"الحكومة والرئاسة".. الفراغ السياسي يهدد لبنان
رغم دخول لبنان المهلة الدستورية الرئاسية التي يُمكن للبرلمان أن يلتئمَ خلالها لانتخاب رئيس جديد للجمهورية بدعوة من رئيسه نبيه بري، ، لا تزال محاولات تشكيل الحكومة تصطدم بالعراقيل.
ومع فشل أحدث لقاء بين رئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي، والرئيس العماد ميشال عون، الأسبوع الماضي، في الوصول لنتائج إيجابية بشأن مساعي تشكيل حكومة جديدة، وإعلان نبيه بري رئيس البرلمان عدم التدخل، بدأ ميقاتي في اللجوء لشخصيات لها ثقل في الحياة السياسية لمحاولة حلحلة الأزمة.
أبرز تلك الشخصيات التي يعتزم ميقاتي الاجتماع بها هو رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، الذي يلعب دورا كبيرا في تقريب المسافات والدخول على الخطّ لتذليل العقبات وإيجاد مخرج يرضي الطرفين لولادة حكومة تتوفر فيها الصلاحيات المطلوبة لتولي شؤون البلاد في حال الفراغ الرئاسي، في ظل احتمالات واردة دائماً بأن يطولَ، خصوصاً أن وصول عون عام 2016 إلى سدّة الرئاسة، كلَّف البلاد سنتَيْن ونصف السنة من الشغور.
"المراوحة" التي لا تزال تسيطر على المشهد حالياً، وعدم حصول تقارب في وجهات النظر بشأن الحكومة تهدد لبنان بفراغ على كافة المستويات سواء الرئاسي أو الحكومة التي يفترض أن تملئ هذا الفراغ الرئاسي حال شغور المنصب مع نهاية ولاية ميشال عون في أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
ميقاتي أبدى تفاؤله أكثر من مرة بإمكانية تشكيل الحكومة قريبا، حيث أكد أنه لا يمانع مبادرة الرئيس عون لتسمية الوزيرين البديلين باعتبارهما من حصته، مع عدم التوصل إلى نتيجة بشأن تسمية وزيري الاقتصاد والمهجرين، رابطاً، في المقابل، الحاجة للحصول على دعم نواب عكار السُّنة (تكتل نيابي شمالي يطالب بوزارة في الحكومة)، ورئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط لتنال الحكومة الثقة المطلوبة.
وأكدت وسائل إعلام لبنانية، أن ميقاتي منفتحٌ على بحث أيِّ تعديلٍ في الحقائب الوزارية، انطلاقاً من التشكيلة التي قدّمها في 29 يونيو/ حزيران الماضي، لكنه عبّر عن رفضه لحكومة موسعة من 30 وزيراً، أي بإدخال 6 وزراء دولة.
ويحمل ميقاتي رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل مسؤولية تعطيل الحكومة، عبر محاولة "السطو" على التشكيلة في حال صدورها، ومطالبته بتعيين ستة وزراء دولة ضمن حصته.
تعقيدات المشهد
التعقيدات التي يعيشها لبنان، ظهرت بوضوح في حديث رئيس المجلس النواب نبيه بري، الذي وصف لقاء عون وميقاتي الأخير بأنه كان من "أسوأ الاجتماعات وأعاد النقاش حول تأليف الحكومة إلى المربع الأول وهذا ما لم نكن نتمناه".
وأشار بري في تصريحات صحفية إلى أن تراجع الاهتمام بتشكيل الحكومة لم يأتِ من فراغ، وقال إن "الأجواء التي سادت لقاء عون – ميقاتي لم تكن مشجعة على الإطلاق، وهذا ما دفعني لاتخاذ قراري بعدم التدخل بتشكيل الحكومة تاركاً المهمة على عاتق الرئيسين من دون أن يعني أن موقفي بعدم التدخل أُقفل الباب أمام تأليفها".
وأكد بري أنه كان ولا يزال مع "تشكيل الحكومة اليوم قبل الغد لقطع الطريق على إقحام البلد في اشتباك دستوري ليس في محله، (لكني اتخذت قراري بعدم التدخل) بعد أن اصطدمت مشاورات تأليفها في اللقاء الأخير للرئيسين بحائط مسدود"، مجدداً رفضه توسيع الحكومة بضم 6 وزراء دولة لأنه ليس في وارد استحضار ما أصاب حكومة الرئيس تمام سلام بعد انتهاء الولاية الرئاسية للرئيس ميشال سليمان من معاناة حيث أخذ كل وزير يتصرف على أنه رئيس للجمهورية، وبالتالي "لا أحبذ توسيعها كما هو مطروح، وكنت أبلغت موقفي إلى ميقاتي، مع أنني لن أتوانى عن دعمه في مهمته لتسهيل ولادة الحكومة وإخراجها من التأزم المفتعل".
الفراغ الرئاسي
وبدأت المهلة الدستورية لانتخاب البرلمان رئيسا جديدا للجمهورية أول خميس من شهر سبتمبر/أيلول الجاري، لينطلق العد العكسي للشهرين الأخيرين من ولاية الرئيس ميشال عون، الذي تنتهي ولايته في 31 أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
لكن ما يُصعب الأمر ويزيد مخاوف البعض من حدوث "فراغ دستوري" هو وجود عدم مرشحين، أو مرشح توافقي واضح لخلافة عون، وفق تقارير إعلامية لبنانية.
وقال رئيس البرلمان نبيه بري الذي يملك مفتاح الدعوة لجلسة انتخاب الرئيس الجديد، إن "لبنان يمر بأسوأ وأخطر مرحلة عرفها في تاريخه والبعض يقاربها بأسوأ عقلية كيدا ونكدا".
وأضاف في تصريحات صحفية "لبنان يدخل اليوم في أول أيام المهلة الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية".
وفي حديث سابق مع "العين الإخبارية"، قال المحلل السياسي اللبناني محمد سعيد الرز إن هناك عدة مؤشرات ترجح عدم إتمام الانتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري.
ولفت الرز إلى أن أول المؤشرات يتعلق بعدم اتفاق الكتل النيابية على مرشحين ثابتين للرئاسة، بما أن وضع الوزير السابق سليمان فرنجية ليس مستقرا رغم ارتفاع أسهمه خلال الشهرين الماضيين، بسبب ظهور عراقيل وضعت أمامه على طريق القصر الجمهوري.
ومن أبرز تلك العراقيل؛ يوضح الرز تراجع رئيس التيار الوطني الحر (18 مقعدا في البرلمان)، عن تأييد فرنجية الذي يلقى رفضا من القوات اللبنانية (19 نائبا) والنواب الجدد (13 نائبا) والمستقلين.
أما ثاني المؤشرات من وجهة نظر المحلل السياسي نفسه فيكمن في أن رئيس مجلس النواب نبيه بري أعلن أنه لن يدعو إلى جلسة انتخاب رئيس جديد للبنان قبل التصديق على قوانين الإصلاحات التي أقرها البرلمان، وهذه معضلة كبرى في ظل مجلس وزراء مستقيل ويصرف الأعمال، وعدم تشكيل حكومة جديدة بسبب سياسة شد الحبال بين الرئيسين عون ونجيب ميقاتي.
وفي يوليو/تموز، أعلنت الرئاسة اللبنانية تكليف نجيب ميقاتي بتشكيل الحكومة، بعد حصوله على أغلبية الترشيحات لتشكيل الحكومة، بإجمالي 54 صوتاً.
ويقع على عاتق الحكومة الجديدة استكمال الجهود لإخراج البلاد من دوامة الانهيار الاقتصادي المتسارع منذ نحو 3 سنوات، والبدء بتنفيذ إجراءات وضعها صندوق النقد الدولي شرطاً لتقديم مساعدة للبنان.
وفي أبريل، توصلت حكومة ميقاتي إلى اتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي كخطوة أولى لإخراج لبنان من الأزمة الاقتصادية، التي صنفها البنك الدولي بين الأسوأ في العالم، منذ منتصف القرن الماضي، إلا أن خطة المساعدة بقيمة 3 مليارات دولار على 4 سنوات تبقى رهن تنفيذ إصلاحات مسبقة.