«عربات جدعون» تتعثر في رمال غزة المتحركة.. والخسائر تتحدث العبرية

بينما يلوح الجيش الإسرائيلي بانتصاراته على الورق، ترتسم في عمق المؤسسة العسكرية صورة أكثر قتامة لما يجري في قطاع غزة.
فعملية عربات جدعون التي كان يُفترض أن تُحطم إرادة «حماس»، تتكاثر الشهادات حولها من عسكريين إسرائيليين سابقين تكشف فشلاً استراتيجياً مدوياً، لا نصر فيه ولا حسم.
المحلل العسكري والمتحدث الأسبق بلسان الجيش الإسرائيلي آفي أشكنازي اعتبر أن "عملية عربات جدعون في غزة فشلت فشلا ذريعا".
وأطلق الجيش الإسرائيلي عملية "عربات جدعون" في 18 مارس/آذار بمشاركة عشرات آلاف الجنود بهدف إجبار "حماس" على الرضوخ وتسليم الرهائن الإسرائيليين. وقبل يومين أعلن أنه سيطر خلال هذه العملية على 65% من قطاع غزة.
وتقول الأمم المتحدة إنه إذا ما أضيفت مساحات واسعة أنذر الجيش الإسرائيلي السكان على إخلائها فإن 85% من مساحة قطاع غزة باتت مشمولة بمناطق الإخلاء أو الخاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي.
وقال أشكنازي في تحليل طالعته "العين الإخبارية": "الواقع الآن هو أن الجيش الإسرائيلي تمكن من الفوز والخسارة في نفس الأسبوع. إن النصر الباهر في الهجوم على إيران هو خطوة مثيرة للإعجاب على المستويين التكتيكي والاستراتيجي. رغم وجود المزيد مما يجب القيام به ضد إيران، فمن الضروري المراقبة والتصرف بطريقة تمنع الإيرانيين من استعادة قوتهم: لا بالأسلحة النووية، ولا بالصواريخ، ولا ببناء جيوش إرهابية".
الوضع بغزة مختلف
واستدرك: "الوضع في غزة مختلف. على إسرائيل أن تعترف بفشلها في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. نحن الآن ندفع ثمن هذا الفشل. لقد فشل وزير الدفاع إسرائيل كاتس ورئيس الأركان إيال زامير فشلاً ذريعاً في النهج الذي اتبعاه في غزة خلال الأشهر الأخيرة، وهو نهجٌ نابعٌ من الجيش: ما لا يُجدي نفعاً بالقوة، يُجدي نفعاً بمزيد من القوة".
وأضاف: "في مارس/آذار، "خرقت" إسرائيل وقف إطلاق النار مع حماس، وبعد أيام شنت عملية عربات جدعون. كان هدف العملية الضغط على حماس، مما سيدفعها إلى مزيد من المرونة في المفاوضات لإطلاق سراح الرهائن، أحياءً وأمواتاً".
وتابع: "تضمنت العملية إشراك كامل التشكيل القتالي النظامي للجيش الإسرائيلي في الحملة. جُنِّد عشرات الآلاف من جنود الاحتياط ونُشِروا على طول الخطوط التي رتَّبها بينا في الشمال وفي الضفة الغربية".
وأشار في هذا الصدد إلى أن "الجيش الإسرائيلي نشر خمس فرق مناورة في القتال في غزة، واستعاد معظم الأراضي التي كان يعمل فيها سابقًا".
ولكنه استدرك: "كان ثمن مغامرات المستويين السياسي والعسكري مؤلمًا للغاية: قُتل 34 جنديًا وموظف مدني في وزارة الدفاع، وجُرح العشرات خلال العملية - التي لم تنتهِ بعد".
وأضاف أشكنازي: "بالأمس، عندما ردت حماس على ردها، أصبح من الواضح أن العملية التي قادها وزير الدفاع يسرائيل كاتس بقيادة رئيس الأركان الفريق زمير كانت فشلا ذريعا: لم تتحقق أهداف العملية".
وتابع: "الحقيقة هي أنه منذ البداية كان من الواضح أنه من المستحيل إجراء عملية كان الهدف منها القيام بها. هذا هو أكثر من مجرد أمنيات أكثر من كونه هدفا عسكريا".
موقف صعب
وأردف: "من يجب أن يقلق من هذا الفشل هو عامة الناس، لكنّ عائلات المخطوفين هي الأكثر قلقًا، ووفقًا لرد حماس، ستجد إسرائيل نفسها في مأزق صعب للغاية إذا قبلت تحفظات حماس، عندما تُبرم الصفقة على مراحل، لأن إسرائيل في مثل هذه الحالة تفقد نفوذها في تحقيق الجزأين الثاني والثالث من الصفقة".
ورأى أشكنازي إنه "يجب على إسرائيل التصرف بشكلٍ مختلفٍ وسريع، لإرساء المبادئ التالية: إعادة جميع الرهائن خلال أيام، وانسحاب إسرائيلي من معظم الأراضي، واتفاقيةٍ جانبية مع الولايات المتحدة - في حال أي انتهاكٍ لوضع حماس التسليحيّ والتنظيميّ، سيُسمح للنشاط الإسرائيليّ - تمامًا كما حدث في النموذج اللبناني".
وقال: "وأخيرًا، يجب على إسرائيل التحرك فورًا في كل ركن من أركان الشرق الأوسط للقضاء على قادة حماس".
وأضاف أشكنازي: "بهذه الطريقة فقط يُمكن لإسرائيل إنهاء مسار الحرب في غزة. وإلا، فقد فشلنا".
انتقاد لرئيس أركان الجيش
وتحت عنوان "لا نصر ولا مطلق" نشرت الصحيفة مقابلة أدلى بها العميد (احتياط) إيريز وينر، مساعد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق ورئيس فريق التخطيط العملياتي في القيادة الجنوبية للجيش، انتقد فيها رئيس أركان الجيش إيال زامير بقوله: "في بداية ولايته، وعد رئيس الأركان الجديد بأنه جاء لاتخاذ قرار وتغيير الطريقة التي قاتل بها سلفه".
وأضاف: "ما كان ينبغي القيام به هي الخطة كما وافق عليها رئيس الأركان ـ تعبئة السكان، والسيطرة الكاملة على المساعدات المدنية، والفصل بين حماس والسكان، ونقل السكان إلى مناطق تحت السيطرة الإسرائيلية، ومن ثم البدء في تنفيذ خطة الهجرة".
وأشار إلى أنه "من يقول إن عمليتنا في قطاع غزة، بالمناسبة حتى اليوم، لا تعرض المختطفين للخطر، فهو لا يقول الحقيقة. هل هناك احتمال كبير أن تؤدي هذه الخطة إلى هزيمة حماس وإطلاق سراح الرهائن؟ نعم. هل يمكن تقليل المخاطر على المختطفين؟ نعم. تم بناء هذه الخطة مع الكثير من التفكير في كيفية تقليل المخاطر على المختطفين".
واقع «كئيب»
بدوره، قال اللواء المتقاعد إسحاق بريك، القائد الأسبق للكليات العسكرية، في مقال نشرته "معاريف" وطالعته "العين الإخبارية": "المشكلة الرئيسية هي أن هذا النظام لا يحقق هدفه، قول الحقيقة والحق فقط. منذ سنوات عديدة، أصبح مكتب الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي أداة لتمجيد اسم الجيش الإسرائيلي، وهو الغرض الأساسي منه، ولخلق وهم في نفوس الجمهور بأن الجيش الإسرائيلي هو أقوى جيش في الشرق الأوسط".
وأضاف: "الحقيقة ليست نورا إرشاديا لمكتب الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي، ومن أجل تحقيق هدفه يسلك طريق "الغاية تبرر كل الوسائل"، لقد أصبحت ثقافة الكذب وخلق الواقع الافتراضي هي طريق مكتب الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي – كل ذلك تحت إشراف القيادة العليا في الجيش الإسرائيلي، من رئيس الأركان إلى الأسفل".
وتابع: "الهدف هو خلق صورة إيجابية للجيش الإسرائيلي، بغض النظر عن السبب، وهذا هو التستر وإخفاء الحقائق، وعرض حقائق غير موثوقة للجمهور، وتشويه السيناريوهات الخطيرة وأكثر من ذلك – كل ذلك من أجل خداع الجمهور بأن الجيش الإسرائيلي قادر على كل شيء".
وأشار بريك في هذا الصدد إلى أن تصريحات الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي على شاشات التلفزيون حول ما يحدث اليوم في قطاع غزة هي رمل في أعين الجمهور، ولا ترتبط بالواقع المرير الذي أتلقاه كل يوم في محادثات مع القادة والجنود".
وقال: "النجاحات التي يتحدث عنها الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة لا تتفق مع الواقع الكئيب على الأرض".
وأضاف: يكذب الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي على الجمهور في إحاطته التلفزيونية الأسبوعية بأن الجيش الإسرائيلي سحق حماس وأن عددا قليلا من الخلايا الإرهابية لا يزال على الأرض، في حين عادت حماس إلى حجمها قبل الحرب".
وتابع: "أتحدث إلى قادة وجنود يقاتلون في قطاع غزة، ويقولون إنهم بالكاد يلتقون بمقاتلي حماس وجها لوجه لأن حماس تخوض حرب عصابات. لهذا السبب تتعرض قواتنا للضرب بالعبوات الناسفة والأفخاخ المتفجرة التي تدخلها قواتنا، عادة دون أي تفتيش. كما تتعرض قواتنا للصواريخ المضادة للدبابات التي تطلقها حماس من فتحات الأنفاق وتختفي على الفور في الأنفاق".
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTI2IA==
جزيرة ام اند امز