«القسام» تبوح بـ«سرها».. لماذا الآن؟
لماذا اختارت حركة حماس الإعلان عن مقتل محمد الضيف و4 من كبار قادتها في هذا التوقيت بالذات؟
ومساء الخميس، أعلنت كتائب عزّ الدين القسّام، الجناح العسكري للحركة الفلسطينية أنّ قائدها العام محمد الضيف قُتل إلى جانب أربعة آخرين من كبار قادتها خلال الحرب بين إسرائيل والحركة في قطاع غزة.
إعلان يأتي متأخرا بـ6 أشهر، حيث سبق أن أعلن الجيش الإسرائيلي، مطلع أغسطس/آب الماضي، أنّه قتل الضيف بضربة نفذها قبل ذلك بنحو ثلاثة أسابيع.
ويتّهم الجيش الإسرائيلي الضيف بـ"قيادة وتخطيط وتنفيذ" الهجوم غير المسبوق الذي شنّته حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 انطلاقا من قطاع غزة على جنوب إسرائيل.
فيما لم تؤكّد «حماس» نبأ مقتل الضيف إلا الخميس، كما أكدت مقتل 4 من قادة جناحها العسكري.
وألقى صمت الحركة على إعلانات إسرائيل المتتالية عن قتلهم ظلالا من الشك حتى في الأوساط الإسرائيلية إلى حد أن المحكمة الجنائية الدولية قالت إنها لن تشطب اسم الضيف من قائمة المطلوبين لها لعدم يقينها من مقتله.
ولكن الناطق باسم كتائب القسام "أبو عبيدة" كشف عن السر العسكري وهو مقتل الضيف ومروان عيسى (أبو البراء)، نائب قائد أركان كتائب القسام، وغازي أبو طماعة (أبو موسى)، قائد ركن الأسلحة والخدمات القتالية.
كما أعلن أيضا مقتل رائد ثابت (أبو محمد)، قائد ركن القوى البشرية، ورافع سلامة (أبو محمد)، قائد لواء خان يونس.
ولم يكن مفاجئا أن يسارع الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي للقول بعد هذا الإعلان: "من جديد تثبت إسرائيل مصداقيتها".
ومع ذلك، فقد تصدر إعلان «أبو عبيدة» عناوين الأخبار في إسرائيل.
وعنونت القناة الإخبارية 12 الإسرائيلية: "الناطق بلسان حماس يؤكد للمرة الأولى: إسرائيل قتلت محمد الضيف".
وأضافت: " هذا أول اعتراف لحماس بمقتل الضيف منذ تعرضه لهجوم من قبل إسرائيل في يوليو/ تموز 2024 في موجة غير اعتيادية من الهجمات على مخيمات النازحين في المواصي، غرب خان يونس جنوب قطاع غزة".
وتابعت: "كان يطلق على الضيف لقب "رئيس أركان حماس" و"الشبح" و"رجل الظل" و"أبو خالد" و"مطلوب رقم 1".
وأشارت إلى أنه "لسنوات، كان على مرمى أنظار إسرائيل، بعد أن أصبح أحد كبار أعضاء التنظيم واستمر في التخطيط لهجمات وهجمات حتى بعد إصابته في ست محاولات اغتيال على الأقل".
وأردفت: "بعد هجوم يوليو/ تموز، نفت حماس وادعت أن "حالة ضيف جيدة"، لكن الجيش الإسرائيلي قدر أن عملية الاغتيال كانت ناجحة، وقال الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي دانيال هغاري في ذلك الوقت إن المنظمة "تخفي حالته"".
أما هيئة البث الإسرائيلية فعنونت: "حماس تعلن رسميا وفاة محمد الضيف".
ولفتت إلى أن "حماس دفنت جثمان الضيف سرا وفي مكان سري دون الإعلان عن ذلك علنا. والسبب في ذلك هو أنها تعتقد أنه إذا علمت إسرائيل بمكان دفن ضيف، فإن الجيش الإسرائيلي سيأتي إلى الموقع ويحفر القبر ويأخذ جثته لاستخدامها كورقة مساومة في صفقة رهائن".
دلالة التوقيت
لم يفسر «أبو عبيدة» سر الإعلان في هذا التوقيت بالذات عن مقتل الضيف ورفاقه أو تفاصيل عمليات قتلهم.
واكتفى بالقول إنهم قتلوا «بين غرف عمليات القيادة أو الاشتباك المباشر مع قوات العدو في الميدان، أو في حال تفقد صفوف» المقاتلين، و«تنظيم سير المعركة وإدارة القتال».
ولكنه ألمح إلى أن إخفاء مقتلهم جاء لعدم خفض معنويات عناصر القسام خلال الحرب، فقال: "بالرغم من مُصابنا الجلل بفقدهم، لم ولن يفتَّ في عضد كتائبنا ومقاومتنا بفضل الله تعالى وعونه، فهذه قضية منتهية ولا جدال فيها".
وأضاف أنه بعد مقتل "كلٍّ منهم على مدار هذه المعركة، لم تزدَد عزائم مجاهدينا إلا صلابةً بفضل الله، وازدادت المعارك ضراوةً واحتدامًا، واستبسل المجاهدون أكثر، وأثخنوا في العدو أكثر وأكثر، وازدادت دافعيتهم للقتال بشكل غير مسبوق، شاهده كل العالم، ولا يزالون على العهد والقَسَم".
وبناء على ذلك، يبدو من شبه المؤكد أن تأخير الإعلان جاء لانتظار دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ ومرور بعد الوقت عليه.
وسيسمح وقف إطلاق النار وحرية حركة قادة "حماس" في عموم أنحاء قطاع غزة وربما حتى تجمعهم من أجل اختيار قادة جدد لهم مكان الذين قتلوا.
ويأتي الإعلان في ذروة توجيه الاهتمام المحلي والدولي للأوضاع مع تنفيذ الدفعة الثالثة من تبادل الأسرى التي شملت 3 رهائن إسرائيليين مقابل 110 أسير فلسطيني.
رسالة لإسرائيل
أما السبب الثاني فهو على الأرجح رسالة إلى إسرائيل بأن قتل قادة الجناح العسكري للحركة لم يمنع استمرار القتال على أرض قطاع غزة عسكريا والتمسك بمواقف الحركة سياسيا في مفاوضات تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في غزة.
وتعتبر الضربة التي وجهتها إسرائيل لـ"حماس" بأنها الأقوى والأكثر تأثيرا، ومع ذلك يقول المحللون العسكريون الإسرائيليون إن الحركة أصيبت ولكنها لم تقتل.
ولكن «أبو عبيدة» بإعلانه عن مقتل الضيف ورفاقه لم يعلن عن بدائلهم ولهذا أكثر من دلالة، فإما أن تكون حماس اختارت الإبقاء على الأسماء البديلة سرية أو أنها تتريث قبل اختيار أو بدائل أو أنها تعتبر أن إمكانية انتهاء الحرب ستكون بداية جديدة لرؤية الحركة للعمل العسكري.
فحركة حماس تدرك أنه ما لم تستأنف إسرائيل الحرب فإن انتهاءها يعني أن قطاع غزة لن يخوض أي حروب على الأقل على مدى عقدين قادمين.
وتشير التقديرات المحلية والدولية إلى أن إعادة اعمار غزة سيتطلب ما لا يقل عن 15 عاما، وخلالها ومن أجل ضمان التمويل العربي والدولي لهذا الأمر، فإن الهدوء يجب أن يسود قطاع غزة.
كما تدرك "حماس" أن لا أحد في العالم سيقبل بعودتها إلى حكم قطاع غزة بعد الحرب، ولذلك يسرب المسؤولون الكبار في الحركة بأنهم لا يريدون أن يحكموا القطاع.
aXA6IDMuMTQ3LjU3LjIxNyA= جزيرة ام اند امز