الحر والحرائق في أوروبا.. تغير المناخ ليس المتهم الوحيد
يعد تغير المناخ وما يصاحبه من احترار عالمي المتهم الأول في موجة الحر وحرائق الغابات غير المسبوقة في أوروبا، لكنه ليس المتهم الوحيد.
وبحسب بيانات أصدرها، الخميس، نظام معلومات حرائق الغابات الأوروبية التابع لبرنامج مراقبة الأرض للاتحاد الأوروبي "كوبرنيكوس"، تخطّت المساحات التي اجتاحتها النيران في الأسابيع الأخيرة في أوروبا المساحة الإجمالية للأراضي المُحترقة خلال عام 2021 بأكمله.
وقد تضاعفت مساحة الريف الأوروبي المحترق إلى أكثر من 3 أضعاف هذا العام، مع ما يقرب من 450 ألف هكتار من الأراضي المتفحمة حتى 16 يوليو/تموز، مقارنة بمتوسط 2006-2021 البالغ 110 آلاف هكتار خلال الأشهر نفسها من السنة. وبحلول التاريخ نفسه، أي 16 يوليو/تموز الجاري، شهدت أوروبا ما يقرب من 1900 حريق غابات مقارنة بمتوسط 470 حريقا للفترة 2006-2021.
تغير المناخ
يؤدي تغير المناخ إلى زيادة الظروف الحارة والجافة التي تساعد على انتشار الحرائق بشكل أسرع، وأيضا إلى طول أمد الحريق وزيادة شدته.
وفي حوض البحر المتوسط، ساهم ذلك في بدء موسم الحرائق مبكرا واحتراق المزيد من الأراضي. وفي العام الماضي احترق أكثر من 124 ألف فدان في الاتحاد الأوروبي، مما جعله ثاني أسوأ موسم لحرائق الغابات في التكتل بعد عام 2017.
ويؤدي الطقس الحار أيضا إلى استنزاف الرطوبة من الغطاء النباتي، وتحويله إلى وقود جاف يساعد على انتشار الحرائق.
وتعاني بلدان مثل البرتغال واليونان من الحرائق في معظم فصول الصيف، ولديها بنية تحتية لمحاولة مواجهتها، على الرغم من تلقي كلاهما مساعدة طارئة من الاتحاد الأوروبي هذا الصيف. لكن درجات الحرارة المرتفعة تدفع أيضا بحرائق الغابات إلى مناطق غير معتادة، وبالتالي فهي أقل استعدادا للتعامل معها.
ووفقا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في شباط/فبراير 2022، فإن تغير المناخ الذي يسببه الإنسان وما ينتج عنه من جفاف قد يجعلنا نشهد عدد حرائق أكبر بنسبة 30 بالمائة في غضون 28 عاما.
مخاطر متصاعدة
يبلغ متوسط ارتفاع درجة الحرارة العالمية حوالي 1.2 درجة مئوية أعلى مما كان عليه في أوقات ما قبل الثورة الصناعية. وهذا يؤدي بالفعل إلى موجات شديدة الحرارة.
وقالت سونيا سينيفيراتني، عالمة المناخ في المعهد الأوروبي للتكنولوجيا في زوريخ "في المتوسط على الأرض، الموجات شديدة الحرارة التي كانت ستحدث مرة كل 10 سنوات دون تأثير الإنسان على المناخ أصبحت الآن أكثر تواترا ثلاث مرات".
ولن تتوقف درجات الحرارة عن الارتفاع إلا إذا توقف البشر عن إضافة انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري إلى الغلاف الجوي. وحتى ذلك الحين، ستتفاقم موجات الحر. وسيؤدي الفشل في معالجة تغير المناخ إلى تصاعد درجات الحرارة الشديدة بشكل أكثر خطورة.
وتقول الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إن موجة الحر التي تحدث مرة كل عشر سنوات في عصر ما قبل الصناعة ستحدث 4.1 مرة في العقد الواحد عند ارتفاع درجة الحرارة 1.5 درجة مئوية و 5.6 مرة عند ارتفاعها درجتين مئويتين.
ووافقت الدول بموجب اتفاقية باريس العالمية لعام 2015 على خفض الانبعاثات بسرعة كافية لمنع ارتفاع متوسط درجة حرارة الأرض عن درجتين مئوية مع السعي لإبقائها عند 1.5 درجة مئوية لتجنب أكثر التداعيات خطورة. ولن تخفض السياسات الحالية الانبعاثات بالسرعة الكافية لتحقيق أي من الهدفين.
وقالت سنيفيراتني إن السماح بتجاوز ارتفاع درجة الحرارة 1.5 درجة مئوية يعني أن معظم السنوات "ستتأثر بالموجات شديدة الحرارة في المستقبل".
الأنشطة البشرية
تغير المناخ ليس العامل الوحيد في الحرائق، حيث تعد إدارة الغابات ومصادر الاشتعال هي أيضا عوامل مهمة. وفي أوروبا، تشتعل أكثر من تسعة من كل عشرة حرائق بسبب الأنشطة البشرية، مثل الحرائق المتعمدة أو حفلات الشواء أو خطوط الكهرباء أو الزجاج المتناثر، بحسب بيانات الاتحاد الأوروبي.
ويمكن أن تساعد بعض الإجراءات في الحد من الحرائق الشديدة، مثل إشعال الحرائق التي يتم التحكم فيها والتي تحاكي الحرائق منخفضة الشدة في دورات النظام البيئي الطبيعي، أو فتح فجوات داخل الغابات لوقف انتشار الحرائق بسرعة على مساحات واسعة.
لكن العلماء يتفقون على أنه بدون الخفض الحاد في الغازات المسببة للاحتباس الحراري التي تسبب تغير المناخ، فإن موجات الحر وحرائق الغابات والفيضانات والجفاف ستزداد سوءا بشكل كبير.
وفي البرتغال، حيث توفي أكثر من 100 شخص في حرائق الغابات عام 2017، تقول السلطات إن 62 بالمائة من الحرائق ناجمة عن أنشطة بشرية زراعية مثل حرق بقايا الأشجار.
الهجرة من الريف
تواجه البلدان الأوروبية، بما في ذلك إسبانيا، التحدي المتمثل في تقلص عدد السكان في المناطق الريفية، حيث ينتقل الناس إلى المدن، تاركين قوى عاملة أصغر لإزالة الغطاء النباتي وتجنب "الوقود" الذي يؤدي لتفاقم حرائق الغابات.
ويعتبر البعض أن الهجرة الجماعية للأوروبيين من الريف إلى المدن في العقود الأخيرة، فضلا عن عدم الاهتمام بالقرى النائية المكتظة بمناطق الأشجار والغابات، حوّل هذه القرى إلى قنابل موقوتة قابلة للاشتعال في أي لحظة.
ومنذ النصف الثاني من القرن الماضي، عزم الآلاف من الأوروبيين على ترك قراهم والتوجه نحو المدن بحثا عن حياة أفضل، ما عرف حينها بـ"بالنزوح الجماعي"، في خطوة حوّلت مناطق عدة إلى مساحات مهملة.
ويقول يوهان جولدامر، رئيس المركز العالمي لرصد الحرائق، إن مدينة وودلاند الأمريكية، مليئة بالمواد القابلة للاحتراق، من جذوع الأشجار الميتة والأغصان المتساقطة والأوراق الميتة والأعشاب الجافة.
وأكد جولدامر أن هذا هو السبب في أننا نشهد زيادة عالمية غير مسبوقة في الحرائق الشديدة، لافتا إلى أنه "خلال الألف أو الألفي عام الماضية، لم يكن لدينا هذا الكم من المواد القابلة للاشتعال من حولنا".
الزحف العمراني
ترى إيريم دالوجلو سيتينكايا، عالمة البيئة في جامعة بوجازيتشي التركية، ومقرها إسطنبول أن "السبب وراء حرائق الغابات ليس قاصرًا على التغيرات في المناخ" لافتة إلى أن "الاستخدام غير المنضبط للأراضي يعد أحد أهم أسباب حرائق الغابات".
وأوضحت سيتينكايا أن "حرائق الغابات ناجمة عن تراكم الكثير من النفايات، والزحف العمراني على حساب الأراضي الزراعية، وهي عوامل بيئية ينتج عنها الكثير من المواد الجافة والهشة القابلة للاشتعال، كتلك الناتجة عن قطع الأشجار".
وقد يكون اندلاع حرائق الغابات متعمدا أو ناجما عن ظاهرة طبيعية مثل صواعق البريق، إلا أن ارتفاع درجات الحرارة يؤدي إلى زيادة قوة وشدة حرائق الغابات، ما يعد السبب الحقيقي للدمار الذي لحق بالمناطق المنكوبة جراء حرائق الغابات.
وتركز سياسات مكافحة حرائق الغابات الحالية في معظم مناطق البحر المتوسط بشكل كبير على إخماد الحرائق، لكنها لم تتطور لتتكيف مع التغير العالمي خاصة ما يتعلق بظاهرة التغير المناخي.
aXA6IDMuMTQyLjEzMC4yNDIg
جزيرة ام اند امز