أصدر مجلس التعاون الخليجي، يوم الخميس الموافق 28 مارس/آذار الماضي، وثيقة تتضمن الرؤية الخليجية للأمن الإقليمي.
والرؤية أقرها المجلس الوزاري الخليجي عشية القمة الخليجية الأخيرة التي استضافتها الدوحة في 5 ديسمبر/كانون الأول 2023. وهي رؤية جديرة بالقراءة والتحليل، لأهميتها البالغة بالنسبة لأمن الشرق الأوسط وفي القلب منه منطقة الخليج العربي، وذلك باستعراض النقاط التالية:
1- مواكبتها لرؤية الإمارات: أول ما يلفت نظر المراقب في الرؤية الخليجية للأمن الإقليمي أنها تتواكب مع رؤية دولة الإمارات العربية المتحدة التي جاءت مواكبة للتطورات المتسارعة في التهديدات التكنولوجية. وما ينتج عنها من تداعيات إيجابية على استقرار وأمن العالم، وأخرى سلبية على أمنه واستقراره.
فتوافقت الرؤية الخليجية للأمن الإقليمي في هذا الشأن مع التوجه الإماراتي، فنصت بشكل واضح ومباشر على أن تعمل الرؤية كمظلة وإطار للتعاون والتنسيق في مواجهة الجرائم الإلكترونية، على أن تمتد تلك المظلة لتشمل "تعزيز الخطط الاستراتيجية لمواجهة التهديدات السيبرانية، وتشكيل شراكات استراتيجية مع عدد من الأطراف الإقليمية والدولية لتعزيز الأمن السيبراني".
2- رؤية جماعية: تنطلق الرؤية الخليجية للأمن الإقليمي، من الارتباط والتكامل بين مستويات الأمن، سواءً على مستوى الدولة الواحدة أو على مستوى المناطق والأقاليم الفرعية، أو على مستوى إقليم الشرق الأوسط كله. وبحكم الترابط العضوي بين دول الخليج العربية واشتراك المصالح والتهديدات ووحدة التاريخ والمصير وبالتالي تقاسم الأعباء والمسؤوليات، جاءت معالجة دول الخليج لقضية الأمن التي تمثل حاضر ومستقبل شعوبها.
فالرؤية تعتمد منظورا خليجيا جماعيا وليس فردياً. ولا شك في أن الجماعية تمثل بذاتها أرضية قوية وظهيراً حامياً لأي توجه أو تحرك إقليمي أو حتى عالمي. ولعل "جماعية" مجلس التعاون الخليجي والتنسيق بين دوله في القضايا الإقليمية والهموم المشتركة لشعوبه ودوله، تقدم نموذجاً يُحتذى في المنطقة العربية والشرق الأوسط كله.
3- الشمولية: من الجدير بالإشارة أيضاً في الرؤية الخليجية للأمن الإقليمي، أنها جاءت شاملة لكل موضوعات وجوانب الأمن الإقليمي. فكان واضحاً من صياغة الرؤية حرص دول مجلس التعاون الخليجي على أن تكون رؤية جامعة لكل مكونات وجوانب الأمن بمفهومه الشامل الذي لم يعد يُختزل في الأمن العسكري أو الجوانب الدفاعية المادية، وصار يحتوي جوانب غير مرئية شديدة الأهمية لتوفير المتطلبات الشاملة للأمن وفي نفس الوقت لها دور جوهري في تهديد الأمن الشامل حال غيابها. والمثال الأبرز على ذلك هو تضمين الرؤية للجوانب التكنولوجية والمسائل التقنية المتقدمة التي باتت تمثل مكوناً أصيلاً في الحياة المعاصرة. فمثلاً، أصبحت تطبيقات الذكاء الاصطناعي تؤثر بشكل واسع النطاق في حياة الفرد العادي، وكذلك في العلاقات الاقتصادية والتجارية، بل والسياسية بين الشعوب والدول. وبالقطع، تفرض تلك القفزات التكنولوجية المتلاحقة، تحديات ومسؤوليات على مختلف الدول، لمعالجة الآثار السلبية المصاحبة لذلك التقدم العلمي الهائل.
4- إشراك الأصدقاء: إن هذه الرؤية الشاملة، تعكس إدراك دول مجلس التعاون الخليجي لضرورة أن يتم تفعيلها بالتعاون مع الشركاء والأصدقاء المعنيين بنفس الهموم والهواجس الأمنية، وكذلك الأطراف التي لديها أسبقية وتقدم في هذه المجالات.
والمتوقع أن يلقى هذا التوجه الخليجي ترحيباً ودعماً، سواءً من الشركاء في المخاطر والتحديات الأمنية السيبرانية، أو الدول ذات اليد الطولى في هذا المجال. فتلك القضايا والمجالات، لا تفرد بها ولا خصوصية فيها، حيث تحدياتها وتهديداتها ليست مقصورة على دولة أو منطقة دون غيرها، إذ صارت من أهم التهديدات العابرة للحدود، فضلاً عن كونها تهديدات نوعية غير تقليدية.
5- الأمن المناخي: ووفقاً للتصور الذي يسعى إلى مراعاة كل العوامل واحتواء مختلف الجوانب، فإن مسائل وقضايا أخرى مهمة عابرة للحدود وتمثل تهديدات نوعية، كانت حاضرة في أذهان القائمين على صياغة الرؤية الخليجية للأمن الإقليمي. وعلى رأسها التغير المناخي وتأثيراته المباشرة على التنمية المستدامة، وما يعنيه ذلك من مردود مباشر على استقرار وأمن الشعوب. بما يعنيه هذا بدوره من حتمية الانتباه إلى متطلبات الحد من مخاطر التغير المناخي، والإجراءات التنفيذية اللازم اتخاذها لهذا الغرض، مثل نهج تدوير الاقتصاد الكربوني وتعظيم استخدامات الطاقة النظيفة والمتجددة.
6- الأمن الغذائي: وينطبق على المبدأ السابق الأمن الغذائي وأمن المياه وغيرها من قضايا وظواهر أمنية بامتياز، لارتباطها المباشر بحياة المجتمعات واستقرارها. ويظهر هنا أيضاً بعد نظر السياسة الإماراتية، وعمق وشمول الفكر السياسي لقيادتها. ومن ثم، فنتيجة لأسبقية الإمارات في التصدي لتلك القضايا ومعالجتها، بل وقيادة العالم نحو مواجهتها، الطبيعي أن تضطلع الإمارات بالدور الأكبر في بلورة وتطبيق ما يتعلق بهذه القضايا المستقبلية من الرؤية الخليجية للأمن الإقليمي.
7- القضايا التقليدية: لم تتجاهل الرؤية الخليجية للأمن الإقليمي القضايا ومصادر التهديد التقليدية المباشرة، كالنزاعات والمشكلات القائمة بالفعل والتوجهات السياسية المثيرة للاضطراب وعدم الاستقرار الإقليمي. ومعنى كل ذلك أن هذه الرؤية قد استوفت تماماً تحديد المشكلات والمخاطر سواء القائمة أو المحتملة، ووضع الخطوط العريضة لأسس ومنطلقات مواجهتها.
وبالتالي، فإن المطلوب حالياً هو الانتقال إلى مرحلة تحويل هذه الرؤية إلى خطط واضحة وسياسات محددة وبرامج عمل تنفيذية. وهي مسألة لا تقل أهمية أو سهولة، خاصة أنها تستلزم بالضرورة التنسيق والتعاون مع أطراف عديدة إقليمية وعالمية.
في الختام، سيكون من المفيد وربما من الضروري اتباع نفس النهج بالعمل إقليمياً من خلال جامعة الدول العربية، وعالمياً من خلال الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المتخصصة، لتكون هذه الرؤية الخليجية للأمن بمثابة أُطُر ومظلات مؤسسية متعددة المستويات (خليجية، وإقليمية، وعالمية) تكفل تحويل تلك الرؤية إلى منظومة عمل مطبقة ومستدامة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة