أوروبا تتحرك بقوة.. إخراص "عواء" ذئاب أردوغان
بعد نحو أسبوعين من حل فرنسا منظمة "الذئاب الرمادية" التركية، وافق البرلمان الألماني على دراسة حظر التنظيم اليميني المتطرف في البلاد.
وأقر البرلمان بالأغلبية على طلب مشترك، مقدم من أحزاب الائتلاف الحاكم والحزب الديمقراطي الحر وحزب الخضر، يطالب الحكومة بدراسة حظر هذه المنظمة.
وقال مقدمو الطلب إن "هذه الخطوة جاءت على خلفية أن المنظمة عنصرية ومعادية للديمقراطية وتهدد الأمن الداخلي في البلاد".
كانت الحكومة الفرنسية قد حلت منظمة "الذئاب الرمادية" في فرنسا قبل أسبوعين واتهمتها بإثارة والكراهية والضلوع في أعمال عنف.
ورحب الطلب المقدم إلى البرلمان الألماني بالتصرف الفرنسي مع المنظمة "وربط ذلك بالأمل في أن تتبع دول أخرى النموذج الفرنسي".
الأخطر والأكثر تطرفا
رغم أن أنقرة تنشر عدة أذرع متطرفة في الأراضي الألمانية، فإن تنظيم الذئاب الرمادية سيئ السمعة يعد الأخطر والأكثر تطرفا، ويعمل على إشعال التوترات في أوساط الجالية التركية، ويمثل تهديدا للأمن والديمقراطية.
ويتخذ التنظيم من "الذئب الرمادي" رمزا له، وهو أسطورة تركية قديمة ترمز إلى القوة والعدوانية. وينشر التنظيم الأفكار القومية والعرقية المتطرفة، ويهدف للقضاء على المعارضين السياسيين.
ووفق دراسة للمركز الاتحادي للتدريب السياسي في ألمانيا، فإن تنظيم الذئاب الرمادية متواجد في الأراضي الألمانية منذ عقود، ويملك العشرات من التنظيمات الصغيرة والمتوسطة، مثل Türk Federasyon و"ايتيب".
ويشن التنظيم المتطرف حملات دعاية ضد المعارضين الأتراك المقيمين في ألمانيا من اليساريين والأكراد والأرمن.
ويملك 18 ألف عضو في الأراضي الألمانية، ما يجعله أكبر تنظيم متطرف في البلاد، إذ يبلغ عدد أعضائه ومنظماته 3 أضعاف حزب "إن بي دي"، أخطر حزب نازي في ألمانيا، وفق المصدر ذاته.
أصل عنصري ومجازر دموية
يستند الأساس الأيديولوجي لتنظيم "الذئاب الرمادية" إلى أفكار القوميين الأتراك الأوائل، وخاصة ضياء جوكالب، وحسين نيهال أتسيز، وفتحي تيفيتوغلو، وريح أوز توركان.
وروج هؤلاء المتطرفون في بداية القرن العشرين إلى أفكار عنصرية مثل التفوق العنصري والتاريخي والأخلاقي لجميع الشعوب التركية التي تمتد من أفغانستان والصين إلى الطرف الجنوبي الشرقي من البلقان.
ويرفض الآباء المؤسسون أي مساواة بين القومية التركية، وغيرها من القوميات، ما يعيد للأذهان الأفكار النازية في عهد أدولف هتلر.
وقالت الدراسة الألمانية إن أفكار هؤلاء الأتراك المتطرفين هي التي مهدت للإبادة الجماعية التي ارتكبتها تركيا بحق الأرمن إبان الحرب العالمية الأولى.
وخلال فترة الحكم النازي لألمانيا، روج النازيون بقيادة السفير الألماني في تركيا، فرانز فون بابن، للحركات التركية الفاشية، وأظهروا اهتماما بأفكار المتطرفين القوميين الذي مثلوا اللبنة الأولى لتنظيم الذئاب الرمادية، وروجوا بدورهم إلى الأيديولوجية النازية.
وبدعم من ألمانيا النازية، ازدهرت الأفكار القومية التركية في الثلاثينيات، ونظم أنصارها أنفسهم في جمعية Turk Ocağı (منزل الأتراك).
وهي أول خطوة تنظيمية في طريق تأسيس الذئاب الرمادية. وبدافع من أفكار الجمعية المتطرفة، وقعت في عام 1934 مذابح ضد اليهود في تركيا، وفق الدراسة الألمانية.
وخلال الحرب العالمية الثانية، ظهر Alparslan Türkeş لأول مرة على المسرح السياسي قبل أن يصبح فيما بعد زعيم "الذئاب الرمادية".
على الرغم من صغر سنه في ذلك الوقت (ولد في عام 1917) ، لعب هذا الرجل دورًا رائدًا في ترسيخ النزعة القومية المتطرفة التي مهدت لظهور تنظيم الذئاب الرمادية بشكله الحالي.
ونشأ تنظيم الذاب الرمادية بشكله الحالي، في منتصف ستينيات القرن الماضي في كنف حزب الحركة القومية، مستندا لأفكار القوميين المتطرفين الأول وعرابي القومية التركية.
وتبنى التنظيم منذ تأسيسه توجهات ضد الأكراد والأرمن واليونان والعلويين والمسيحيين، ونفذ عمليات إرهابية دموية، تمثَّلت في اغتيالات مفكرين وقادة سياسيين ورجال دين مسيحيين وزعامات من قوميات مختلفة.
تحالف التطرف والقمع
يعد تنظيم الذئاب الرمادية في الوقت الحالي، حليفًا استراتيجيًا مهمًا لحكومة حزب العدالة والتنمية والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
فبعد الانقلاب المزعوم في يوليو/تموز 2016، كثفت حكومة أردوغان، وفق الدراسة الألمانية، سياسة القمع ضد الأكراد وأتباع الداعية فتح الله جولن، ما أدى لتعميق التحالف بين الرئيس التركي وتنظيم الذئاب الرمادية نظرا لوحدة الهدف والوسيلة.
وظهر أنصار "الذئاب الرمادية" وأردوغان جنبا إلى جنب في مظاهرات ضد الانقلاب المزعوم في 2016، في المدن الألمانية، وخاصة في 31 يوليو/تموز في مدينة كولونيا غربي ألمانيا، حين ظهرت شعارات وأعلام التنظيم في تجمع لمؤيدي أردوغان.
وتكرر الأمر في مظاهرة مؤيدة لأردوغان في نفس الشهر في مدينة ميونخ، جنوبي ألمانيا، وكذلك في العاصمة برلين، ووهامبورغ "وسط" وشتوتغارت "غرب".
كما وقعت العديد من الهجمات على المؤسسات الكردية والجمعيات الدينية القريبة من جولن في ألمانيا، في الأشهر التالية على المحاولة الانقلابية المزعومة، وجهت فيها السلطات أصابع الاتهام لتحالف أردوغان والذئاب الرمادية.
وفي بداية مارس/آذار 2017، ألقى وزير الخارجية التركي الحالي مولود جاويش أوغلو، خطابا من مقر القنصلية في هامبورغ، بحضور أنصار حكومته، وظهرت تحية الذئاب الرمادية الشهيرة بكثافة في التجمع.
وقبل أسابيع من المحاولة الانقلابية المزعومة، وبالتحديد عندما مرر البرلمان الألماني (البوندستاغ) قرارًا يعترف بإبادة تركيا للأرمن، في يونيو ٢٠١٦، تلقى عدد كبير من النواب الذين دعموا القرار تهديدات من القوميين الأتراك، حلفاء أردوغان، ما أدى لوضع ما يقرب من اثني عشر من أعضاء البوندستاغ تحت حماية الشرطة.
تنسيق خطير
وفق الدراسة الألمانية، فإن هناك تقديرا متبادلا وتقاربا أيدولوجيا بين النازيين الجدد وتنظيم الذئاب الرمادية في الوقت الحالي، يصل إلى مرحلة التنسيق.
ولفتت الدراسة إلى ما وقع في أبريل/نيسان 2016، حين ظهر أعضاء الذئاب الرمادية في مظاهرة جنبًا إلى جنب مع نشطاء من الحزب النازي الجديد، ضد حزب العمال الكردستاني اليساري، في مدينة نورمبرج جنوبي ألمانيا.
تحالف مع داعش
يملك تنظيم الذئاب الرمادية وجودا قويا في الأراضي الألمانية بعشرات التنظيمات والجمعيات ونحو ١٨٠ ألف عضو، ويخضع لرقابة هيئة حماية الدستور "الاستخبارات الداخلية" الألمانية بسبب خطورته على أمن البلاد، وفق وثيقة للبرلمان الألماني تعود إلى أكتوبر/تشرين الأول ٢٠١٨، اطلعت "العين الإخبارية" على نسخة منها.
وذكرت دراسة المركز الاتحادي للتدريب السياسي في ألمانيا أن الذئاب الرمادية هو أكبر وأخطر تنظيم متطرف في البلاد، إذ يبلغ عدد أعضائه ومنظماته 3 أضعاف حزب "إن بي دي"، أخطر حزب نازي في ألمانيا.
وكشفت وثيقة أخرى للبرلمان الألماني اطلعت عليها "العين الإخبارية"، ومؤرخة بـ٩ نوفمبر/تشرين الثاني ٢٠١٨، أن أردوغان يقود تحالفا غريبا وخطيرا من المتطرفين الممثلين في الإخوان وحركة ميللي جورش "الرؤية الوطنية"، والقوميين المتطرفين المتمثلين في الذئاب الرمادية وحزب الحركة القومية.
وقالت إن هذا التحالف يرمي للسيطرة على السياسة التركية داخليا، وممارسة نفوذ وسيطرة على الجالية التركية التي يبلغ تعدادها نحو ٥ ملايين نسمة في ألمانيا.
وأوضحت أن "التعاون والتحالف بين أردوغان والذئاب الرمادية بات واقعا في ألمانيا بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في ٢٠١٦"، مضيفة "الذئاب الرمادية يملك ١٧٠ جمعية ومنظمة في الأراضي الألمانية ويمثل تهديدا أمنيا".
ووفق وثيقة برلمانية أخرى مؤرخة في ٣ يوليو/تموز ٢٠١٥، فإن الذئاب الرمادية مسؤول عن الآلاف من جرائم القتل التي طالت سياسيين معارضين وأكرادا في العقود الماضية، ومنها اغتيال الصحفي التركي ذي الأصول الأرمينية هرانت دينك في اسطنبول في ٢٠٠٧، واغتيال سياسيين أكراد في باريس في ٢٠١٣.
وأشارت الوثيقة، التي اطلعت "العين الإخبارية" على نسخة منها، إلى أن الذئاب الرمادية ارتكبت جرائم عنف في الأراضي الألمانية، بينها جرائم اغتيال سياسي في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.
الوثيقة قالت أيضا: "هناك روابط بين تنظيم الذئاب الرمادية في ألمانيا والتنظيمات الإرهابية"، موضحة: "انضم ٢٤ عضوا من التنظيم إلى داعش في سوريا، في عامي ٢٠١٤ و٢٠١٥، وقتل بعضهم بالفعل في المعارك".
aXA6IDE4LjIyMC4yNDIuMTYwIA==
جزيرة ام اند امز