"هلاوس".. عرض مسرحي صامت يحلّق في خيال شكسبير
أتقن المخرج المصري محمد عبد الله فن الأداء الحركي الصامت "المايم" مؤمناً بقدرته في يوم ما على تقديم عرض مسرحي طويل يجذب الجمهور لهذه النوعية غير الشائعة من العروض، لكن نجاح "هلاوس" فاق كل توقعاته.
العرض مدته ساعة وهو قائم بالكامل على الأداء الحركي الصامت لتسعة من الممثلين الشبان مع توظيف مميز للموسيقى التي أعدها عبد الله أيضاً من مقطوعات عالمية للعمل المأخوذ عن رائعة الكاتب البريطاني وليام شكسبير (تاجر البندقية) مع ربط دقيق بين الماضي والحاضر.
تتسلط دائرة الضوء المسرحية في البداية على مؤلف يجلس بمكتبه في ركن قصي من المسرح يبدو أنه يكتب نصاً جديداً مستوحى من المسرحية الإنجليزية الشهيرة وفي ذهنه الفرقة المسرحية التي ستقدم رؤيته المعاصرة للعمل.
لكن رويداً رويداً يبدأ القديم في الاشتباك مع الحديث داخل رأسه وتتداخل الأحداث حتى تتحول أفكاره إلى هلاوس تخرج عن السيطرة فيحاول إعادة كتابة النص من جديد.
ورغم تركيز العرض على معاني الحب والكره والصداقة والغيرة واستناده إلى نص أدبي عالمي لا تغيب عنه روح الفكاهة التي يصنعها الممثلون بتلقائية شديدة من خلال أداء حركي سلس وسريع على المسرح.
وقال عبد الله لـ"رويترز" مساء الأربعاء بعد تقديم العرض على مسرح الهناجر بساحة دار الأوبرا المصرية: "فكرة العرض تشغلني منذ 12 عاماً لكنها كانت تحتاج إلى إنتاج كبير ومسرح مجهز وهو ما لم يتوفر في السابق، لكن في فبراير/شباط الماضي قدمت فكرتي إلى مسرح الدولة ووجدت دعماً كبيراً من زملائي إلى أن حصلت على الموافقة".
وأضاف: "عرض صامت معناه أن الصورة والموسيقى معاً هما البطل الرئيس للعمل، وهي نوعية غير شائعة في مسرحنا لكن من حسن حظي أن دعمني المهندس عمرو عبد الله أحد أهم مصممي الديكور والإضاءة في مصر، وكذلك الإضاءة للأستاذ أبوبكر الشريف الذي عمل في السابق مع الفنان يحيى الفخراني وغيره من كبار الممثلين".
وأشار عبدالله، الذي تعلم فن "المايم" على يد أحمد نبيل رائد هذا الفن في مصر، إلى أنه لولا وجود مركز الهناجر للفنون الذي تأسس في تسعينيات القرن الماضي لاحتضان إبداعات الشبان لما خرج هذا العمل للنور.
وفي سبيل إنجاح فكرته عمل المخرج الشاب الذي تخرج في كلية الحاسبات والمعلومات قبل أن يسلك طريق الدراسات المسرحية الحرة على تشكيل فريق يجمع بين فناني المسرح التقليدي وآخرين يجيدون فن المايم.
وقال: "إخراج العروض الصامتة تختلف عن العروض العادية لأن طريقة تحرك الممثل الصامت تختلف عن طريقة تحرك الممثل المتكلم، الفرق أنني أسعى لإظهار كل مواهبه وكيف يقدم حركة أكثر تعبيراً عما بداخله، فأنا أتعامل مع حواسه".
وأضاف: "هو عرض مسرحي متكامل يحمل الكثير من فنون الأداء والمسرح لكني أردت تقديم رسالة لكل فناني المسرح الجسدي والمايم بأن يكملوا مسيرتهم دون يأس فرغم المعوقات الكثيرة التي اصطدمت بها بجانب مفردات التجربة الكثيرة تمكنت من كسر الحواجز وتقديم هذا العمل ليظهر إلى النور".
وأشار عبدالله إلى تفاعل الجمهور مع العرض بشكل تصاعدي أكسب الفنانين يوماً بعد يوم ثقة أكبر فيما يقدمونه من قالب مسرحي.
بينما يظل أكثر موقف عالق في ذهنه هو ما حدث مع مشاهد جاء من مكان بعيد واكتشف بعد حجز تذكرة الدخول أن العرض صامت فغضب كثيراً، لكن عقب إسدال الستار تقدم مبتسماً نحو فريق العمل وطلب التواصل معهم بشكل دائم لاطلاعه على كل العروض الصامتة القادمة.