مع هذه التقديرات والتوقعات، تحمل الأيام المقبلة اختبارا هائلا للأوبك وحلفائها.
يبدو أن هناك أوقاتا صعبة تنتظر الأوبك وحلفاءها الأطراف فيما يعرف باتفاق أوبك+، وتوضح هذه الأوقات التوقعات الأخيرة الصادرة عن وكالة الطاقة الدولية التي تمثل مصالح كبار المستهلكين، وكذلك التقديرات التي حملها التقرير الشهري لمنظمة الأوبك التي تضم 14 دولة من الدول المنتجة والمصدرة للنفط، وهو ما يشير إلى وضع صعب مع وجود اتفاق عام بين كل من المستهلكين والمنتجين على الرغم من خلافات في تفاصيل هذه التوقعات.
فوفقا لوكالة الطاقة الدولية، ينتظر حدوث ارتفاع كبير في الإنتاج خارج دائرة أطراف أوبك+، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية بما يتخطى الطلب العالمي المتراجع وهو ما سوف يقود إلى تراكم كبير في المخزونات في أنحاء العالم خلال التسعة شهور المقبلة قد تصل إلى 136 مليون برميل مع نهاية الربع الأول من العام المقبل، وهو ما يمثل بالطبع ضغطا كبيرا على الأسعار.
مع هذه التقديرات والتوقعات تحمل الأيام المقبلة اختبارا هائلا للأوبك وحلفائها، إذ تبدو الأمور وكأن المخزونات في طريقها للزيادة بدلا من الانخفاض، كما هو الهدف المعلن من اتفاق خفض الإنتاج، وفي هذه الحالة إذا ما رغبت هذه الدول في تحقيق هدفها فلا مناص من زيادة مستوى خفض الإنتاج
وقدرت الوكالة أن الطلب على نفط أوبك سينخفض إلى 28 مليون برميل يوميا فقط في بداية عام 2020 مقابل 30 مليون برميل يوميا حاليا، مع تحقق زيادة في الإنتاج من خارج أوبك خلال العام المقبل تصل إلى 2.1 مليون برميل يوميا، حيث يتحقق 2 مليون برميل يوميا منها في الولايات المتحدة وحدها.
وقد جاءت توقعات منظمة الأوبك للطلب على نفطها خلال العام المقبل لتعطي مصداقية لوكالة الطاقة الدولية مع اختلاف في التقديرات، إذ ذكرت المنظمة في تقريرها الشهري أن الطلب العالمي على نفوطها سيبلغ 29.27 مليون برميل يوميا خلال العام المقبل بالمقارنة مع 30.6 مليون برميل يوميا حاليا، أي بانخفاض قدره نحو 1.34 مليون برميل يوميا.
وتوقعت المنظمة أن يستقر نمو الطلب على النفط في العام المقبل عند نفس المستوى المتوقع لنموه خلال العام الحالي وهو ما يقدر بنحو 1.14 مليون برميل يوميا، وذلك وفقا لتوقعها استمرار النمو الاقتصاد العالمي بنفس مستوى نموه خلال العام الحالي.
وتأتي توقعات المنظمة هذه على ضوء خلفية أنها رصدت تراكم المخزونات لدى الدول المستهلكة لتزيد على متوسطها خلال الأعوام الخمسة الأخيرة بمقدار 25 مليون برميل في نهاية شهر مايو الماضي، أي أن المنظمة وحلفاءها في اتفاق أوبك+ يواجهون بالفعل ارتفاعا كبيرا في المؤشر الذي يعد المعيار الذي يراقبون به السوق، إذ كانت المنظمة والدول الحليفة في الاتفاق قد توصلت لقرار يوم 2 يوليو الماضي بتمديد العمل بخطة خفض إنتاجهم النفطي بمقدار 1.2 مليون برميل يوميا حتى نهاية شهر مارس 2020، وذلك بهدف خفض مستوى المخزون لدى الدول المستهلكة إلى مستوى متوسط هذا المخزون خلال الأعوام الخمسة الأخيرة.
ومع هذه التقديرات والتوقعات تحمل الأيام المقبلة اختبارا هائلا للأوبك وحلفائها، إذ تبدو الأمور وكأن المخزونات في طريقها للزيادة بدلا من الانخفاض، كما هو الهدف المعلن من اتفاق خفض الإنتاج، وفي هذه الحالة إذا ما رغبت هذه الدول في تحقيق هدفها فلا مناص من زيادة مستوى خفض الإنتاج عن المستوى القائم فعلا، وهنا يوجد عدد من التحديات:
أول هذه التحديات هو مدى تماسك أطراف اتفاق أوبك+، إذ من المعروف أن شركات إنتاج النفط الكبرى في روسيا (أكبر منتج ضمن أطراف الاتفاق) لم تكن متحمسة أصلا لقرار تمديد الاتفاق، وكانت ترغب في زيادة مستوى إنتاجها، وكان القرار السياسي من جانب المسؤولين في وزارة الطاقة بل والرئيس الروسي نفسه هو تمديد الاتفاق حتى نهاية مارس المقبل باعتباره الطريق الأسلم لتحقيق المصالح الروسية، والآن إذا ما طُلب زيادة مستوى الخفض بنحو نصف مليون برميل يوميا إضافية على سبيل المثال فقد يواجه ذلك باحتجاجات من قبل الشركات الروسية التي تدعو للدفاع عن حصتها السوقية في مقابل النمو الكبير في حصة الولايات المتحدة الأمريكية.
والتحدي الثاني هو الزيادة الكبيرة التي تتحقق في إنتاج النفط الصخري الأمريكي، ومن المنتظر زيادة هذا الإنتاج خلال العام المقبل لسببين الأول هو زيادة طاقة الأنابيب التي تنقل هذا النفط من مكان إنتاجه إلى مكان تصديره وهي طاقة من المقدر أن ترتفع بنحو 2.5 مليون برميل يوميا في شهر يوليو من العام المقبل، أضف إلى ذلك أنه كلما قلصت دول الأوبك وحلفاؤها من إنتاجهم وارتفعت الأسعار شجع ذلك على إنتاج المزيد من النفط الصخري، وصحيح أن هناك إشارات متعددة على بدء تراخي معدلات نمو إنتاج النفط الصخري بحيث لن تكون عند نفس المستوى الذي كانت عليه مع مرور الزمن، إلا أن هذا ربما لن يحدث قريبا، ومن شبه المؤكد ألا يحدث هذا العام والعام المقبل، أما بشأن الأجل الأطول نسبيا فتشير بعض التقديرات إلى أن إنتاج النفط الصخري قد يصل إلى ذروة إنتاجه في عام 2025 ثم يميل للانخفاض بعد ذلك، وهي فترة زمنية طويلة تقتضي العمل معها أيضا بنفس طويل.
التحدي الثالث يختص بجانب الطلب وهو ما يرتبط بمعدلات النمو الاقتصادي العالمي المتوقعة، فعلى الرغم من بعض التفاؤل الذي ساد مع إعلان هدنة في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين ومنح فرصة جديدة للتفاوض، إلا أن ليس هناك ما يضمن فعليا التوصل لاتفاق لإنهاء هذه الحرب ومنح قبلة الحياة للاقتصاد العالمي، وفي هذا الإطار لا بد من الإشارة إلى أن آثار هذه الحرب التجارية بدأت تنجلي بشكل واضح، حيث سجلت الصين معدلا للنمو خلال الربع الثاني من هذا العام يبلغ 6.2% وهو أقل معدل نمو منذ 27 عاما، ويتوقع أيضا أن تأتي معدلات النمو منخفضة في أغلب أنحاء العالم وخاصة في الدول المستهلكة الكبيرة للنفط، ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ينخفض معدل النمو العالمي في العام المقبل بنحو 0.5% بسبب الحرب التجارية، وبالطبع ربما يكون هناك بصيص من أمل بتخفيض حدة هذه التحديات إذا ما تم التوصل إلى اتفاق تجاري بين الولايات المتحدة والصين بما قد يدفع نحو التفاؤل بزيادة معدلات النمو الاقتصادي العالمي على النفط وفق تقدير الأوبك له، إلا أنه من غير المنتظر حتى في هذه الحالة أن يرتفع إلى مستوى يمكنه من تقديم حل ناجح كامل لأزمة أطراف اتفاق أوبك+.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة