الكوليسترول الجيد والخرف.. دراسة واحدة لا تكفي لإثبات العلاقة
يشار غالبا إلى كوليسترول البروتين الدهني عالي الكثافة (HDL-C) باسم "الكوليسترول الجيد"، نظرا لدوره المفيد في استقلاب الدهون في الجسم وصحة القلب والأوعية الدموية.
ولكن دراسة نشرتها مؤخرا دورية "ذا لانسيت"، كشفت عنه أنه ليس خيرا محضا، إذ ربطت بينه وبين التسبب في مرض الخرف.
وترجع الدراسات فوائد كوليسترول البروتين الدهني عالي الكثافة إلى أسباب منها:
نقل الكوليسترول:
تقوم جزيئات كوليسترول البروتين الدهني عالي الكثافة، بنقل الكوليسترول من مجرى الدم والأنسجة إلى الكبد لمعالجته والتخلص منه، وتُعرف هذه العملية بالنقل العكسي للكوليسترول، ما يساعد على منع تراكم الكوليسترول الزائد في الأوعية الدموية.
حماية الشرايين:
يرتبط كوليسترول البروتين الدهني عالي الكثافة بتقليل خطر الإصابة بتصلب الشرايين، وهي حالة تتميز بتراكم الترسبات في الشرايين، ويساعد كوليسترول البروتين الدهني عالي الكثافة على إزالة الكوليسترول الزائد من جدران الشرايين، مما قد يقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية.
خصائص مضادة للالتهابات ومضادات الأكسدة:
تمتلك جزيئات كوليسترول البروتين الدهني عالي الكثافة خصائص مضادة للالتهابات ومضادات الأكسدة، ويمكنها تقليل الالتهاب في الأوعية الدموية ومنع الضرر التأكسدي، وكلاهما مرتبط بتطور أمراض القلب والأوعية الدموية.
صحة القلب والأوعية الدموية:
غالبًا ما ترتبط المستويات الأعلى من كوليسترول البروتين الدهني عالي الكثافة في مجرى الدم بانخفاض خطر الإصابة بأمراض القلب وأحداث القلب والأوعية الدموية ذات الصلة، وغالبًا ما يُعتبر عاملا وقائيا في الحفاظ على صحة القلب.
توازن الكوليسترول:
يساعد كوليسترول البروتين الدهني عالي الكثافة في الحفاظ على التوازن بين مستويات الكوليسترول "الجيد" و"الضار" في الجسم، حيث ترتبط المستويات المرتفعة منه بمستويات منخفضة من كوليسترول البروتين الدهني منخفض الكثافة، وهو "الكوليسترول السيئ" الذي يسهم في تراكم الترسبات في الشرايين.
نتائج غير متوقعة
ورغم هذه الفوائد، إلا أن الدراسة التي أجراها باحثون من جامعة موناش في ملبورن بأستراليا، وشملت تحليل بيانات من أكثر من 16 ألفا تتراوح أعمارهم بين 70 عاما فما فوق من أستراليا، و2411 مشاركًا تتراوح أعمارهم بين 65 عاما وما فوق من الولايات المتحدة، كشفت عن وجود علاقة بين كوليسترول البروتين الدهني عالي الكثافة والإصابة بالخرف.
ووجد الباحثون أن 4.6% من المشاركين أصيبوا بالخرف الناتج عن الحوادث على مدى من 3 إلى 6 سنوات، وكان المشاركون الذين لديهم نسبة عالية من الكوليسترول الجيد (80 ملغم / ديسيلتر) أكثر عرضة للإصابة بالخرف.
وكتب الباحثون: "يبدو أن زيادة خطر الإصابة بالخرف المرتبط بارتفاع مستويات كوليسترول البروتين الدهني عالي الكثافة مستقلة عن عوامل خطر الإصابة بالخرف التقليدية، بما في ذلك مستوى النشاط البدني، أو تناول الكحول، أو التعليم، أو مرض السكري، أو التدخين".
ومن جانبه، يعلق معتز حلمي، استشاري المخ والأعصاب بجامعة أسيوط (جنوب مصر) على هذه النتيجة، بأنها تبدو ملفته للانتباه، بالنظر إلى الفوائد المعترف بها لكوليسترول البروتين الدهني عالي الكثافة على صحة القلب والأوعية الدموية.
ومع ذلك، يؤكد أن العلاقة الرقمية التي رصدتها الدراسة، تحتاج إلى دراسات لاحقة، لتأكيد وجود تأثير لكوليسترول البروتين الدهني عالي الكثافة على صحة الدماغ.
3 افتراضات لتفسير النتائج
وحتى يحدث ذلك، يضع حلمي، 3 فرضيات لتفسير التناقض بين ما هو معروف من فوائد كوليسترول البروتين الدهني عالي الكثافة على صحة القلب والأوعية الدموية، وما رصدته الدراسة الجديدة من تأثيره السلبي على صحة الدماغ.
وأول هذه الفرضيات "تعقيد جزيئات كوليسترول البروتين الدهني عالي الكثافة"، فهي ليست نوعا واحدا، ولكنها مجموعة متنوعة ذات تركيبات ووظائف مختلفة، و قد تكون بعض الأنواع الفرعية مسؤولة عن هذا التأثير السلبي.
أما الفرضية الثانية، فتلك التي تتعلق بـ"الاستجابة الالتهابية"، حيث تمتلك جزيئات كوليسترول البروتين الدهني عالي الكثافة خصائص مضادة للالتهابات، ومع ذلك، في سياقات محددة، مثل الالتهاب العصبي المرتبط بالخرف، قد يكون لتأثيراتها المضادة للالتهابات عواقب غير مقصودة أو تتفاعل بشكل مختلف داخل بيئة الدماغ.
وأخيرا، "العوامل الوراثية والفردية"، حيث يمكن أن تلعب العوامل الوراثية دورا في كيفية تأثير جزيئات كوليسترول البروتين الدهني عالي الكثافة على صحة الدماغ.
ورغم محاولة حلمي البحث عن تفسير لهذه النتائج التي توصلت لها الدراسة الأسترالية، إلا أنه يشدد على ضرورة الانتباه إلى أن الارتباط الرقمي الذي رصدته الدراسة، لا يعني بالضرورة وجود علاقة سببية، فقد تكون هناك عوامل أخرى غير البروتين الدهني عالي الكثافة تسببت في الإصابة، وهو ما يتطلب في رأيه إجراء دراسات إضافية لتوضيح التفاعلات المعقدة بين الكوليسترول والبروتينات الدهنية والصحة العصبية.