15 عاما على اغتيال الحريري.. سنوات عجاف في لبنان
تفجير انتحاري ضخم بشاحنة مفخخة لدى مرور موكب الحريري على الواجهة البحرية في بيروت وقع في فبراير 2005 قد أدى إلى مقتله.
بعد 15 عاما على اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري و13 عاما على إنشاء المحكمة الدولية الخاصة بهذه الجريمة، يتوقع صدور الحكم غدا الثلاثاء بحق المتهمين المنتمين بـ"حزب الله".
جريمة شكلت محطة مفصلية في تاريخ لبنان تركت تداعياتها على الواقع السياسي والأمني في البلاد ولا تزال، خاصة أنه تلاها عمليات اغتيال لشخصيات معروفة مناهضة لحزب الله والنظام السوري الذي كان ممسكا في مفاصل الدولة السياسية والأمنية في بيروت.
وتشكل منذ هذه الجريمة ما يعرف بفريق 14 آذار المناهض لحزب الله و فريق 8 آذار أي حزب الله وحلفائه.
وكان تفجير انتحاري ضخم بشاحنة مفخخة لدى مرور موكب الحريري على الواجهة البحرية في بيروت فبراير/شباط 2005 قد أدى إلى مقتله و21 شخصا آخرين.
كانت الصدمة كبيرة، إزاء العملية التي قتلت رجلا ارتبط اسمه بشكل وثيق بلبنان وبمرحلة إعادة الإعمار ما بعد الحرب الأهلية (1975-1990) وبشبكة علاقات دولية نسجها ووظفها لصالح بلده.
وشكّل اغتيال الحريري بعد 15 عاماً من انتهاء الحرب الأهلية، ضربة كبيرة للبلد الصغير الذي تنخره الانقسامات الطائفية والسياسية، وغالباً ما ترتبط قواه السياسية بدول خارجية.
اتهم حينها قادة الأحزاب السياسية المعارضة سوريا بالوقوف وراء الاغتيال، ولكن دمشق نفت أي دور لها فيه. وأثيرت شبهات قوية بشأن دور حزب الله الشيعي اللبناني في العملية.
كان الحريري يومها يستعد لخوض انتخابات نيابية، ويقترب من الانخراط في جبهة معارضة لدمشق.
وفي مطلع فبراير/شباط 2005 أي شهر الاغتيال، تلقى رفيق الحريري مناشدة من صديقه الرئيس الفرنسي حينها جاك شيراك، بوجوب التزام الحذر، وبعدها بأيام من مبعوث الأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط تيري رود لارسن في الإطار نفسه.
ونزلت أعداد ضخمة من اللبنانيين إلى الشارع تحتج على الاغتيال، وحصلت نقمة أسقطت على الفور الحكومة القريبة من دمشق برئاسة عمر كرامي.
وبعدها بأيام، وتحديداً في 14 مارس/أذار 2005، خرج مئات الآلاف من اللبنانيين إلى الشارع، وكان يوما تاريخيا لعب دورا حاسما في خروج القوات السورية من هذا البلد في أبريل/نيسان التالي مباشرة.
وعلى وقع جريمة الاغتيال عاد رئيس الجمهورية الحالي ميشال عون في مايو/أيار 2015 إلى بيروت بعد 15 عاما على منفاه في باريس نتيجة رفضه (عندما كان رئيس حكومة عسكرية) لاتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية وتحديدا الجزء المتعلق بانتشار الجيش السوري في لبنان ما أدى إلى معارك ضارية في هذا البلد.
لكن بعد عودته من فرنسا دخل البرلمان بكتلة وازنة ليعود بعدها ويوقع وثيقة تفاهم مع حزب الله عام 2006، كان لها الدور الرئيسي في وصوله إلى موقع رئاسة الجمهورية عام 2016.
وانعكست تداعيات جريمة الاغتيال بدورها على قضية رئيس "حزب القوات اللبنانية" الذي كان محكوما بالمؤبد لاتهامه بجرائم خلال الحرب الأهلية.
وأقر البرلمان اللبناني قانون العفو عنه ليخرج في شهر يوليو/تموز 2005 بعد 11 عاماً قضاها في السجن.
وانقسم لبنان بعد ذلك لسنوات طويلة بين "قوى 14 آذار" المناهضة لحزب الله وسوريا من جهة و"قوى 8 آذار" من حزب الله وحلفائه، وفُتحت صفحة جديدة في تاريخ بيروت أخرجت دمشق من المشهد السياسي المباشر فيها.
وتمكن حزب الله، القوة الوحيدة التي لا تزال تحتفظ بترسانة سلاح في لبنان بجانب القوى الأمنية الشرعية، من ملء الفراغ الذي خلفه غياب دمشق سياسياً وتحوّل رويداً رويدا إلى كتلة أساسية تتحكم بمسار الحياة السياسية بالبلاد.
في عام 2007، وبعد قرار من مجلس الأمن الدولي، أنشئت المحكمة الخاصة بلبنان تحت الفصل السابع الملزم لمحاكمة المتهمين بتنفيذ الهجوم.
ورحبت الأغلبية المناهضة لحزب الله سوريا في لبنان بهذه الخطوة، في حين قال حزب الله، إنها تنتهك السيادة اللبنانية.
وتوجه التحقيق الدولي في جريمة الاغتيال أولا نحو سوريا، لكن ما لبث أن توقف عن ذكر دمشق، ووجّه الاتهام إلى عناصر في حزب الله، بالتخطيط وتنفيذ الاغتيال.
ثم في مارس/آذار 2009، باشرت المحكمة الخاصة بلبنان جلساتها في ضاحية لايدشندام في لاهاي، وبعدها وفي الشهر التالي أمرت بإطلاق سراح 4 ضباط لبنانيين محتجزين ببيروت منذ عام 2005 من دون توجيه أي تهمة لهم على صلة بالاغتيال.
في يوليو/تموز 2010، قال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله إنه تبلغ من رئيس الوزراء سعد الحريري حينها إن القرار الظني الذي سيصدر عن المحكمة الدولية سيتهم عناصر من الحزب.
وتوعد نصرالله في نوفمبر/تشرين الثاني "بقطع يد" كل من يحاول توقيف عناصر من حزبه.
وعقب ذلك، وتحديداً في يونيو/ حزيران 2011، أصدرت المحكمة الخاصة مذكرات اتهام واعتقال بحق 4 لبنانيين مشتبه بهم. وأكدت وزارة الداخلية اللبنانية أن المشتبه بهم هم أعضاء حزب الله مصطفى بدر الدين وسليم عياش وأسد صبرا وحسين عنيسي.
وفي أغسطس/أب من العام نفسه، أكدت المحكمة الخاصة بلبنان أن لديها أدلة كافية لمحاكمة أعضاء حزب الله الأربعة ونشرت لائحة الاتهام الكاملة.
حل العام 2013، لتوجه محكمة الحريري تهماً في أكتوبر/تشرين الأول، إلى مشتبه به خامس هو عضو حزب الله حسن حبيب مرعي.
بدأت المحاكمة في ضاحية لاهاي في 16 يناير/كانون الثاني 2014 في غياب أعضاء حزب الله الأربعة.
وقالت نيابة المحكمة إن بدر الدين وعياش قاما بتنظيم وتنفيذ الهجوم، في حين اتُهم عنيسي وصبرا بتسليم قناة الجزيرة القطرية شريط فيديو يتضمن رسالة كاذبة عن تبني الهجوم لحماية القتلة الحقيقيين.
لكن في مايو/ أيار 2016، أعلن حزب الله مقتل بدر الدين في هجوم في سوريا.
بعد ذلك بعامين، دخلت المحاكمة مرحلتها الأخيرة وقالت المحكمة الخاصة بلبنان إن أكثر من 300 شخص قدموا أدلة في القضية.
وفي سبتمبر/أيلول 2019، وجهت المحكمة إلى عياش التهمة بشأن ثلاث عمليات اغتيال ومحاولة أخرى استهدفت سياسيين في عامي 2004 و2005.
واتهمه قاضي الإجراءات التمهيدية "بالإرهاب والقتل" خلال هجمات قتل في إحداها الأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني جورج حاوي فيما استهدفت الأخريان حينها الوزير السابق مروان حمادة والوزير ميشال المر، فضلا عن مقتل وإصابة آخرين بجروح.
رحل رفيق الحريري وبقيت في وسط بيروت شعلة معدنية تشكل نصبا تذكاريا له، بينما لا تزال آثار التفجير قائمة على واجهات بعض الأبنية. وعلى بعد أمتار، يتوسط تمثال له ساحة صغيرة تحمل اسمه.