاتلون مع ميليشيات طرابلس جلهم سوريون، لكن الحقيقة أن بينهم المئات من التونسيين الذين غررت بهم النهضة، ممن يدعمون الصفوف الأمامية للجبهات بمختلف محاور القتال بالعاصمة الليبية".
خبراء تقنيون
مركز صهر الغنوشي في تونس لا يضطلع فقط بتأمين إرسال الإرهابيين إلى ليبيا، وإنما يهتم أيضا بالمتابعة الميدانية من المخطط التركي المتعلق بتدريب ونقل خبراء تونسيين، ونشرهم على غرف العمليات بالمدن الليبية.
وتجري هذه الخطوة بتعاون وثيق أيضا بين مركز "سيتا" التابع للرئاسة التركية، ومركز صهر الغنوشي في تونس، بينما يتكفل المركز الليبي للبحوث والتنمية في طرابلس، بمتابعة الشأن المحلي على المستوى الداخلي وتفاعلاته الإقليمية.
وبحسب مصادر، فإن الشبكة تضم أيضا مؤسسات تابعة لما يسمى بحكومة الوفاق في طرابلس، تتكفل بجميع إجراءات التعاقد مع مهندسين تونسيين في اختصاصات مختلفة بينها الهندسة الكيميائية، والبيولوجية، والميكانيكية، والكهربائية، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
أما مركز "سيتا" التركي، فمهمته الأساسية تكمن في تمويل عمليات التدريب، ثم الإشراف عليها في جميع مراحلها التالية عبر أذرعها المذكورة في كل من تونس وليبيا.
لكن اللافت هو أن مركز الغنوشي، وبحسب رصد لـ"العين الإخبارية"، لم يدخل أبدا دائرة الضوء أو شكوك التونسيين بشأن احتمال ضلوعه في أنشطة تمس الأمن العام، بل إن معظمهم لا يعلم أن رئيس المركز هو رفيق عبد السلام، زوج سمية، الابنة الصغرى لزعيم إخوان البلاد.
وبتصفح الموقع الإلكتروني للمركز، تبدو مواضيع محاضراته أو مختلف الدراسات المنشورة فيه موجهة بحسب الخط الإخواني المعروف، مع استضافات متفرقة للغنوشي لإلقاء مداخلة بين الحين والآخر في بعض المحاضرات التي ينظمها.
وبانكشاف حقيقة الدور الذي يلعبه، يرى خبراء أن المركز يشكل أداة لشرعنة التمويلات الضخمة التي تحصل عليها الحركة الإخوانية وأبرز رموزها من تركيا، مقابل تقديم خدمات تتلخص في مجملها في تنفيذ مخططات الرئيس التركي في ليبيا عبر توظيف معول خرابه في تونس لتحقيق مآربه.
ففي مارس/ آذار الماضي، نقلت تقارير إعلامية عن مسؤول أمني رفيع يدعى مراد أصلان، والأخير ذو تكوين عسكري، قوله في جلسة خاصة عقدها مركز "سيتا" التركي، إن الأخير نجح في تدريب دفعة أولى من الخبراء التقنيين من المهندسين التونسيين، وقد جرى التعاقد معهم لمساندة حكومة الوفاق في طرابلس.
وأصلان يتولى مهمة رئيس قسم تدريب الباحثين في الشؤون الأمنية والعسكرية بالمركز، وقد كشف أنه أشرف على تدريب 76 مهندسا تونسيا في تخصصات مختلفة، بمدينة إسكيشهر، لمدة شهرين، قبل أن يباشروا عملهم في طرابلس، مرورا بجميع المراحل المذكورة.
استياء من الأتراك
وتعليقا عن ما كشفته التقارير الإعلامية، قال السعيدي إن الشبكة المذكورة تتضمن نقاط ترابط تؤمن الامتداد الجغرافي المطلوب لتنفيذ الهدف، ألا وهو إمداد ميليشيات طرابلس بالمقاتلين والخبراء في إطار المعارك الجارية حاليا.
وبالنسبة له، فإن التركيز على التونسيين له أسبابه في ظل الاستياء الكبير المعروف عن الليبيين تجاه الأتراك، خصوصا عقب تدخل أنقرة الأخير في البلاد، مع ما رافق كل ذلك من استنكار شعبي واسع لهذا الغزو والتدخل السافر بين الفرقاء الليبيين.
وأشار إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أدرك أن اللعب بورقة الخبراء الأتراك والمرتزقة السوريين لم يعد يجدي نفعا وسط الرفض الشعبي لهم في ليبيا، وتفاقم الخلافات بينهم وبين ميليشيات طرابلس، و"لذلك تم اختيار التونسيين باعتبار القرب الجغرافي وتقاطع الثقافات في جزء ما، واللغة، علاوة على الكفاءة الأكاديمية المعروفة عن التونسيين بحكم تعليمهم التقدمي".
أما العايدي، فحذر من مرحلة ما بعد كورونا، مشيرا إلى أن إرسال الدفعة الثانية من المهندسين ستجري عقب انتهاء الجائحة، لكن في حال امتدت فترة إغلاق الحدود ضمن التدابير الاحترازية، فقد يلجأ الثلاثي (سيتا ومركز صهر الغنوشي والمركز الليبي) إلى قنوات سرية أخرى، كأن يتم إرسال الخبراء بشكل غير شرعي عبر مسالك التهريب.
وأيد الخبير مسألة الاستياء الواسع الذي يبديه الليبيون للأتراك، معتبرا أن جرائم أردوغان بحق الشعب الليبي خلقت حساسية مفرطة لديهم من أي شخص حامل لهذه الجنسية.