تدخل حرب غزة شهرها الثالث دون مؤشرات إيجابية لحلحلة الأزمة، طالما كان التردد والتساهل هما عنوان التوجه الأمريكي في تعامله مع الوضع القائم.
فبينما تنتقد واشنطن إسرائيل بسبب ارتفاع عدد الضحايا المدنيين، تستخدم الولايات المتحدة في مجلس الأمن حق الفيتو، لإيقاف مشروع القرار الإماراتي لوقف الحرب في غزة.
الضبابية الأمريكية في التعامل مع إيران وأدواتها في المنطقة، مكنت النظام الإيراني من الاستفادة بشكل كبير من أحداث غزة، بحيث تستطيع استعادة القاعدة الشعبية في العالم الإسلامي عبر دغدغة مشاعر عموم المسلمين من خلال القضية الفلسطينية، وكأن الأزمات والحروب بمثابة قارب النجاة، لإبعاد أجواء السلام والتنمية، في محاولة لتعويض انحسار النفوذ الإيراني السياسي خلال السنوات الماضية.
فهجوم حماس على غلاف غزة، ودخول الحوثيين وحزب الله، ومليشيات العراق وسوريا على خط التصعيد، ليست مصادفة! ويستطيع البعيد والقريب إدراك البصمات الإيرانية عبر تحركات أدواتها، التي تستثمر حالة التناقضات الغربية التي تندد بالتصعيد الحوثي، وهي نفس القوى التي دفعت باتفاق ستوكهولم، ما جعل ميناء الحديدة اليوم منطلقاً لهجمات الحوثيين على الملاحة الدولية في البحر الأحمر.
ومن الواضح أن واشنطن تتجنب الرد العسكري حتى الآن، على الرغم من أن التقارير الغربية تتحدث عن مشاورات مع حلفائها حول كيفية الرد، وهو ما يتناقض مع الانتقام العسكري الأمريكي تجاه المليشيات في العراق وسوريا.
عاد الحوثيون إلى موجة الهجمات على السفن في البحر الأحمر، بالصواريخ والطائرات المسيرة بل وصلت إلى احتجاز سفينة قبالة اليمن، رغم المشاورات الإقليمية المستمرة منذ أكثر من عام، وأفضت إلى تهدئة نسبية وتبادل للأسرى، ما يعكس حسابات سياسية تفضل عدم كسر الهدنة في اليمن وتوسيع الصراع، لتتجه إدارة بايدن نحو فكرة القوة الدولية البحرية لمرافقة السفن.
ما يجعل الحوثي في موقف المستفيد من حالة التساهل الغربية، فكلما استمر أمد الوضع الراهن في اليمن، دون أفق واضح للسلام كلما استثمر الحوثي الوقت لتعزيز قوته العسكرية، لتستخدم في تقويض أمن واستقرار المنطقة والممرات المائية.
لقد كان بالإمكان إضعاف الحوثي أو حتى إنهاء وجوده، لو لم يترك الإخوان في العبث والتغلغل في الشرعية اليمنية إبان عهد عبدربه منصور هادي، ولو استكمل تحرير الحديدة نهاية عام 2018، فهذه الأحداث الاستراتجية كانت من الممكن أن توقف عبث الحوثي، ومنعه من ابتزاز المنطقة متى ما شاءت أجندات داعميه.
التردد الغربي منذ سنوات في ملف اليمن في التعامل مع الحوثيين أعطى مليشيات الإرهاب الموقع الجغرافي المناسب لتهديد أمن الممرات المائية، وهو ما يعيدنا إلى طريق السلام في اليمن، وإن كان يضع في الاعتبار القوى الفاعلة في الجنوب والساحل الغربي.
وأعاد تهديد الحوثيين للتجارة العالمية إلى الأذهان استهداف الحوثي المنشآت المدنية والحيوية في الرياض وأبوظبي، دون ردع أمريكي مناسب، وهو ما لا يليق بقوة عظمى بحجم الولايات المتحدة، التي تؤكد دوماً أنها الضامنة لأمن المنطقة، وهو ما جعل إيران تستثمر بشكل أكبر في تحريك أوراقها في الشمال اليمني بما يتناسب مع مخططاتها واستراتيجياتها، ليصبحوا بمثابة حزب الله في لبنان.
ولهذا، لا يمكن الوثوق بنوايا الحوثيين المستقبلية طالما ارتبطت بالأجندات الإيرانية، ما يجعل طريق السلام في اليمن في محل تساؤل، ويتطلب سياسة واقعية تقوي الأطراف اليمنية في الجنوب، وتحتوي القوة العسكرية للحوثي في الشمال.
وطالما موقع اليمن الجغرافي مطل على أهم الممرات الدولية في العالم، لا يمكن السماح لجماعة الحوثي بالسيطرة على هذه المناطق الحيوية، فالسلام لن يصمد بوجود قوة معادية في الشمال اليمني.
أثبتت تداعيات حرب غزة بأن واشنطن لا تملك الأجوبة المناسبة حول ردع الحوثيين، ما يعني ضرورة إعادة النظر في الملف اليمني، لضمان وجود توازن جيوسياسي بين مختلف القوى اليمنية، لحماية المحافظات الغنية بالنفط والغاز، والمناطق المطلة على باب المندب والبحر الأحمر، مع تقديم الدعم اللوجستي والاستخباراتي للقوى الفاعلة التي استطاعت دحر الحوثي من مناطقها، ما سيخلق تباينات جديدة، تستطيع تحريك المياه الراكدة، والانتقال بملف اليمن إلى وضعية أفضل، تناسب أمن المنطقة واستقرارها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة