طفرة تأمين مخاطر الحروب.. صناعة خفية تخرج إلى العلن مع تصاعد النزاعات

مع تصاعد النزاعات في أوكرانيا والشرق الأوسط، برزت صناعة ظلّت لعقود على هامش قطاع التأمين.
واليوم، تشهد طلباً متسارعاً واهتماماً متزايداً، هذه هي "التأمين ضد مخاطر الحرب". ووفقا لتقرير نشرته "بي بي سي"، فإن هذه السوق المتخصصة، التي تشمل تغطية الأضرار الناتجة عن النزاعات المسلحة والهجمات الإرهابية والعنف السياسي، باتت تمثل خط دفاع أساسياً للأفراد والشركات أمام خسائر قد تصل إلى ملايين الدولارات.
أقساط رمزية
وذكر التقرير إنه في عدد من المدن المتأثرة بالحرب، لجأ بعض السكان إلى حماية أنفسهم بمستوى بسيط من التأمين، أثبت فعاليته عند الحاجة. فقد حصلت إحدى السيدات على تعويض بقيمة 1,000 دولار بعدما تعرض منزلها لأضرار بسبب قصف، رغم أن القسط السنوي لوثيقة التأمين لم يتجاوز 52 دولاراً فقط.
وفي واقعة أخرى، تعرضت سيارة لأضرار جسيمة بعد أقل من 24 ساعة على صدور وثيقة تأمين ضد المخاطر العسكرية، الأمر الذي جنّب مالكتها خسائر كبيرة كانت ستتحملها بالكامل لولا الوثيقة.
ورغم هذه النماذج الفردية، تبقى الشركات الكبرى هي المحرك الأساسي لهذه السوق. فوفق تقديرات قطاعية، يصل الإنفاق العالمي على التأمين ضد مخاطر الحرب إلى نحو مليار دولار سنوياً، وتستحوذ شركات التأمين في لندن على ما يقرب من 80% منه. ويعود ذلك إلى دور لندن كمركز تاريخي لإعادة التأمين، حيث تُدار معظم العقود عبر آليات متخصصة تسمح بتوزيع المخاطر بين عدد من الجهات.
وإحدى الشركات العاملة في هذا المجال وفرت تغطية تأمينية تتجاوز 100 مليون جنيه استرليني لمنشأة طاقة في منطقة عالية المخاطر، ما أتاح لها الاستمرار في العمل رغم التهديدات الأمنية المتكررة.
أقساط حسب المكان
وتعتمد تكلفة تأمين المنشآت أو الأفراد ضد مخاطر الحرب على طبيعة المنطقة الجغرافية ومدى تقلباتها الأمنية. ففي الدول المصنفة عالية التوتر، مثل بعض مناطق الشرق الأوسط، تتراوح الأقساط السنوية بين 0.5% و2% من قيمة التغطية. وهو ما يعني أن منشأة بقيمة 100 مليون جنيه قد تدفع سنوياً ما بين 500 ألف ومليوني جنيه.
وفي المقابل، تنخفض هذه النسبة في دول الخليج المستقرة إلى ما بين 0.025% و0.05%، وهو ما يعكس الفروقات الكبيرة في تقييم المخاطر حسب الموقع. وتتفاوت التغطيات بحسب الوثيقة، لتشمل حالات مثل الخطف، الفدية، الإصابات الجسيمة، أعمال الشغب، الإضرابات، أو الهجمات الفردية المسلحة.
نمو في الطلب
وتشهد هذه السوق نمواً واضحاً، مدفوعاً بارتفاع عدد النزاعات وتعقيداتها. كما بدأت الشركات في تطوير منتجات تأمينية تغطي سيناريوهات كانت سابقاً خارج التغطية، مثل الهجمات المنفردة والإضرابات المفاجئة، إضافة إلى وثائق شاملة تعالج التداخل المتزايد بين الحروب الأهلية والإرهاب.
ورغم أن تسعير هذه الوثائق يبقى من أكبر التحديات، نظراً لندرة البيانات التاريخية وقلة التكرار، فإن القطاع يحقق عوائد مرتفعة مقارنةً بغيره من أنواع التأمين. ففي حين تدفع شركات تأمين السيارات تعويضات تفوق أحياناً ما تجمعه من أقساط، لا تتجاوز تعويضات التأمين ضد مخاطر الحرب عادة 2% من الأقساط المحصلة، ما يجعله من أكثر أنواع التأمين ربحية.
ولم يعد التأمين ضد مخاطر الحرب نشاطاً جانبياً في قطاع التأمين، بل أصبح جزءاً من البنية المالية والاقتصادية التي تساعد على استمرار الأعمال في مناطق النزاع، وتوفر الحد الأدنى من الأمان للأفراد. ومع استمرار الأزمات الجيوسياسية وتوسع بؤر التوتر، تشير المعطيات إلى أن هذه السوق تتجه إلى مزيد من النمو، سواء على صعيد حجم الطلب أو تنوع المنتجات، ما يجعلها أحد أبرز الاتجاهات الصاعدة في عالم التأمين العالمي.