الرأي العام هو "عجينة مخبوزات" يمكن تشكيلها بسهولة ثم طهوها بالطريقة التي يريدها الناس.
رأىُ الناس مهم للغاية لكنه كثيراً ما يخطئ في الحكم على البشر والقرارات والإنجازات.
مثلاً 94 شخصية من قائمة أهم مائة شخصية في التاريخ المعاصر، قيل عنهم إنهم شخصيات فاشلة، فاقدة للموهبة، ضعيفة الشخصية، مهدومة الذكاء.
لذلك كله، يصف علماء الاجتماع السياسي هذه الحقبة التي نحياها بأنها أصعب حقبة سياسية يمكن للحاكم أن يتخذ فيها قرارات مصيرية سليمة بعيدة عن الأهواء أو بيع الأوهام بهدف استمالة الرأي العام للحصول على رضائه السريع والمباشر.
أعظم رسامي عصره "فنسنت فان جوخ" وصفه النقاد بأنه "رجل أحمق عديم الموهبة"، وكتب عنه أحدهم: "إن لوحات فان جوخ مثل خطوط خرقاء تم رسمها بواسطة أرجل دجاجة عمياء".
وانتهى الأمر بفان جوخ نهاية تراجيدية حزناً واكتئاباً رغم أنه رسم 80 لوحة في آخر 75 يوماً من حياته.
وصفوا أينشتين في صباه "بأنه تلميذ بليد معدوم الذكاء يصعب عليه معرفة جدول ضرب الأرقام".
قالوا عن الموسيقي الروسي المبدع تشايكوفسكي إنه يفتقر إلى أساسيات تقنيات الموسيقى، وإن رائعته "بحيرة البجع" هي عمل مغمور.
وتوقف النقاد أمام شذوذ الرجل ولم يعطوا إبداعاته حقها.
ووصفوا "نشيد الفرح الإنساني" الذي يعد واحداً من أهم الألحان والأعمال الموسيقية في علم الهارموني الموسيقي بأنه عمل بلا شخصية.
واعتبروا تشرشل عجوزاً سكيراً، وغاندي سلبياً أحمق، وأيزنهاور جنرالاً مغامراً، ومانديلا أيديولوجياً متحجرا، وديجول عنيداً متكبراً، ونابليون بونابرت نرجسياً لديه عقدة المرأة، وجورباتشوف ساذجاً أضاع فكر ماركس واجتهادات لينين.
هل هذا يعني ألا يكترث الإنسان بحكم وردود فعل الرأي العام والتاريخ؟
أحياناً تصدر من الناس أحكام زمنية وقتية متسرعة سواء بالإعجاب الشديد أو بالرفض والمعارضة ثم تأتي الأيام لتثبت خطأ أحكام الرأي العام على الأمور.
أكبر أزمات الرأي العام، في المجتمعات غير الناضجة في النشأة والتعليم والوعي العام، والثقافة الوطنية، أنها "انفعالية سطحية شعبوية تعشق من يدغدغ مشاعرها وتكره من يصدمها بالحقائق المؤلمة".
خبراء علوم الاتصال الجماهيري في الولايات المتحدة دائماً ينصحون الساسة: "أعط الناس ما يريدون، كن مثل الطاهي الناجح اطهُ لهم ما يحبون بالطريقة التي يفضلونها بصرف النظر عما إذا كانت مضرة لصحتهم أو تسبب لهم تسمماً غذائياً".
الرأي العام هو "عجينة مخبوزات" يمكن تشكيلها بسهولة ثم طهوها بالطريقة التي يريدها الناس.
أفضل تعريفات ماهية الرأي العام هو أنه "حكم عقلي يصدر من جمهور من الناس يشتركون بالشعور بالانتماء ويرتبطون بمصالح مشتركة إزاء موقف من المواقف أو تصرف من التصرفات أو مسألة من المسائل التي يثار حولها الجدل بعد مناقشة عقلية".
وتعامل الساسة مع الرأي العام ينقسم إلى 3 طرق:
1- التصرف في كل شاردة وواردة من منظور إعطاء الأولوية لحكم الناس عليها بمعنى الأهم شعبوياً أن ترضي غرائز الناس بصرف النظر إن كان ذلك في صالحهم العام أم لا.
2- التجاهل الكامل لرأي الناس من منطلق "أنا أدرى بشؤونكم ومن لا يعجبه ما أفعل فليذهب إلى الجحيم".
3- أن تتخذ ما تراه مناسباً مع مراعاة اتجاهات الرأي العام تجاه ما تفعل من خلال وسائل رصد وقياس للسياسات والقرارات من مصادر علمية محايدة موضوعية.
الأزمة أننا نعيش الآن في عصر تسيطر عليه الأفكار الشعبوية والسياسات العنصرية الانعزالية والزعامات التي تغدق على الرأي العام شعارات تدغدغ المشاعر لاستمالة غرائزهم وعواطفهم بصرف النظر عن خدمة مصالحهم الحقيقية.
لذلك كله، يصف علماء الاجتماع السياسي هذه الحقبة التي نحياها بأنها أصعب حقبة سياسية يمكن للحاكم أن يتخذ فيها قرارات مصيرية سليمة بعيدة عن الأهواء أو بيع الأوهام بهدف استمالة الرأي العام للحصول على رضائه السريع والمباشر.
إنه زمن شديد الصعوبة يسعى فيه بعض الحكام للشعبوية ويسعى فيه الرأي العام إلى ابتلاع الأوهام.
نقلاً عن "الوطن المصرية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة