خطة هاريس لضبط الأسعار.. أمل أم تلاعب بمستهلكي أمريكا؟
تعرض مقترح كامالا هاريس لحظر التلاعب بالأسعار في إطار برنامجها الاقتصادي لانتقادات خبراء اقتصاد ومحللين.
الخبراء والمحللون قالوا إن المقترح غير تنافسي وقد يؤدي إلى إلحاق الضرر بالمستهلكين الأمريكيين وليس مساعدتهم.
وأعلنت هاريس، المرشحة الديمقراطية للرئاسة الأمريكية، عن ذلك الأسبوع الماضي في إطار مجموعة مقترحات اقتصادية تتضمن إعفاءً ضريبياً بقيمة 6 آلاف دولار للعائلات مع أطفال حديثي الولادة وإعفاءً ضريبياً بقيمة 10 آلاف دولار لمشتري المنازل لأول مرة.
أول حظر فيدرالي لضبط أسعار الغذاء والبقالة
وقالت حملة هاريس، في بيان، إنه في حال انتخابها رئيسة فإنها ستعمل مع الكونغرس لتقديم "أول حظر فيدرالي على التلاعب بأسعار المواد الغذائية والبقالة".
تسعى المقترحات إلى وضع "قواعد واضحة" لمنع الشركات الكبرى من تحقيق أرباح "مفرطة" من المواد الغذائية والبقالة، وتعزيز السلطات التنظيمية على مستوى الولايات والحكومة الفيدرالية لمعاقبة منتهكي القواعد.
وفي حين تحظى الخطط بشعبية لدى القاعدة الديمقراطية أثارت رد فعل عنيفاً من المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب، الذي يخوض الانتخابات ضد هاريس في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2024 الجاري.
واتهم ترامب هاريس بأنها ترغب في "فرض ضوابط على الأسعار على الطريقة السوفياتية".
ويؤكد مؤيدو هذه السياسة أنه تمت إساءة تفسيرها وفهمها، ولم تستجب حملة هاريس لطلب التعليق.
لكن العديد من المؤسسات الإعلامية الأمريكية، بما فيها صحيفة "واشنطن بوست"، ذكرت أن حملة هاريس ترى أن هذه السياسة بمثابة محاولة لرفع القواعد الحالية على مستوى الولايات بشأن التلاعب بالأسعار إلى المستوى الفيدرالي.
- رئيس الفيدرالي الأمريكي يكشف توقيت خفض أسعار الفائدة.. ماذا قال باول اليوم؟
- أكبر 3 مشاريع طاقة نظيفة في أمريكا تتحدى عقبات الفائدة والتضخم
حجة سياسية.. يكشفها التضخم
أسهم ارتفاع التضخم العالمي مع انتهاء جائحة كوفيد في ارتفاع حاد في تكلفة السلع اليومية في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
وانخفض التضخم الاستهلاكي بشكل كبير منذ أن بلغ ذروته عند أكثر من 9% في عام 2022.
لكن ما زال الأمريكيون يعانون زيادة الأسعار إجمالاً بأكثر من 20% منذ تولي جو بايدن منصبه، وفقاً لبيانات وزارة العمل الأمريكية.
مع ذلك، قال كبير خبراء الاقتصاد الأمريكي في "أكسفورد إيكونوميكس" راين سويت لوكالة "فرانس برس" إن "قليلاً جداً" من هذه الزيادة يرجع إلى التلاعب بالأسعار.
بدلاً من ذلك، يشير سويت إلى صدمة العرض التي غذتها الجائحة، وزيادة الطلب على السلع والخدمات التي حفزها -جزئياً- الدعم الفيدرالي السخي للأسر أثناء الجائحة.
وقال غاري هوفباور، زميل أول غير مقيم في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي "ما يفعله هذا التلاعب بالأسعار هو تحويل اللوم من إدارة بايدن التي كانت هاريس جزءاً منها، إلى الشركات".
وأضاف "هذه حجة سياسية ناجحة إلى حد كبير، لا أساس اقتصادياً لها".
وتعد تجارة التجزئة صعبة بشكل خاص، كون هوامش الربح فيها محدودة، على النقيض تماماً من قطاعات ذات هامش ربحية أعلى مثل التكنولوجيا.
وتساءل الرئيس التنفيذي لشركة تارغيت براين كورنيل، في مقابلة مع "سي إن بي سي" الأربعاء الماضي، تطرقت إلى خطط هاريس لحظر التلاعب بالأسعار "هل هناك مساحة أكثر تنافسية من تجارة التجزئة؟".
وأضاف "أنها مساحة تنافسية للغاية، ونحن نقدم القيمة التي يبحث عنها المستهلكون".
ولكن بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من تكاليف المعيشة فهذا يبدو صعب التصديق.
وقال سويت من أكسفورد إيكونوميكس "يرى الناس أن أسعار البنزين أعلى مما كانت عليه قبل بضع سنوات، وستكون أسعار المواد الغذائية أعلى مما كانت عليه قبل بضع سنوات".
وأضاف "لكننا لن نعود إلى الأسعار التي رأيناها قبل الوباء"، لأن تخفيف التضخم لا يؤدي إلى انخفاض أسعار الملصقات في متجر البقالة.
بدلاً من ذلك عندما ترتفع الأجور بشكل أسرع من التضخم -كما كانت الحال منذ أكثر من عام- تنخفض تكلفة هذه المواد نسبة إلى الأجور بمرور الوقت، ولكنها عملية بطيئة.
ويبدو الاحتياطي الفيدرالي واثقاً بشكل متزايد بأنه سيفوز في معركته لجهة خفض التضخم إلى هدفه المعلن منذ فترة طويلة بـ2%.
وقد أكد رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي جيروم بأول، أمس الجمعة، أن "الوقت حان" للشروع في خفض معدلات الفائدة، مشيراً إلى أن "ثقته ازدادت" بأن معركة مكافحة التضخم على الطريق الصحيح.
ولاحظ سويت أن "هناك أدلة واضحة على أن قوة تسعير الشركات بدأت تتضاءل".
وأضاف "أعتقد أنه بمرور الوقت، ومع عودة التضخم إلى هدف الاحتياطي الفيدرالي، فإن الحديث عن التلاعب بالأسعار سيبدأ بالتلاشي".
دعم المنافسة أفضل لتجارة الأغذية من السقف السعري
وتفترض نظريات الاقتصاد القياسي أن فرض سقف سعري على منتج ما قد يثبط عزيمة البائعين، مما يقلل من كمية المنتج المباع ويؤدي إلى نقص المعروض.
ويقول الخبير الاقتصادي غريغ مانكيو من جامعة هارفارد، الذي ترأس مجلس المستشارين الاقتصاديين أثناء إدارة الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش، إن أحد المجالات التي يقبل فيها خبراء الاقتصاد الضوابط السعرية هو "الاحتكارات الطبيعية" مثل شركات المرافق العامة.
لكن تجارة الأغذية ليست احتكارا، فمعظم الناس، وليس كلهم، لديهم خيار الذهاب إلى متجر آخر إذا رفع أحد المتاجر أسعاره كثيرا، وفق مانيكو، الذي يضيف: "افتراضنا بين خبراء الاقتصاد هو أن الشركات جشعة دوما وأن قوى المنافسة هي التي تبقي الأسعار قريبة من التكلفة".
إلى جانب ذلك، تعتزم هاريس زيادة المنافسة، إذ قالت الأسبوع الماضي: "ستتضمن خطتي عقوبات جديدة للشركات الانتهازية التي تستغل الأزمات وتخرق القواعد، وسندعم شركات الأغذية الصغيرة التي تحاول اللعب وفقا للقواعد والمضي قدما".
وفي هذا الصدد، قالت "وول ستريت جورنال"، إنه "كلما اتجهت خطة هاريس نحو زيادة المنافسة كوسيلة لخفض الأسعار، وبنسبة أقل نحو تحديد سقف للأسعار، كلما زاد إعجاب خبراء الاقتصاد بما تقوله".