"قمة الحكومات 2023".. الابتكار والاستدامة ركيزتا الازدهار للعالم
فعاليات زخمة شهدتها القمة العالمية للحكومات للعام 2023 في يومها الأول، هدفت جميعها لإبراز رؤى عالمية مشتركة نحو استشراف مستقبل أفضل.
حاضر الإنسانية يصاغ بالتكنولوجيا والابتكار
استعرض إدوارد نجيرينتي، رئيس وزراء جمهورية رواندا، في جلسة رئيسية بعنوان: "نموذج رواندا في تسريع وتيرة الابتكار"، خلال أعمال اليوم الأول للقمة العالمية للحكومات 2023، تجربة بلاده التي تقدم نموذجًا في تسريع وتيرة الابتكار داخل قارة إفريقيا، وتسعى حكومتها إلى التحول الرقمي الكامل بحلول العام 2024.
وأكد رئيس الوزراء الرواندي أن حكومة بلاده ستصل إلى التحول الرقمي الكامل بحلول العام المقبل، مشيرًا إلى أن أكثر من 90% من الخدمات الحكومية في بلاده يمكن الوصول إليها رقميًا عبر التطبيقات الذكية والمواقع الإلكترونية، لافتاً إلى أن حكومة بلاده تؤمن بأن "حاضر الإنسانية يصاغ بالتكنولوجيا والابتكار".
وقال في هذا السياق إن بلاده تبذل جهودًا كبيرة للاستثمار في التعليم عالي الجودة، مع التركيز بشكل خاص ومكثف على تنمية المهارات المتعلقة بالتكنولوجيا، مشددًا على أن قدرة رواندا على جذب الاستثمارات الأجنبية قد ازدادت خلال السنوات القليلة الماضية، بسبب السياسات التي اتخذتها حكومة بلاده، والتي تدور حول التركيز على التكنولوجيا والابتكار بهدف تحقيق التنمية المستدامة.
وأوضح رئيس وزراء جمهورية رواندا أن حكومته مستمرة في الاستثمار في قطاعات الطرق والطيران لربط بلاده مع دول الجوار، والاستثمار في مجالات الضيافة والرياضة؛ حيث وضعت بالفعل الأطر التشريعية والقانونية لتحرير هذه القطاعات لتكون أكثر جذباً للاستثمارات المحلية والأجنبية.
وأكد إدوارد نجيرينتي، أن رواندا تولي الاستثمار في قطاع الزراعة أهمية كبيرة من أجل زيادة الإنتاجية والصادرات على حد سواء، حيث تركز الحكومة هناك على أن يكون هذا القطاع جاذباً ومستداماً، وخصوصاً بالنسبة إلى الشباب.
ولفت إلى أن الحكومة خصصت برنامجاً للضمان الزراعي يستهدف الشباب، حيث يقدم قروضاً بنسب فائدة منخفضة، لتشجيعهم على العمل في هذا القطاع المهم، منوهاً إلى أن رواندا من الدول التي تروج لاستخدام الأساليب الذكية في أنظمة الزراعة، للحد من الآثار السلبية على التغيرات المناخية.
وشدد إدوارد نجيرينتي على أن بلاده حققت تقدماً ملموساً في أبحاث الزراعة، حيث تنتج رواندا الآن غالبية البذور المستخدمة في الزراعة.
يذكر أن القمة العالمية للحكومات 2023، التي انطلقت تحت شعار "استشراف حكومات المستقبل"، تجمع تحت مظلتها نخبة من قادة الحكومات والوزراء وكبار المسؤولين وصنّاع القرار ورواد الأفكار والمختصين في الشؤون المالية والاقتصادية والاجتماعية من مختلف دول العالم، لتبادل الخبرات والمعارف والأفكار التي تسهم في تعزيز التنمية والازدهار حول العالم.
الإمارات نموذج يحتذى في التحول الرقمي والابتكار
ومن جانبه، أكد إيراكلي غاريبا شفيلي، رئيس وزراء جمهورية جورجيا، أن دولة الإمارات العربية المتحدة من الدول الرائدة في الابتكار والتكنولوجيا، مشيراً إلى أن بلاده تتخذ من دولة الإمارات نموذجاً يحتذى به في التحول الرقمي والابتكار.
وقال، خلال جلسة رئيسية بعنوان "جورجيا .. فرص استثنائية لنمو اقتصادي مزدهر" ضمن فعاليات اليوم الأول من القمة العالمية للحكومات 2023، إن القمة تعكس استراتيجية دولة الإمارات في عقد شراكات فاعلة وتبادل الخبرات والتجارب الناجحة وابتكار نماذج عمل جديدة لبناء مستقبل أفضل للبشرية.
وأضاف إيراكلي غاريبا شفيلي أن القمة تبرز تجربة دولة الإمارات الرائدة والناجحة في الإدارة والقيادة الحكومية الطموحة، وتصميم الاستراتيجيات والخطط لضمان تحقيق التنمية المستدامة، وتشكيل رؤى جديدة للعمل الحكومي للنهوض بالقطاعات الحيوية وتحقيق الازدهار والتنمية البشرية.
وأوضح أن حكومة جورجيا تعمل على تطوير سياسات للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي، رغم الوضع الجيوسياسي غير المستقر والتحديات التي تواجهها المنطقة. وقال: "شهدنا نشاطاً اقتصادياً متنامياً في عدد من القطاعات مثل النقل والخدمات اللوجستية والخدمات المالية والبناء والطاقة، والسياحة وغيرها".
ولفت إلى زيادة تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى جورجيا؛ حيث وفرت 230 ألف فرصة عمل، وأسهمت في كبح جماح التضخم عند 9.4% في عام 2022.
وأشار إلى تنفيذ مشاريع بنية تحتية للطاقة واللوجستيات لتحفيز الاقتصاد، وعقد شراكات مع الخبراء الدوليين والشركات الرائدة في العالم، وتوفير بيئية تنافسية لتوسيع أعمالها في القارة الأوروبية؛ حيث تتيح حكومة جورجيا للشركات الوصول إلى أكثر من 2.3 مليار عميل محتمل دون أي رسوم جمركية، بفضل اتفاقيات التجارة الحرة مع الصين وتركيا.
ونوه إيراكلي غاريبا شفيلي إلى أنه وفقا لمسح الميزانية المفتوحة لشراكات الموازنة الدولية 2021، احتلت جورجيا المرتبة الأولى من بين 120 دولة في العالم في شفافية ميزانية الدولة، واستنادًا إلى تقييمات سياسة الاستثمار، ومؤشر إعادة التقييد التنظيمي، جاءت في المرتبة الثامنة بين أكثر من 80 دولة.
"قمة الحكومات" منصة دائرية لتلاقي خبرات حكومات العالم
وبدوره، اعتبر دكتور أرنولدو أندريه تينوكو، وزير الخارجية الكوستاريكي، أن القمة العالمية للحكومات جاءت في توقيت مهم يعاني العالم منه من أزمات وتحديات ملحة، مؤكدًا أن حلقات النقاش الدائرية وجلسات العمل التي تحتضنها قمة الحكومات في دولة الإمارات العربية المتحدة مفيدة ومهمة لجميع ممثلي الدول لتبادل الخبرات حول التحديات الداخلية.
وقال في تصريح لـ"وام" على هامش مشاركته إن القمة العالمية للحكومات بالنسبة لكوستاريكا تمثل تجربة عملية من أجل تبادل تجارب الدول خاصة في فترة التعافي ما بعد الجائحة، مضيفاً أن العالم متكامل يتأثر بعضه بعضا".
ونـوه وزير الخارجية الكوستاريكي، إلى أهمية الشراكات الدولية ومشاركة الخبرات بين دول العالم الحديث، وزيادة مستوى الاتصالات ونقل وتبادل المعرفة.
وقال إن "قمة الحكومات فرصة لتتلاقي دول مثل كوستاريكا في أمريكا مع دولة الإمارات العربية المتحدة في الشرق الأوسط، والتعلم من التكنولوجيا وإنشاء علاقات شراكة وتعزيز العلاقات الثنائية، من أجل العمل لاستشراف مستقبل الحكومات".
وتشكل القمة العالمية للحكومات منصة جامعة تستضيف في دورتها الحالية الأكبر في تاريخها، أكثر من 10 آلاف من رجال الأعمال والمسؤولين الحكوميين وقادة الفكر والخبراء العالميين الأبرز في العالم، لاستشراف مستقبل الحكومات، حيث ركزت منذ إطلاقها على تأسيس منظومة جديدة للشراكات الدولية القائمة على إلهام وتشكيل جيل جديد من حكومات المستقبل.
الابتكار في التخطيط الحضري يعزز الاستدامة بمدن المستقبل
فيما أكد مطر الطاير المفوض العام لمسار البنية التحتية والتخطيط وجودة الحياة رئيس اللجنة العليا للتخطيط الحضري في دبي، أن تعزيز الاستدامة وجودة الحياة في المدن، أصبح أحد المواضيع الرئيسة على أجندة السياسيين وصنّاع القـرار، وذلك في ظل التحديات الاستراتيجية التي تواجهها المدن العالمية الكبرى، من معدلات النمو الكبيـرة فـي تعداد السكان، والزحف الحضري والتمدد العمراني الأفقي، والثورة التكنولوجية المتسـارعة، إضافة إلى التغير المناخي على المستوى العالمي، مؤكداً الحاجة لإعداد النظم والخطط والمشـاريع لخدمة الإنسـان.
جاء ذلك خلال كلمته في الجلسة الرئيسة في القمة العالمية للحكومات 2023، بعنوان: "التخطيط الحضري لتعزيز جودة الحياة".
وقال: "دبي بقيادة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، استشرفت التحديات التي تواجه المدن، حيث أطلق عام 2021 "خطة دبي الحضرية 2040 "، وهي خطة تحولية استراتيجية ومرنة، غايتها جعل دبي "المدينة الأفضل للحياة في العالم"، وترسم الخطة خريطة مستقبلية متكاملة للتنمية العمرانية المستدامة بالإمارة، محورها رفاهية الإنسان والارتقاء بجودة الحياة وتعزيز التنافسية العالمية للإمارة.
وأشار إلى أن "دبي 2040"، تهدف إلى توفير خيارات تنقل مستدامة ومرنة تساهم في تسهيل الحركة، فمن المخطط أن يسكن 55% من سكان دبي ضمن مسافة 800 متر أو أقل من محطات النقل الجماعي، كما تهدف إلـى تعزيز الفرص الاستثمارية من خلال زيادة مساحة الأنشطة الاقتصادية إلى 168 كم مربع، وتعزيز وجذب السياحة وذلك بمضاعفة مساحة الأنشطة الفندقية والسياحية بنسبة 134%، ومضاعفة المساحات الخضراء والترفيهية بنسبة 105%، وزيادة المساحات المخصصة للشواطئ العامة بنسبة 400%.
وأضاف: "وفقًا للخطة جرى تحديد 5 مراكز حضرية، هي: المركز التاريخي للمدينة في ديرة وبر دبـي، والمركز الاقتصادي والمالي في منطقة برج خليفة والخليج التجاري، ومركز السياحة والترفيه في منطقة مرسى دبي وجميرا بيتش ريزيدنس، والمركز الرابع هو بوابة عالمية للمعارض والفعاليات في منطقة إكسبو 2020، والخامس مركز المعرفة والابتكار في منطقة واحة دبي للسيليكون، وتسعى الخطة إلى رفع الكثافة السكانية، وزيادة حجم التطوير والاستثمار فيها، لاستغلال البنية التحتية والخدمات الموجودة، لتوفير أكثر من 80% من احتياجات السكان ضمن 20 دقيقة أو أقـل مشياً بالأقدام أو باستخدام الدراجات الهوائية ووسائل التنقل المرنة، كما تستهدف الخطة المحافظة على 60% من إجمالي مساحة إمارة دبي محمياتٍ طبيعيةً ومناطقَ ريفيةً.
وقال مطر الطاير: "إن خطة دبي الحضرية تحظى بدعم ومتابعة مستمرة من القيادة الرشيدة، وجرى اعتماد خريطة طريق تضمن استدامة التنمية، تضمن وضع سياسة لاستدامة إسكان المواطنين، وخطط شاملة للمحافظة على المناطق الريفية، وتطوير قانون التخطيط الحضري لتنظيم العلاقة بين المطورين والمستثمرين والجهات الحكومية، وتبنّي نموذج مرن لحوكمة قطاع التخطيط الحضري يضمن التوازن بين التنمية المستدامة والاستغلال الأمثل للأراضي والمشاريع"، مشيراً إلى أن العمل يجري حالياً على تطوير استراتيجية شاملة لجودة الحياة فـي إمارة دبـي، بهدف تطوير نموذج دبـي لجودة الحياة، وتعزيز جاذبيتها كأفضل مدينة للحياة فـي العالم، وتتضمن ثلاثة مستويات هي الأفراد والمجتمع والمدينة، ويشارك في وضع هذه الاستراتيجية 17 جهة، كما أجري استبيانٌ شمل مختلف فئات المجتمع، شارك فيه أكثر من 12 ألف شخص لرصد احتياجاتهم وتطلعاتهم.
واستعرض المفوض العام لمسار البنية التحتية والتخطيط العمراني وجودة الحياة، دور التخطيط الحضري في تعزيز جودة الحياة، وخبرة دبي في هذا المجال، موضحاً أهم 4 عناصر في التخطيط الحضري، وهي : أولاً تخطيط استعمالات الأراضي، بما يحقق التوازن بين الأنشطة الاقتصادية والتجارية والسكنية والترفيهية، ثانيًا البنية التحتية والتنقل، حيث ينبغي تعزيز التكامل بين المناطق والاستغلال الأمثل للبنية التحتية ووسائل التنقل، لتلبية احتياجات المجتمع، فعلى سبيل المثال، 79% من سكان مدينة ڤانكوڤر الكَنَدية، يمكنهم الوصول للخدمات الأساسية خلال 15 دقيقة مشيًا على الأقدام.
وقال: "العنصر الثالث، هو البيئة والاستدامة، حيث ينبغي العمل على تقليل البصمة الكربونية، وتبني حلول مستدامة للمحافظة على موارد الأجيال القادمة، مشيراً إلى أن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، اعتمد عام 2023، عاماً للاستدامة، وتستضيف دولة الإمارات في نوفمبر المقبل، مؤتمر التغير المناخي "COP 28" في مدينة إكسبو في دبي، أما العنصر الرابع في التخطيط الحضري، فهو المرونة والابتكار، وذلك من خلال تبني سياسات مرنة وتطوير مرافق وخدمات المدينة بشكل مستمر، والاستفادة من الأنماط الجديدة مثل التنقل ذاتي القيـادة، فعلى سبيل المثل تهدف دبي إلى تحويل 25% من الرحلات لتكون ذاتية القيادة بحلول عام 2030، وسيشهد نهاية العام الجاري تشغيل 10 مركبات أجرة ذاتية القيادة بالتعاون مع شركة جنرال موتورز كروز الأمريكية.
واستشهد مطر الطاير خلال كلمته ببعض التجارب المميزة للمدن التي وظفت التخطيط الحضري لتعزيز جودة حياة السكان، حيث نجحت برشلونة التي شهدت تحولات عديدة عبر مئات السنين، وواجهت تحديات كبيرة نتيجة لزيادة عدد السكان، في تنفيذ خطة حضرية تحوّلية جديدة، هدفها زيادة المساحات العامة والخضراء، وتصميم الأحياء بطريقة توفر احتياجات سكانها الأساسية، وتدعم حركة المشاة والدراجات الهوائية، بما يسهم في تقليل الازدحامات بنسبة 20%، فيما اعتمدت مدينة سنغافورة خطة حضرية دقيقة، روعي فيها الاستخدام الأمثل للمساحات المحددة، فعلى الرغم من الكثافة السكانية العالية التي تصل إلى 8 آلاف نسمة لكل كيلومتر مربع، فهي تتصدر مؤشرات التنافسية العالمية فـي جودة الحياة.
واختتم الطاير كلمته باستعراض الدروس المستفادة من تجربة دبي، وحددها في أهمية أن يكون الإنسان المحور الأساسي، للخطط والاستراتيجيات، وتحديد الأولويات، ومواءمتها مع الاحتياجات الحالية والمستقبلية، لضمان استدامة الموارد، والتركيز على "الحوكمة" كإطار تنظيمي يضمن نجاح تنفيذ الخطط وتحقيق مستهدفاتها، ومن الدروس أيضا، تحقيق التكامل في الخدمات، وتوفيرها في جميع المناطق، لتحقيق السعادة للمجتمع وتقليل الحاجة للتنقل، وتوظيف التقنيات المتقدمة، مثل تطبيقات الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة، لرفع كفاءة تخطيط المدينة ودعم اتخاذ القـرار، والمراجعة الدورية لخطط القطاعات، لضمان المواءمة والمرونة والتكيف مع المتغيرات، موضحاً أن المدن الناجحة ليست وليدة الصدفة، وإنما هي نتاج لتخطيط ممنهج وتنفيذ فعّال وتطوير مستمر.