"حيس" تحت قصف الحوثي.. اللقاء مع الموت
للوهلة الأولى اهتزت الأرض وما عليها، وما هي إلا لحظات حتى بدأت الجدران والأسقف تتساقط.. إنه انفجار لم يُبقِ ولم يذر.
مأساة متكررة يحيكها الحوثيون على مقاس اليمنيين بآلة حرب لا تفرق بين بشر أو حجر، وهذه المرة في "حيس"، المدينة المحاصرة التي تكاد لا يمر يوما دون أن تتعرض لقصف المليشيات التي تحيط بها من 3 اتجاهات.
تلعثم لسان أحمد داود طالب الثانوية العامة حين بدأ حديثه لـ"العين الإخبارية" عن تجربته المريرة منذ دخوله مديرية حيس قادما من الدريهمي، وهي مدينة أخرى جنوبي الحديدة (غرب).
يقول الطالب اليمني إن مديرية حيس حالها كحال مدينة الدريهمي تتعرض لقصف حوثي مماثل وتمطر سكانها بحمم الموت يوميا.
وأضاف: "كنت أحاول إظهار الثقة بنفسي، لكن معايشة تجربة واقع مرير لسكان يتعرضون منذ ما يقارب من 4 أعوام للقصف الحوثي، تبدد تلك الثقة، ويحل بدلا عنها الخوف والقلق، بل إن مخاوف الإصابة بإحدى تلك القذائف يدفعك إلى اليقين بأن ساعتك على وشك الاقتراب".
وبحسرة شديدة، مضى في كلماته: "يحدث هذا يوم الخميس، أحد أهم أيام الأسبوع لدى كثير من اليمنيين باعتباره يوما للقاء الأحبة، لكنه في حيس، لم يكن سوى لقاء للموت والقذائف ودوي الانفجارات المرعبة".
وعن تجربته المريرة واصل حديثه: "كانت الانفجارات المتعاقبة تدفعنا للاعتقاد بأن المنزل الذي نمكث فيه سيكون التالي لقذائف الحوثي".
يعد ذلك تجربة قاسية لمن لم يألف أجواء الحرب المتوحشة التي تشنها مليشيات الحوثي منذ أعوام على مساكن المدنيين في هذه المدينة الساحلية.
منفذ وحيد للحياة
ومنذ مطلع 2018، سقط نحو 135 قتيلا بينهم 30 طفلا، جميعهم بقذائف مليشيات الحوثي ورصاص القناصة الذين يحيطون بمدينة حيس المحاصرة من ثلاثة منافذ، عدا منفذ واحد يتزود السكان من خلاله بالمؤن الغذائية.
كما أصيب نحو 394 مدنيا من بينهم 150 طفلا، بحسب مدير مكتب حقوق الإنسان بالمديرية فؤاد منصور، الذي تحدث لـ"العين الإخبارية".
لكن الأسوأ من ذلك، وفق منصور، هو أن حياة سكان المدينة المحاصرة تحولت إلى رعب يومي يصعب التعايش مع أجوائه الموحشة.
ويقول إن "قذائف الحوثي، تجعل ليل سكان المديرية جحيما، خصوصا في الأيام التي تكثف فيها المليشيات من القصف، بغرض إلحاق الضرر بهم"، في تصرف يفسر نقمتهم على المدنيين في المناطق المحررة.
ويرى أنه "لا يمكن الخلاص من هذا الجحيم سوى طرد المليشيات الحوثية، لأنها تنظر للسكان في المناطق المحررة على أنهم أعداء، ولذا ينبغي تخليص السكان من شرورهم".
ثمن ستوكهولم
رئيس الخدمات المجتمعية بالمجلس المحلي لمديرية حيس، الشيخ صادق بجاش، أكد بدوره أن "المدنيين يدفعون ثمنا باهظا إثر اعتداءات مليشيات الحوثي، رغم توقيع اتفاقية ستوكهولم التي أوقفت تحرير مدينة الحديدة أواخر 2018.
وأوضح أنه منذ توقف المعارك دفع المدنيون الثمن غاليا، ومليشيات الحوثي لا تتوقف عن استهدافهم بقذائف الهاون الثقيلة.
وتابع: "لقد حولت قذائف الحوثي حياة سكان مدينة حيس المحاصرة إلى أجواء مليئة بالرعب والخوف".
وأشار إلى أن مليشيات الحوثي تسعى جاهدة لقتل المدنيين وإغلاق الحياة المدنية، ليتسنى لها العودة للسيطرة على المدينة، لكن المدنيين يقدمون نموذجا للإصرار على الاستمرار بالحياة.
ومضى في حديثه: "صحيح أنه عند سقوط كل قذيفة يكون في كل بيت أشبه بالمأتم، خشية أن تطول سكانه تلك القذائف غير أن الرغبة في الحياة تدفع السكان للتأقلم على أجواء الخوف، لأنه لا خيار آخر لهم غير المضي في ذلك".
وللهروب من ذلك الجحيم، يحاول السكان تمضية أيامهم في أعمال ينجزونها نهارا تحت وقع الخوف، لكنه هروب مؤقت، إذ إن دوي القذائف يعود ويحرم سكان حيس حتى من مجرد التفكير والانخراط في الحياة مجددا.
مصير حيس يماثل إلى حد كبير ما تتعرض له مديريتا "العبدية" و"جبل مراد" جنوبي محافظة مأرب (شرق) الواقعتان تحت حصار مليشيات الحوثي التي ترتكب فيهما انتهاكات ترتقي إلى "جرائم حرب".
أمر يشابه تماما ما ترتكبه المليشيات الحوثية في مدينة تعز (جنوب) المحاصرة منذ نحو 7 أعوام.
استهداف المليشيات الحوثية وحصارها للمدن ذات الثقل السكاني الرافض للمشروع الإيراني يمثل جزءا من خطة انقلابية تسعى لمعاقبة السكان وإخضاعهم بالقوة والأساليب الأكثر وحشية.