حسن عابدين "أب" منذ العاشرة.. و"عبد الناصر" سبب تأخير شهرته
مسيرة قصيرة للفنان حسن عابدين ولكنها كانت فارقة، استطاع خلالها أن يصنع جماهيرية واسعة بصدقه وعفويته.
وجه جاد استطاع أن ينتزع ضحكة صادقة من قلوب الجماهير، الذين عرفوه رجل كبير السن بشارب وشعر أبيض، يشبه آباءهم أو جار طيب وموظف أمين قابلوه مصادفة، فقبل وفاة حسن عابدين عاش سنوات طويلة يسعى مخلصا ليكون التمثيل مهنته، معبرا بصدق عن المواطن المصري وهمومه، واستحق الشهرة عن جدارة ولكنها جاءته متأخرة، فصنع منها نجومية لم يدرك حجمها.
قصة الفنان حسن عابدين
بعمر الرابعة، كان معلمته "فاتن" أول من لاحظ قدرته على التقمص، وفي كل حصة لدروس المحفوظات، التي غالبا ما تكون عبارة عن قصص حوارية بين الحيوانات أو افراد أسرة واحدة، تطلب منه أن يقوم بالقراءة ويحاول تمثيل الحيوانات، فأعجبته اللعبة.
وبدأ حسن عبد الوهاب عابدين، المولود في 21 أكتوبر 1931 في بني سويف، المشاركة في مسرحيات المدرسة ، وكان أول أدواره وهو في العاشرة من عمره دور "الأب"، الذي ظلّ ملاصقا له طوال مسيرته الفنية لدرجة أنه لا يتذكر أن أدى دورا غيره، ثم توالت مشاركاته في الأعمال المسرحية والعروض في بني سويف وعلى مستوى المحافظة، ويستمر "أب" حتى ليوسف وهبي وأمينة رزق.
سبب حبس حسن عابدين
لا يبدو مفاجئا أن يقرر حسن عابدين، وهو ما زال مراهقا ابن 17 عاما، أن يلتحق بصفوف المقاومة الشعبية في الإسماعيلية التي تنوي الذهاب للمشاركة في حرب 48، فقد كان يمتلك حس وطني عالي وإخلاص للمبادئ التي يعتنقها، ومن دون علم أسرته ذهب إلى الإسماعيلية ومنها إلى غزة تحت إمرة القائد أحمد عبد العزيز.
اشتبك في عدد المعارك لقتل الإسرائيلين المعتدين على أرض فلسطين العربية، ولكنه بسبب عناده وسرعة غضبه يتعرض للحبس ويواجه عقوبة الإعدام، وتختلف الروايات حول سبب ذلك، فيصرح ابنه خالد حسن عابدين أن والده وزملاءه بعد أن قتلوا جنود إسرائيليين حاولوا الهرب، لكنهم وقعوا أسرى وتم الحكم عليهم بالإعدام، ولم ينجدهم سوى اقتحام أحد الفدائيين للمحاكمة وتهديده للحضور بتفجير نفسه إذا لم يفرجوا عن زملائه، وهكذا أفلت من العقوبة.
رواية نجاة حسن عابدين من الإعدام
في حين يشير الصحفي بلال فضل في برنامجه "الموهوبون في الأرض" أن سبب حكم الإعدام هو ثورة حسن عابدين وزملائه من أفراد المقاومة ضد الجيش العربي في فلسطين، كونهم يريدون الاقتحام والقتل مندفعين بحماس الشباب، بينما يدار الجيش بقواعد، مما أدى إلى حبسهم ومحاكمتهم عسكريا بالإعدام لعدم انصياعهم لأوامر الجيش، وفور علم القائد أحمد عبد العزيز توسط لهم، ونجاهم من الإعدام. ومع اختلاف الروايتين، يظل ثابتا جرأة حسن عابدين روح الثورية والتمرد المتملكة منه، غير أن مكث يقاتل في فلسطين حتى صار عمره 19 عاما، ثم عاد بعدها إلى بلدته في بني سويف.
التمثيل ممنوع
كان واضحا ولع حسن عابدين بالمسرح والتمثيل، ومع حلول الوقت الذي يجب فيه النتقال للقاهرة من أجل الالتحاق بالجامعة، جاء رفض والده مدويا، بعد أن أوعز له المعارف "هتوديه القاهرة ويدخل معهد التمثيل ويبقى مشخصاتي"، وهنا قرر والده عبد الوهاب عابدين أن يحرمه من الدراسة بالقاهرة ويوكل إليه العمل في الأراضي الزراعية التي يملكها.
خوف الأب من أن يكون ابنه ممثلا، جعلت حسن عابدين يشعر بالظلم، فأخوته حصلوا على فرصتهم في التعلم والتحقوا بالجامعة كما أرادوا، لذلك رفض أن يستسلم، وقرر أن يثابر حتى تأتيه الفرصة المناسبة لتحقيق الحلم، فاستمر على حضور المسرحيات بقصر الثقافة، حتى صادف فرقة "المسرح العسكري".
"شوفت لهم عرض كرباج أفندينا، وكان اللي عامل دور أحمد عرابي مش عاجبني"
"شوفت لهم عرض كرباج أفندينا، وكان اللي عامل دور أحمد عرابي مش عاجبني" شعر عابدن بالغيرة وتمنى أن يكون محل هذا الممثل، فذهب إلى الفرقة وعرف عنهم طريق الالتحاق بهم "قالوا ممكن دارسين معهد التمثيل أو الموظفين يدخلوا الفرقة"، وقتها لمعت الفكرة بذهنه، وأقنع والده بضرورة توظيفه، فعمل في محكمة بني سويف، وبعدها بأيام تقدم إلى المسرح العسكري.
المسرح العسكري وحسن عابدين
لم تكن البداية سهلة وموفقة، ففي خلال مراحل التقديم والأداء، سأله أحد مختبرين عن رغبته في الالتحاق بالمسرح العسكري، فحكى حسن عابدين بحسن نية عن الممثل الذي قلم بدور أحمد عرابي، وكيف أنه لم يكن موفقا وعرض انتقاده بكل شفافية، دون أن يدري أن صاحب السؤال هو أحمد عرابي أو الممثل محمود صبحي.
بالطبع، لم يُقبل حسن عابدين في المسرح، ولكنه لم ييأس وقرر أن يعمل بالإذاعة وقدم أدوار في مسلسلات إذاعية قليلة، ونقل عمله إلى محكمة القاهرة وانتقل مع زوجته احتشام، التي كانت تعمل ناظرة لإحدى المدارس، إلى العاصمة، ثم عادة مرة أخرى وتقدم إلى المسرح العسكري، حينها أبدى نبيل الألفي مدير المسرح إعجابه به، وعمل معهم.
عبد الناصر يؤخر مسيرة عابدين
بحماس بدأ يستعد حسن عابدين لواحد من أدوار البطولة مع فرقة المسرح العسكري في مسرحية "سماء الحرية" التي كتبها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وكان مقررا عرضها في ذكرى الاحتفال بثورة 23 يوليو. وقبل العرض الأول بأيام، حضر بروفة المسرحية عدد من أعضاء مجلس الثورة، وجاءت تعليقاتهم رافضة مستنكرة هذا العمل.
كان حسب عابدين يؤدي دور "كليبر"، في المسرحية تركز على فترة الاحتلال الفرنسي لمصر، ولكن تم رفضها لأنها لا لم تُظهر المصريين ودورهم، وقبل أن يسعد عابدين بالانطلاقة الأولى، أصابه الإحباط بعد إلغاء العرض بأمر من جمال عبد الناصر نفسه، ولكنه ظل مستمرا في تقديم عروض مسرحية وأدوار أخرى ثانوية في أعمال مختلفة.
وعمل ما يقرب من 15 عاما في عدد من الفرق المسرحية المختلفة، أشهرها فرقة يوسف وهبي، وقدم أعمالا مميزة ومختلفة لم يتم تصوير أي منها، كما قدم مسلسلات إذاعية وأدوارا في السهرات التلفزيونية في أواخر الخمسينات والستينات.
سعد الله ونرجس
وكان "سعد الله" دور الحظ، حين جسد والد سهير البابلي في مسرحية "نرجس" عام 1975، بعد أن صبغ شعره وشاربه باللون الأبيض ليبدو أكبر سنا، وتم تصوير المسرحية وعرضها في التلفزيون، وبدأ الجمهور يتعلق بحسن عابدين ويميزه من بين الفنانين، ويتمتع بحسه الفكاهي وتلقائيته غير المسبوقة بعد أن بلغ 44 عاما.سبق "نرجس" مسرحيات وأعمال أخرى مميزة، منها: مسرحية البيت القديم، برنامج مش معقول، مسرحية الرعب اللذيذ، مسرحية المائدة الخضراء، سهرة تلفزيونية المطلوب 50 ألف.
عابدين ممثلاً للمسرح والسينما
وتوالت بعدها الأعمال المسرحية الكوميدية التي اشترك في بطولتها، والأفلام أيضا، وكان من أشهرها:
- على من نطلق الرصاص- 1975
- فيلم المطلقات- 1975
- فيفا زلاطة- 1976
- فيلم سنة أولى حب- 1976
- عيب يا لولو.. يا لولو عيب- 1978
- مسرحية عش المجانين- 1979
- ع الرصيف- 1984
- مسرحية افرض- 1985
- بولوتيكا- 1989
اعتزال حسن عابدين
مع عرض مسرحية "عش المجانين" في أواخر السبعينات، اكتسب حسن عابدين شهرة لا مثيل لها، وصار الدويتو الفني بينه وبين محمد نجم والجمل الحوارية المتبادلة بينهما ذائعة الصيت بين الجمهور، بين متسائل "شفيق مين"، ومردد "شفيق يا راجل"، وفي أثناء نجاح المسرحية، قرر عابدين أن يذهب للعمرة خلال فترة الإجازة.
وفي المدينة المنورة، أمام قبر سيدنا محمد وقف حسن عابدين متأثرا يبكي، كونه يمتلك إيمان قوي ومحبة عميقة للنبي، ولكن يبدو أن الحراس وقتها لم يقبلوه وقرووا منعه من الوقوف أمام قبر النبي لأنه "ممثل"، وتم طرده دون أي دافع حقيقي سوى شهرته وفنه الذي لم يكن على هواهم وكأنهم احتكروا الدين وقبر الرسول.
الشعراوي وحسن عابدين
عاد حسن عابدين من العمرة مكتئبا، ولازم منزله يقرأ القرآن ويبكي بحرقة، وحينها قرر أن يعتزل وتحدث إلى محمد نجم ليجد ممثلا آخر، ومع محاولاتهم جميعا لم يقتنع، حتى أقنعه صديقه الممثل إبراهيم الشامي بزيارة الشيخ الشعراوي، الذي رحب به فور أن التقاه وعندها اندهش عابدين وأخبره بنيته الاعتزال، فجعله الشعرواي يتراجع عن قراره "أنت بتقول كلمة طيبة وبشوف لك المسلسلات والمسرحيات لما أنت تمشي هتفرج على مين".
حسن عابدين.. وسر شويبس
ام تقتصر أعماله على المسرحيات فقط، ولكنه قدم الأفلام والمسلسلات التلفزيونية والتمثيليات الإذاعية والسهرات التلفزيونية- التي ما زالت قنوات الإذاعة المصرية على يوتيوب تعرض بعضها، كما أنه اتجه أيضا إلى عالم الإعلانات بتقديم سلسلة "سر شويبس" عام 1982.
في البداية كان يرفض أن يتجه كفنان وممثل إلى الإعلانات، ولكن أقنعه وقتها رجل الأعمال عثمان أحمد عثمان بتقديم مشروب شويبس باعتباره صناعة وطنية للجمهور، واستطاعت أن تحوذ سلسلة الإعلانات رواجا كبيرا، وما زالت إلى الآن تمثل حالة نوستالجيا لدى جيل الثمانينات، ولكن وقتها واجه حسن عابدين انتقادات لاذعة وقوية من الصحافة والنقاد، باعتباره خان الفن وأهان التمثيل.
وبعدها، رغم رغبة شركة سيارات في أن يكون ممثل حملتها الإعلانية، على أن تقدم لها ولعائلته سيارات مجانة وعائد مادي كبير، لم يوافق حين عابدين وقرر هجر الإعلانات إلى الأبد، واستمر في العمل الفني محملا بمساعر إحباط وأذى تملكت منه.
سبب وفاة الفنان حسن عابدين
كان في أيماه الأخيرة، يقدم مسرحية بولوتيكا على مسرج المنتزه في الإسكندرية، وخلال احد العروض تعرض لتعب مفاجئ وتم نقله إلى المستشفى، وبعد إجراء الفحوص تبين أن حسن عابدين مصاب بسرطان الدم، فتقرر علاجه في لندن ولكنه رحل بعد شهور قليلة في 5 نوفمبر 1989.
تزوج حسن عابدين من ابنة عمه وأنجب منها 4 أبناء، هم: طارق وخالد وإيمان وهبة، ورفض أن يلتحق أي منهم بالعمل الفني أو التمثيل، وظلّ أغلب سنوات عمره محافظا لا يفضل الإفصاح عن حياته الشخصية، سريع الغضب لكنه يمتلك قلب رقيق، ولم ينل التكريم في حياته.
ماذا نتذكر عن حسن عابدين؟
مع توالي الأجيال، قد يسقط نجم ذائع الصيت من الحسابات، ويغفل الناس عن أعماله، ولكن هناك فنانون مع مرور السنوات يتم غدراك قيمة ما قدموه، وتصبح لزماتهم مرافقة لنا، من بينهم حسن عابدين، الذي نتذكر له:
"أنا عاوز واحدة تهزأني تهزأني"
يظهر فحسن عابدين في فيلم درب الهوي عام 1983 بدور "عبد الحفيظ باشا"، الذي يدعي الفضيلة وينادي بمهاجمة بيوت الدعارة خلال فترة الأربعينات وغلقها، بينما هو دائم التردد عليها ليلا، وفي الفيلم يأتي مشهده مرتديا الملابس الداخلية ويحيط بطنه بحزام للرقص، ويقف أمام سيدة قائلا "أنا عاوز واحدة تهزأني تهزأني تهزأني"
بعد رؤيته العرض الأول للفيلم مع المخرج حسام الدين مصطفى، شعر حسن عابدين بغضب شديد ورفض أن تكون تلك هي الصورة التي يتركها، ومن بعدها صارت أعماله السينمائية أقل.
"آه يا دماغي"
في مسرحية "ع الرصيف" التي اشترك في بطولتها حسن عابدين مع سهير البابلي وحسن حسني وأحمد بدير وأخرجها جلال الشرقاوي عام 1987، تمكن الفنان القدير أن يخرج من الأحداث بكلمة معبرة "آه يا دماغي"، فالمسرحية سياسية ويسعبر عابدين عن مواطن عادي لا يملك شيئا أمام العثرات، فمن حين لآخر يعبر عن وجيعته بـ "آه يا دماغي".
"ده إحنا هنضحك ضُحك.. مش ضِحك ضُحك"
فور أن يباغته محمد نجم بكلمته الشهيرة "شفيق يااا راجل" يقف حسن عابدين متلعثما يجاريه ويحاول أن يكتشف من المقصود، في واحد من أشهر المشاهد المسرحية في مسرحية "عش المجانين" عام 1979، ولكنه استطاع أن يخرج من هذا المأزق بكل عفوية وبجملة أخرى شهيرة ما زالت حاضرة في أحاديثنا اليومية، مرددا "ده إحنا هنضحك ضُحك.. مش ضِحك ضُحك".