بالصور.. المسجد الكبير بباريس.. تعرف على المقصد الأول لمسلمي فرنسا
بين حديقة النباتات وجامعة السوربون، شيد المسجد الكبير في الحي اللاتيني بباريس، وجاءت فكرة تأسيسه بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى.
أكبر المساجد الفرنسية.. تأسس في 15 يوليو/ تموز 1926بهدف تخليد ذكرى الجنود المسلمين الذين شاركوا في الحرب العالمية الأولى، دافعاً عن فرنسا، ليصبح المسجد الكبير من وقتها قبلة مسلمي فرنسا والمنارة العلمية الأولى بالعاصمة الفرنسية باريس.
تكريم الجنود المسلمين
بين حديقة النباتات وجامعة السوربون العلمية، شيد المسجد الكبير في الحي اللاتيني بباريس، وجاءت فكرة تأسسيه بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وإشادة الكثيرين من المفكرين والسياسيين والعسكريين بفرنسا بدور الجنود المسلمين بالحرب، وإخلاصهم في الدافع عن فرنسا أثناء المعارك وبذلوا أرواحهم فداء بلادهم، ليطالب أحد الصحفيين الفرنسيين، يدعي "بول بورداري" في 1842، بضرورة تخليد وتكريم ذكرى هؤلاء الجنود بتشييد مسجد في العاصمة.
وتحمست الدولة الفرنسية آنذاك لبناء المسجد كرمز لتوطيد العلاقات الإسلامية الفرنسية بفضل التضحيات التي قدمها المسلمون في الحرب العظمى (1914-1918) ما مهد لاعتراف فرنسا بآلاف المسلمين، الذين أثبتوا ولاءهم للدولة الفرنسية في عشرات الأماكن التي شهدت تضحيات مشتركة من أجل الدفاع عن مبادئ الحرية والمساواة والإخاء.
وبعد هذا الاقتراح بنحو 4 سنوات، وافق البرلمان الفرنسي عام 1920 على قرار مشروع إنشاء المسجد الكبير بباريس في منطقة هامة تبرعت بها بلدة باريس، للتأكيد على تقدير الدولة والحكومة الفرنسية أيضاً لدور الجنود المسلمين بالحرب، بميزانية قدرت بحوالي 500 ألف فرنك لعملية البناء والتأسيس الأولى.
وعلى مساحة قدرت بحوالي 7500 متر مربع، شيد المسجد بالدائرة الخامسة القريبة من المؤسسات الحكومية ومجلس الشيوخ الغرفة الثانية للبرلمان الفرنسي ومعهد العالم العربي.
ويبدو على الهندسة المعمارية لمسجد الفن الأندلسي الذي يظهر في أغلب مباني المدن المغربية والجزائرية، وبمئذنة طولها 33 متراً تشبه طراز مئذنة مسجد الزيتونة في تونس، وبمدخل حديقة كحديقة قصر الحمراء بغرناطة في المغرب، تم الانتهاء من عملية تأسيس المسجد بعد 6 سنوات من العمل.
وفي يوم 15 يوليو/ تموز 1926، افتتح الرئيس الفرنسي وقتها دومارج، والسلطان المغربي مولاي يوسف بن الحسن الأول، ومدير المسجد الجزائري، قدور بن غبريط، المسجد الكبير، كما افتتح المعهد الملحق بالمسجد في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 1922، بوضع حجر أساسه بحضور شخصيات دينية إسلامية فرنسية ومغربية وإفريقية وتركية ومصرية وإيرانية وأفغانية وإذربيجانية.
وطوال العقود الماضية، تناوب أشهر العلماء والشيوخ المسلمين على إدارة المسجد، وتولى مسؤولية الخطبة والصلاة بالجموع، ومن أشهرهم الشيخ والعالم المغربي أحمد بن الحاج العياشي سكيرج، بالإضافة إلى الشيخ أحمد بن غبريط، والعالم حمزة أبو بكر، والشيخ تيجاني هدام، وأول رئيس للمجلس الفرنسي للديانة المسلمة الشيخ دليل أبو بكر الذي يتولى منصب إمام المسجد حالياً.
المنظمة الأولى بباريس
يمثل المسجد الكبير دوراً كبيراً بالمجتمع الفرنسي، فهو أكبر المؤسسات الإسلامية التي تقدم الدعوة الدينية لمسلمي فرنسا، وأكثر الأماكن التي تقوم بالدور الرعوي والخدمات المباشرة لهم.
وبجانب الدور الديني الذي يقدمه المسجد الكبير، واهتمامه بإقامة محاضرات ودورس متعلقة بتوضيح المعنى الصحيح للإسلام، والشرح المفصل لأصول الدين وتاريخ وحضارة الإسلام وتأثيره في العالم، يهتم علماء وشيوخ المسجد على حث المترددين عليه من الفرنسيين والسياح للبحث والقراءة في جميع فروع وشرائع الدين، والاطلاع على حقائق الإسلام، كما تتبنى إدارة المسجد توجهاً إنسانياً عالمياً خيرياً ثقافياً مستقلاً محايداً سياسياً.
كما يقوم المسجد وإدارته بالإشراف على الجمعيات التابعة له، وتوفير الأئمة للمساجد المحيطة، وتنظيم التجمعات الدينية في مختلف المناطق، والإشراف على جمعيات مساعدة الشباب من خلال توفير فرص عمل ونفقات لزواج غير القادرات، وتقدم الخدمة يومياً من يوم الإثنين إلى الجمعة 9:00 حتى 12:00 و 14:00 حتى 17:00، كما توفر رقم هاتف للمقترحات والشكاوى وهو 01 45 35 74 60
ويقدم أيضاً عدة أنشطة ثقافية منها: تنظيم المؤتمرات، المكتبة، دورات تعليم الإسلام للأطفال والكبار، تحفيظ القرآن، دورات تعليمية مدفوعة للأطفال مقسمة أسبوعياً حسب السن، دورات تمهيدية للمسلمين الجدد، معرض كتب، رحلات سياحية داخلية، رحلات حج وعمرة، دورات تفسير وغيرها من علوم القرآن.
كما يهدف لتوفير خدمة مجانية للإفتاء ومعرفة الحلال والحرام خصوصاً بما يتعلق بـ الأطعمة وطريقة الذبح والأضحية، عن طريق توزيع كتيب خاص بعنوان "الأطعمة الحلال والمحرمة في الإسلام". بالإضافة إلى معهد الغزالي الملحق بالمسجد لإعداد الأئمة والدعاة من الرجال والنساء، بالإضافة لتوفير مواد علمية لرواده من خلال أنشطة دورية تهدف إلى إثراء الجانب العقائدي والروحي والأخلاقي، وإرساء قيم ومثل الإسلام في نفوسهم ومساعدتهم في الاندماج والانخراط في المجتمع الفرنسي من خلال تقديم خطاب ديني وثقافي واجتماعي معتدل.
ويطلق على المسجد الكبير اسم "المنظمة الأم بباريس" لكونه أكبر المساجد بفرنسا قيمة وأقدمها من حيث تاريخ التأسيس، فضلاً عن احتضانه لجميع المؤسسات الدينية الإسلامية والمساجد بباريس.
ونظراً لتراوح أعداد المسلمين المتواجدين بفرنسا بين 5- 6 ملايين مسلم، لذا يعد المسجد لكبير قبلة المسلمين، لإداء جميع فروض الصلاة، الذين يحرصون على التوجه له لتأدية الشعائر الدينية في أيام عيدي الفطر والأضحى.
وفي الوقت نفسه يصبح المسجد هو نقطة التواصل بين الحكومة الفرنسية والجالية الإسلامية هناك، لكونه المكان الأول المسؤول عن تدبير شؤون الجالية ومتابعة أحوال حياتهم الدينية والشخصية، بالإضافة لاحتفاظه بمكانة مهمة بين المسؤولين الفرنسيين وعلاقة قوية مع جميع الحكومات الفرنسية.
وخلال العامين الماضيين، لعب المسجد الكبير دوراً في غاية الأهمية، فمع تصاعد وتيرة الإرهاب المنظمة ضد أوروبا بشكل عام وفرنسا تحديداً، قام المسجد باستقبال آلاف المسلمين يومياً، لتقديم مبادرات مجتمعية عديدة تدعو للتسامح واحترام الآخر ونشر تعاليم الدين الصحيح، خاصة مع انتشار مفهوم وظاهرة "الإسلام فوبيا"
"أخوة الشاي" كانت هي المبادرة الأولى التي أعلن عنها المسجد، بفتح أبواب جميع المساجد أمام الفرنسيين دون استثناء، من أجل حضور بعض الندوات التوعوية والتعرف على مفاهيم الدين الصحيح، التي تحرص مساجد فرنسا على تقديمها، فضلاً عن فتح باب المناقشة والتساؤل بين مسؤولي المساجد والحضور.