حسن حنفي.. ورحل "سبينوزا العرب"
سيرة علمية وأدبية وفلسفية عطرة خيم على ظلالها موت المفكر والفيلسوف المصري، حسن حنفي أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة، أمس الخميس، بعد صراع مع المرض.
86 عاماً كانت العمر المدون في شهادة الوفاة، غير أن علمه الغزير وإرثه الفلسفي السابق عصره، سيستمر إلى ما هو أبعد من ذلك، نظراً لغزارة إنتاجه الذي سيتناقلها المهتمون جيل بعد جيل.
نعي
الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب حرص على أن ينعى الدكتور حسن حنفي، وكتب عبر صفحته على "فيس بوك": "رحم الله أ.د. حسن حنفي، أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة، الذي قضى عمره في محراب الفكر والفلسفة، وزخرت المكتبات العربية والعالمية بمؤلفاته وتحقيقاته، وأذكر له مطالبته الغربَ والمستشرقين بإنصاف الشرق والحضارة الشرقية والقيم الإنسانية النبيلة.. رحم الله الفقيد، وتغمده بواسع رحمته ومغفرته، وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان".
الدكتور سامح إسماعيل باحث ومحاضر في فلسفة التاريخ، اعتبر في تصريحات خاصة لـ"العين الإخبارية" إن وفاة الفيلسوف حسن حنفي خسارة فادحة للساحة الفكرية.
إثراء بالاختلاف
ويرى "إسماعيل" أن حسن حنفي تميز بإنتاجه الضخم، وطروحاته المتنوعة، حيث شغل مساحات معرفية واسعة، وأثار جدلاً كبيراً بالاتفاق أو الاختلاف معه، ما أثرى الساحة الفلسفية والسياسية على مدار نصف قرن من الزمان.
الانطلاق
يمكن القول أن نقطة الانطلاق في مشروع حسن حنفي فيما يتعلق بتجديد علم أصول الدين، بدأت مع ترجمته لكتاب سبينوزا "رسالة في اللاهوت والسياسة"، عام 1973م.
الكتاب عبارة عن دراسة تاريخية للأناجيل، ويُعتبر علم النقد التاريخي للكتب المقدسة أحد المناهج العلمية التي وضعتها الفلسفة الحديثة، وهو ما اعتبره حسن حنفي أحد أهم مكاسب الحضارة الأوربية، وانتصارا للعقل في القرن الـ17، (قرن سبينوزا)، وإخضاع الطبيعة له، حيث لا فرق بين الظاهرة الطبيعية والنص الديني، وكلاهما يخضع للعقل وقواعده.
لم يقف حسن حنفي عند قراءة سبينوزا فحسب، بل قام باستدعائه محاولا إسقاط المادة التي عمل عليها، وإحلال مادة أخرى محلها، مع الإبقاء على نفس المنهج، أي إسقاط التراث اليهودي وإحلال تراث ديني آخر، هو التراث الإسلامي، وكان سبينوزا نفسه يودّ تعميم تحليلاته على الديانات الأخرى.
رسالة سبينوزا في نظره هي دراسة لمصير الوحي في التاريخ. حيث يرى أن النقد التاريخي للكتاب المقدس سابق على الإيمان بالمصدر الإلهي للكتاب، وهو الضامن لصحته من حيث كونه وثيقة تاريخية تحتوي على الوحي الإلهي، وتحتاج إلى تحقيق تاريخي مضبوط، وبالتالي يعارض سبينوزا وجهة النظر التقليدية المحافظة التي تؤمن بألوهية الكتاب قبل تطبيق قواعد المنهج التاريخي عليه.
من هنا فإن نقطة الانطلاق لفلسفات التنوير تكمن أساسا في تحليل الشعور الديني بأبعاده الثلاثة: الشعور التاريخي، والشعور الفكري، والشعور العملي. وهو ما حاول حسن حنفي تطبيقه في مسعاه لإعادة تأسيس إشكالية النهضة وفقا لمعطيات الواقع ومشروطياته.
إعادة البناء
انطلق حسن حنفي ليؤسس مشروعه الفكري لإعادة بناء علم أصول الدين مرتكزا في منهجه على النزعة التأويلية الـسبينوزية، ومعتمدا على فلسفات الوعي الظاهراتية / الهيجيلية ــ الماركسية، وهو ما تبدى بوضوح في تحليله لظاهرة الوحي وفي مشروعه الأيديولوجي حول اليسار الاسلامي.
نموذج علمي
للفيلسوف الراحل قدسية خاصة باعتباره أحد النماذج النادرة للمفركين الملتزمين، بحسب ما صرح به الدكتور أحمد زايد، أستاذ علم الاجتماع بلكية الآداب جامعة القاهرة لـ"العين الإخبارية".
التزام "حنفي" له دلالات كثيرة في أسلوب عمله وأدائه المهني الذي به قدر عالي من الانضباط والدقة، وخدمة التخصص والدأب الشديد في متابعة الحديث.
احتفاء ألماني
"زايد" يؤكد أن طرح الأفكار الجديدة وتجديد أساليب الفكر والقراءة المستمرة كانت أحد أهم مميزات "الفيلسوف الراحل"، الذي أتقن 4 لغات وكتب بها وهي العربية والإنجليزية والفرنسية والألمانية.
يستكمل زايد حديثه: "في سفري معه إلى ألمانيا رأيت كيف يحاور حنفي الألمان بكل طلاقة ممسكاً بتلابيب موضوعاته بكل دقة، ليحظى بحفاوة كبرى أينما وطأت قدماه في تلك البلاد".
دكتوراه من فرنسا
حصوله على درجة الدكتوراة في الفلسفة لم يكن سهلاً، لكن لكون الفيلسوف الراحل كان يقرأ في السفر والإقامة، وفي أيام عمله وأيام راحته، اكتسب في سنوات عمره خبرات وعلوم قلما توجد في فيلسوف غيره.
تجديد التراث
ويسترسل زايد، الذي أكد لـ"العين الإخبارية"، أن حنفي نجح في استقطاب غير المتخصصين في الفلسفة لحضور محاضراته والتعلم من فنونه، وامتد إنتاجه العلمي ليكتب في كل مجالات الفلسفة، واتجه تحديداً إلى "التراث والتجديد التي بدأها بكتيبات قصيرة، ثم وصلت إلى مجلدات محفوظة لدى تلاميذه ومريديه، والتي كان عمودها الفقري الاحتفاظ بالتراث مع تجديد وتطوير الفكر.
علم الاستغراب
الغيرة الشديدة على الوطن كانت نبراساً للفيلسوف، ولهذا كان له مؤلفاً شهيراً أطلق عليه "علم الاستغراب"، كرد مباشر على حملة الغرب على الشرق وإطلاق مسمى الاستشراق.
المثير أن مؤلفه أصبح أحد المراجع العلمية في عدد الجامعات من جامعات ماليزيا، كما أقيمت مراكز دراسة الاستغراب في هذا البلد الأسيوي.
تكريم محلي ودولي
انتشار حسن حنفي في مشارق الأر ض ومغاربها جعل له مريدين وتلامذة من كل الأقطار، لكن جماهيريته في بلاد المغرب العربي وشمال أفريقيا لها طابع خاص.
لم تغفل الدولة المصرية تكريم الراحل، فكان أن حصد جائزتي الدولة التقديرية ودرع النيل تكريماً على جهوده العظيمة.
النهاية
قبل 3 سنوات نشر حنفي آخر مذكراته وآخر كتبه، والذى يحوى أصداء من سيرته الذاتية، صدر عن الجمعية الفلسفية المصرية، والتى يرأسها أيضًا منذ سنوات، بعنوان "ذكريات 1935- 2018"، والكتاب أثار جدلا واسعا بمجرد صدوره لما احتواه من أراء ونقد لعدد من الشخصيات.
aXA6IDMuMTQ1LjcuMjUzIA==
جزيرة ام اند امز