تغيرات المناخ هي التهديد الأكبر للعالم في القرن الحادي والعشرين، مع تسارعه وتحوله إلى تهديد كوني سيطال مستقبل الجميع بلا استثناء.
فاستسلام العالم أمام أزمة المناخ تهاونٌ في حق الأجيال القادمة، التي سوف تتلقى اللكمات بلا توقف خلال السنوات القادمة، فدرجة حرارة الأرض كما تقول التوقعات مرشحة للتغير الجذري ما لم يكن هناك تحرك دولي تجاه الأزمة، فقد لفت نظري بحث يتحدث عن أن درجة حرارة الأرض سوف تصل إلى معدلات لم تصلها منذ 125 ألف عام.
وتقول أبحاث ومراكز دراسات متخصصة إن درجة حرارة الأرض ارتفعت بقدر درجة مئوية مقارنة بمتوسط درجات الحرارة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
وقد اجتمع أكثر من 120 من قادة العالم في غلاسكو بالمملكة المتحدة، أمس الأول، في محاولة لبناء أمل ووضع تصورات استراتيجية لعالم خال من الانبعاثات الكربونية، التي صارت التهديد الأبرز للحياة الطبيعية على كوكبنا.
دول كثيرة تتحمل عبء هذه المهمة، ولكنها في الحقيقة مهمة دولية، يجب أن تتفوق فيها القيم الإنسانية على عواطف الاقتصاد، فمحاصرة التهديدات المناخية قيمة عالمية عالية تستحق بناء استراتيجيات واضحة عن حجم الانخفاض من الانبعاثات الكربونية، والذي يجب أن تحققه كل دولة مستقبلا.
العالم بحاجة إلى كلمة صارمة تخفض انبعاثاته لإيقاف هذا التهديد الواقف على الرقاب، والجميع يدرك أنه لا يمكن إحداث تغيير في قيمه المرتبطة بالمناخ دون المرور ببوابات الألم الاقتصادي، وهي خيارات غير قابلة للتفاوض فيما يبدو، فالعالم كله ينتظر هذه القمة من أجل بناء الأمل والعودة من غلاسكو بما يجعل الغد مضمونا وآمنا في هذا العالم.
الدول المعنية أكثر بتطبيق استراتيجيات خفض الانبعاث الحراري هي الدول الأكثر مسؤولية في هذه المرحلة التاريخية، فالتهديد الذي ينتظر أبناءنا وأحفادنا ليس تهديدا عبثيا ولا جدليا، فالمشكلات المرتبطة بالمناخ إنْ كان حلها صعبا اليوم، فهو في الغد مستحيل وعصي على الإمكانيات، فعلى سبيل المثال تتحدث المنظمة العالمية للأرصاد بأن الأعوام بين 2015 و2021م كانت الأشد حرّاً، واعتبرت المنظمة أن المناخ العالمي "دخل في المجهول".
لقد أدركتُ ومَن حولي تلك التحولات، فالحرارة على الأرض لم تعد كما هي قبل سنوات، وهذه مؤشرات فعلية عبر تجارب فردية وجماعية، فالكل بلا استثناء في معظم دول العالم شعر بأن شيئا تغير من حولنا.. لذا لا بد من أن يتحرك قادة العالم، يتحركون والآن، في تلك القضية قبل فوات الأوان.
ورغم أن منطقة الخليج العربي ليست من مناطق الانبعاثات التي تضر بكوكبنا، فإن دولها استشعرت المسؤولية الكبرى تجاه أزمة التغيرات المناخية وبدأت التحرك مبكرا بوضع كثير من الاستراتيجيات الوطنية والمبادرات والاستثمارات لحث العالم على التشارك ومواجهة الخطر القادم من مناخ الأرض، فكانت المبادرات والخطط السعودية والإماراتية والبحرينية من أجل تحقيق الحياد المناخي، فها هو صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، قد أعلن عن المبادرة الإماراتية الاستراتيجية لتحقيق الحياد المناخي بحلول 2050، لافتا إلى أن الإمارات ستستثمر أكثر من 600 مليار درهم في الطاقة النظيفة والمتجددة حتى 2050، من أجل المشاركة في إنقاذ الأرض من أخطار التغير المناخي.
ويعد الإعلان عن المبادرة الاستراتيجية لتحقيق الحياد المناخي تتويجا لجهود دولة الإمارات ومسيرتها في العمل من أجل المناخ على الصعيدين المحلي والعالمي خلال العقود الثلاثة الماضية، منذ انضمامها لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ في 1995.
الإمارات بهذا التحرك الواعي بقضايا العالم تضع قيم المحافظة على الإنسان عموما قبل أي اعتبار آخر، فمن أجله تعمل قيادة الدولة في الداخل، ومن أجله تتحرك دوليا لإنقاذه من غضبة الأرض وتحولاتها المناخية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة