الحج في زمن كورونا.. السعودية تحاصر المخاطر بخدمات صحية متطورة
تطور كبير شهدته الخدمات الصحية المقدمة لضيوف الرحمن في المملكة العربية السعودية، للحفاظ على صحتهم وسلامتهم.
يمكن إدراك حجم هذا التطور بإجراء مقارنة بين ما حدث عام 1865 من وفاة أكثر من 15 ألف حاج من بين 90 ألفا بسبب وباء "الكوليرا"، وقيام ضيوف الرحمن خلال الموسم الحالي بارتداء سوار ذكي يقوم بمتابعة ورصد بيانات الحالة الصحية المتعلقة بقياس نسبة أكسجين الدم ونبضات القلب.
السوار يأتي ضمن جهود تبذلها السعودية حاليا للحفاظ على صحة ضيوف الرحمن في ظل انتشار وباء كورونا.
وخلال أيام معدودات، أكملت السعودية تطعيم 60 ألف حاج يؤدون الفريضة هذا العام لمواجهة جائحة "كوفيد -19"، وقامت بتجنيد أكثر من 30 ألف كادر صحي من أطباء وممرضين وصيادلة وخدمات مساندة لخدمة الحجيج قبل وأثناء الجائحة.
انتشار الأوبئة
وعصفت الكثير من الكوارث الصحية بآلاف الأرواح خلال موسم الحج قبل 100 عام خاصة عند انتشار الأوبئة والجوائح، بحسب ما كشف كتاب "الحجر الصحي في الحجاز" لمؤلفته الدكتورة جولدن صاري يلدز، الصادرة ترجمته الأولى عن مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية عام 2001 م.
وتشير المؤلفة إلى أن السبب الأول في هذا الانتشار هو التساهل في تطبيق الإجراءات والضوابط الصحية السليمة.
وتقول: "كانت الأحوال الصحية غاية في السوء، بل كانت كارثة حقيقية، فقد كانت السفن تحمل فوق طاقتها وتضج بزحام شديد، يتسبب في أمراض مستمرة، وبسبب الزيادة الكبيرة في أعداد الحجاج، كانت شركات السفن تطبع تذاكر أكثر من الطاقة الاستيعابية للسفينة".
وتتبعت "يلدز" أبرز الأوبئة التي كانت تفتك بالحجاج قديمًا وهو وباء الكوليرا الذي وُثق ظهوره في الحجاز لأول مرة عام 1831 م، وخلال 85 عامًا من هذا التاريخ، ظهر الوباء 22 مرة، وكانت الأوبئة تتعاقب كل عام.
وفي عام 1865م خلفت "الكوليرا" وفيات تراوحت بين 15 إلى 30 ألف، حسب بعض الإحصاءات المدونة في الوثائق التاريخية، وتعاقب ظهور هذا الوباء أعوام 1881م، 1882م، 1883م، 1890م، 1891م، 1893م.
وفي عام 1873م تحركت سفينة من جدة، في اليوم الرابع من شهر يوليو/تموز حاملة 1370 حاجًا عائدين إلى بلادهم، توفي منهم 334 حاجًا قبل وصولهم إلى بلادهم.
ولم يكن ضعف الإجراءات الاحترازية وتدني مستوى الخدمات الصحية سببًا وحيدًا لانتشار الأوبئة بين الحجاج قديمًا، بل إن ضعف الوعي الاجتماعي بالخطر، وعدم وجود وسائل للتوعية بطرق الوقاية، أسهما بدورهما في تفاقم المشكلة قديمًا.
وفي عام 1894م أحضرت الجهات الصحية آلة لتعقيم ملابس الرجال والنساء ضمن إجراءات لكبح انتشار الأمراض، إلا أن توجس الناس وعدم وصول المعلومة بشكل صحيح حول دور هذه الآلة وانتشار الإشاعات حولها أدى إلى نفورهم وعدم قبول استخدامها لتعقيم ملابسهم.
وتشير دراسة أصدرها معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج والعمرة حديثًا، إلى أن الحج تأثر بالأوبئة منذ قرون بعيدة، وخاصة أوبئة الكوليرا والطاعون، وما تزال الأمراض المعدية تمثل تهديدا حقيقيًا لمواسم الحج الحديثة.
وتبين من خلال البحث أن نسبتها تراوحت في مواسم الحج السابقة بين (26.4% إلى 60.5%)، أكثرها كانت الأمراض التنفسية (زكام ورشح والتهاب رئوي) تلتها أمراض الجهاز الهضمي (النزلات المعوية والإسهالات) والحمى الشوكية، وأن نسبة الوفيات بسبب الأمراض المعدية في الحج تراوحت ما بين 1.08% إلى 13.67% وبمتوسط 7.89%.
أما في موسم حج 1441هـ (2020م) فقد بلغ أعلى عدد للإصابات 195 إصابة بمكة المكرمة (من غير الحجاج)، وكان ذلك في اليوم الثاني من ذي الحجة 1441هـ ولم تسجل حالات وفاة بين الحجاج.
واختتمت الدراسة مؤكدة بأن الأوبئة والأمراض المعدية كانت ولا تزال مهددًا حقيقيًا خلال مواسم الحج، وللوقاية منها يجب الاستمرار في رصد الأمراض المعدية خلال مواسم الحج وعمل دليل شامل بها.
كذلك يجب استخدام وسائل حديثة للكشف المبكر وضرورة تطوير إدارة مخاطر الأمراض المعدية في التجمعات، ونشر التوعية الصحية العامة والتدريب بصورة مستمرة أثناء الحج بمخاطر الأمراض المعدية وطرق الوقاية منها وضرورة التطعيم للحجاج والفئات العاملة في الحج واستمرار الأبحاث والدراسات لمكافحة الأمراض المعدية والوقاية منها.
نجاح متوقع
وتسعى السلطات السعودية لتكرار نجاح العام الماضي، وهو أول موسم حج يجرى في ظل انتشار كورونا، والذي تميز بتنظيم كبير والتزام تام بالتدابير الوقائية من الجائحة، ولم تسجل خلاله أي إصابات بكورونا بين الحجيج.
وأكد المتحدث الرسمي لوزارة الصحة السعودية الدكتور محمد العبدالعالي، عدم تسجيل أي إصابة بفيروس كورونا حتى الآن، أو أمراض مؤثرة على الصحة العامة بين الحجاج خلال موسم الحج الحالي 2021)، ولله الحمد.
وأوضح الدكتور العبدالعالي أن الإجراءات الوقائية تواكب المراحل الرئيسية لحج هذا العام 1442هـ بدءاً من المرحلة الأولى التي تسبق بداية مناسك الحج، وشملت عدة جوانب من أبرزها حالة التحصين للحجاج، وتعريف الحجاج بالإجراءات الاحترازية ورفع مستويات الوعي لديهم وتوفير كل ذلك بعدة لغات.
وأشار إلى أهمية المرحلة الثانية من الإجراءات الصحية التي تكون فيها مناسك الحج وتأديتها من خلال النقاط والمراحل التي سيمر بها الحجاج، وستكون هناك خطوات لكل نقطة وكل مرحلة، بما يكفل بإذن الله أن تكون إجراءات الحج آمنة وصحية.
ولفت النظر إلى وجود قادة صحيين يمثلون مجموعة من المتخصصين لديهم الخبرة الكافية لمرافقة مجموعة من الحجاج للاطمئنان على أوضاعهم الصحية حتى نهاية مناسكهم وعودتهم سالمين وآمنين.
13 مستشفى
وفيما يتعلق بجاهزية الخدمات الصحية لضيوف الرحمن، تم تجهيز 13 مستشفى تقدم خدماتها الصحية، 3 منها في المشاعر المقدسة و10 داعمة لها في مكة المكرمة، إلى جانب مستشفى ميداني متنقل يواكب مراحل تأدية مناسك الحج وكذلك مجموعة من نقاط تقديم الخدمات، تتمثل في مراكز وعيادات وفرق ميدانية يصل عددها إلى 50 منتشرة في مختلف مواقع المشاعر.
بالإضافة إلى سيارات الإسعاف متعددة الخدمات والأغراض ومنها المتقدمة التي تقدم الرعاية المكثفة منها 180 سيارة إسعاف تقدم من خلال وزارة الصحة ومجموعة من القطاعات الصحية الأخرى.
وأوضح متحدث الصحة أن هيئة الهلال الأحمر السعودي تقدم الخدمات الإسعافية المتمثلة في المركبات المتخصصة والفرق المعنية بالخدمات الإسعافية والميدانية.
وبين أن إجمالي السعة السريرية بلغ 2854 سريراً للعناية من بينها 435 سرير عناية مركزة، و382 سريراً للعزل، و239 سرير طوارئ للتعامل مع الحالات العاجلة والطارئة.
وأشار إلى أن الفرق الصحية من كوادر صحية ومساندة لها تتشرف لتقديم الخدمة على مدار الساعة ومواكبة لكافة تنقلات وحركة الحجاج بين المشاعر لتأدية مناسكهم.
وفيما يخص الإجراءات المتبعة في حال تسجيل أي إصابة خلال الحج أوضح الدكتور العبدالعالي أن الإجراءات العلاجية تتم بشكل مهني واحترافي من قبل خبراء وكوادر طبية مدربة، من خلال تقديم العلاج المناسب للمصاب وفق حالته مع تطبيق الإجراءات والعزل بما يضمن إكماله مناسكه وسلامة الحجيج.
وبين أن الإجراءات الصحية والاحترازية التي تقوم بها الوزارة في مواجهة كوفيد -19 في موسم الحج وفي كل الأوقات إضافةً لتطبيق أعلى الإجراءات الصحية، محل إشادة عالمية مما جعل المملكة في تصنيفات متقدمة جداً.
تقنيات حديثة
وفعّلت وزارة الصحة السعودية خلال موسم حج هذا العام العديد من التقنيات الطبية الحديثة في مستشفيات المشاعر المقدسة لتسهيل الخدمة العلاجية المقدمة لحجاج بيت الله الحرام، وسيتم تفعيل وحدة الطب الاتصالي في مستشفيات المشاعر؛ لاستخدامها في الحالات التي لا يتوفر بها طبيب في المكان بحيث تتيح هذه التقنية متابعة حالة المريض عن بُعد وبما يُسهل تقديم الخدمة للمريض في أسرع وقت.
ودشنت الوزارة، برنامج الأرشفة الإلكترونية لصور الأشعة وتبادلها فيما بين أقسام الأشعة في مستشفيات المشاعر المقدسة والمستشفى الافتراضي بوزارة الصحة، بهدف تقديم الخدمات التشخيصية الدقيقة عبر استشاريي الأشعة لكتابة تقارير الأشعة، وتقديم الدعم لأطباء الأشعة الموجودين في مستشفيات المشاعر المقدسة.
كما يهدف نظام الخدمات المدارة في المختبرات بمستشفيات المشاعر إلى تنظيم وإدارة الوثائق بشكل إلكتروني، وتحويل بياناتها وفهرستها في أنظمة حاسوبية مخصصة، ليسهل البحث عنها واسترجاعها بيسر وسهولة.
26 مركز إسعافيا
كما استعدت هيئة الهلال الأحمر السعودي بـ 14 مركزاً إسعافياً وبأكثر من 134 ممارساً صحياً تابعين للهيئة في مشعر منى ومناطق تواجد الحجاج خلال أداء مناسكهم في موسم حج هذا العام 1442 هـ.
ودعمت الهيئة، الكوادر البشرية الإسعافية بـ 52 سيارة إسعاف موزعة على المراكز الإسعافية، إضافة لـ عشر دراجات نارية وعربتي "جولف" تعمل في المشاعر، وفرق تطوعية تابعة للهيئة تعمل مساندةً لمباشرة الحالات الإسعافية المرضية والإصابات.
كما كثفت هيئة الهلال الأحمر السعودي استعدادتها بكامل طاقتها التشغيلية لاستقبال الحجاج في مشعري عرفات ومزدلفة من خلال تجهيز 12 مركزا إسعافياً مدعومة بـ 98 من الكوادر الطبية العاملة في جميع التخصصات الإسعافية، وذلك لتقديم أرقى الخدمات الإسعافية خلال موسم الحج.
ويدعم الفرق الإسعافية في مشعري عرفات ومزدلفة أسطول من سيارات الإسعاف المتطورة تضم أكثر من 40 سيارة مزودة بأحدث الأدوات والأجهزة والتقنيات الطبية، ضمن خطة الاستعداد المكثفة لاستقبال حجاج بيت الله الحرام خلال تصعيدهم إلى مشعر عرفات في اليوم التاسع من ذي الحجة.
سوار ذكي
وضمن سعيها المتواصل لتوظيف الذكاء الاصطناعي لتطوير الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن، أطلقت السعودية خلال حج هذا العام سوار الحاج الذكي "نسك"،
ويطلق هذا السوار للمرة الأولى بشكل تجريبي في حج هذا العام لتحسين تجربة الحجاج ورفع جودة الخدمات المقدمة لهم.
وتم توزيع 5 آلاف سوار على الحجاج من إجمالي 60 ألف حاج يؤدون الفريضة هذا العام.
ويستهدف هذا السوار تقديم تجربة حج ذكي وميسر، وإثراء التجربة الدينية للحاج، وتقديم خدمات ذات جودة عالية للحجاج.
وسوار الحاج الذكي "نسك"، سوار على هيئة ساعة يضعها الحاج حول معصم يده، وتقدم خدمات رئيسية تشمل توفير كامل المعلومات حول الحاج، مثل الحالة الصحية (محصن، محصن جرعة أولى، محصن متعافٍ).
كما سيسمح هذا السوار متابعة ورصد بيانات الحالة الصحية المتعلقة بقياس نسبة أكسجين الدم ونبضات القلب.
كذلك يمكن للحاج من خلال هذا السوار تقديم خدمات طلب المساعدة الأمنية أو الطبية الطارئة؛ مما يسهم في سرعة الوصول إلى موقعة ومساعدته.
كذلك سيتم إرسال رسائل توعوية للحجاج تصلهم عبر السوار، وغيرها من الخدمات لتقديم تجربة حج ميسرة للحجاج.