تصعيد محسوب ورسائل متبادلة.. ما وراء أحداث الفجر بين حزب الله وإسرائيل
بعد ترقّب دام نحو شهر كانت الجبهة الشمالية على موعد مع تصعيد جديد بين حزب الله وإسرائيل، بهجوم وهجوم مضاد بين الطرفين اللذين يزعم كل منهما تحقيق أهدافه.
فبين إعلان إسرائيل شنها ضربات استباقية استهدفت خلالها منصات صواريخ كان قد أعدّها حزب الله لإطلاقها نحو أهداف عسكرية واستراتيجية مهمّة، كانت رواية الجماعة اللبنانية تشير إلى أنها نفذت مرحلة أولى «ناجحة» على تل أبيب، ردا على اغتيال قائدها العسكري فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية في 30 يوليو/تموز الماضي.
تصعيد حاول كل من طرفيه إرسال رسائل للآخر، فبينما «أراد حزب الله ومن خلفه إيران إثبات قدرتيهما على ضرب العمق الإسرائيلي، كانت تل أبيب توجه رسائل مشابهة، مفادها أنها قادرة على إلحاق الأذى بطهران وذراعها الإقليمية الجماعة اللبنانية»، بحسب خبراء تحدثوا لـ«العين الإخبارية».
فما الرسائل التي وجهها الطرفان من تلك الهجمات؟
يقول الخبير العسكري والاستراتيجي العميد خالد حمادة، في حديث لـ«العين الإخبارية»، إن الساحة اللبنانية ستظل ساحة إرسال الرسائل أو القيام بردود فعل بين إيران وإسرائيل، مشيرًا إلى أن تصريح قائد الحرس الثوري الإيراني أنّ إيران لن تقع في الفخ، يوضح أن لبنان هو من وقع فيه، في ظلّ التجاذب الأمريكي-الإيراني، والصدام الإيراني-الإسرائيلي».
وعن الرسالة التي أراد حزب الله إيصالها من خلال هذا الردّ، اعتبر العميد حمادة أنّ الرسالة هي رسالة إيرانيّة في الأصل، فليس هناك رسائل يوجهها الحزب، بمعزل عن تنسيق وضوء أخضر إيراني، أو بطلب من طهران، التي تنسّق مع الولايات المتحدة.
وأشار إلى أن «طهران هي من وجهّت هذه الرسالة، ومضمونها أنّها قادرة على ضرب العمق الإسرائيلي، ولكنها في نفس الوقت منضبطة بما تريده الولايات المتحدة».
في السياق نفسه، قال الخبير العسكري والاستراتيجي العميد نزار عبدالقادر، في حديث لـ«العين الإخبارية»، إنّ حزب الله أراد بهذه الضربة أن يقول لإسرائيل إنّه لن يتخلى عن قدرته على استعادة التوازن وإعادة تصحيح موازين الردع، وهذه كانت الفكرة الأساسية التي كان يُراد إيصالها من خلال هذا الهجوم.
وتابع: «هناك رسالة مهمّة جدًا تمّ إيصالها إلى إسرائيل، من خلال الهجوم الذي تمكّن حزب الله من تنفيذه شمال تل أبيب، حيث إن هذا الهدف موجود على بعد 100 كلومتر داخل إسرائيل، وفي المنطقة الأكثر حيوية في الدفاعات الإسرائيلية».
وبحسب الخبير العسكري والاستراتيجي، فإن هذه الرسالة «السرية» سيتحدث عنها أمين عام حزب الله حسن نصر الله اليوم، والتي مفادها أن الحزب قادر على الوصول إلى العمق الإسرائيلي، كما أظهرت إسرائيل قدرتها على الوصول إلى العمق اللبناني، من خلال الغارات في شرق البقاع.
يأتي ذلك، إضافة إلى أن حزب الله قال لإسرائيل من خلال هذه العملية أنّه قادر على مهاجمة الأهداف العسكرية التي يريدها بتل أبيب من اتجاهات عدّة، إضافة إلى أن لديه مخزون أسلحة وصواريخ ومسيّرات ما يمكن أن يستنفد كلّ طاقات الدفاع الجوي المرتكز على القبة الحديدية.
فهل يدخل الطرفان نحو ساحة حرب مفتوحة؟
اعتبر الخبير العسكري والاستراتيجي العميد نزار عبدالقادر أن شكل الردّ الذي نفذه حزب الله يؤكّد أنّ الجماعة اللبنانية ومن يقف وراءها (إيران) لا يريدان الدخول في حرب إقليمية واستثارة غضب إسرائيل بشكل يجعل الحرب مركّزة على جبهة لبنان، لأنّ خسارة حزب الله هي خسارة كبرى لإيران.
وأوضح عبدالقادر أنّ الحزب يردّ عمليًا على اغتيال شخص واحد، مهما كان موقع أو رتبة هذا الشخص، وهو فؤاد شكر، لذلك يريد أن يردّ لاستعادة المبادرة بعد أن سجلت إسرائيل نقاطا استراتيجية عدة، سواء باغتيالها قائدا مهما له في الضاحية الجنوبية أو من خلال استهدافها مواقع في العمق الحيوي لدفاعاته أي في البقاع الشرقي.
وأشار إلى أنّ هذه العملية شملت بعض الأهداف في العمق الإسرائيلي إلى نحو 40 كيلومترًا تقريبًا، كاشفًا أنّ الحزب أولًا لم يخرج عن الأسلحة التقليدية التي يستخدمها والمعروفة من قبل إسرائيل منذ حرب 2006.
وأكد أن غزارة الصواريخ التي أطلقها حزب الله كانت مقصودة في الواقع لتعطيل قدرات القبة الحديدية عن التصدي للهجوم، وبلوغ عدد من تلك الصواريخ للأهداف التي وجهت نحوها، وهو ما حدث، لأنّ القبة الحديدية لا تستطيع التصدي لـ300 صاروخ جرى إطلاقها خلال فترة قصيرة جدا.
مراحل أخرى للرد؟
بحسب الخبير العسكري والاستراتيجي العميد خالد حمادة، فإن «بيان حزب الله عن المرحلة الأولى يعني أنّه يقول إنّه لا يزال قادرا على شنّ هجمات، ووعيد إسرائيل بمهاجمة أي هدف سيؤذيها أو يهددها، يشير إلى أنّ الفريقين عازمان على مزيد من الاشتباكات».
فيما قال الخبير العسكري والاستراتيجي العميد نزار عبدالقادر إن أي مراحل أخرى للردّ من قبل حزب الله ستكون مبنية على الردّ الإسرائيلي، ففي حال ردّت تل أبيب بشكل مؤذ لـ«الحزب» على هذه العملية ستكون الجماعة اللبنانية جاهزة للرد.
لكن.. هل كان الهجوم منسقا؟
وحول الرواية التي تحدثت عن كون ذلك الهجوم منسقا، قال الخبير العسكري والاستراتيجي العميد خالد حمادة إن سياق الهجمات والهجمات المضادة بين حزب الله وإسرائيل يشير إلى أن الأمر بدا وكأنّه يشبه عمليّة منسّقة تذكّر بالهجوم الذي قامت به طهران على إسرائيل بعد قصف القنصلية الإيرانيّة في دمشق، الذي أطلقت فيه 300 صاروخ باليستي ومسيرة، جرى اعتراضها جميعا، باستثناء صاروخين سقطا على أحد المقرات العسكرية في النقب.
واستدل الخبير العسكري على رؤيته بقوله إن تلك الهجمات والهجمات المضادة جرت «في ظلّ وجود رئيس الأركان الأمريكي بالمنطقة، ما يعني أنه كان هناك إشراف أمريكي على تلك العمليات».
وبحسب الخبير العسكري فإنّ اعتبار ذلك الهجوم الذي جاء برعاية أمريكية منسقا، فإنه يعني أن الولايات المتحدة قادرة على ضبط حدوده، وحجمه ومفاعيله وأهدافه مسبقا، مشيرا إلى أنه «لا أحد يستطيع إنكار ما تستطيع الولايات المتحدة أن تقوم به على صعيد ضبط الاشتباكات في المنطقة».
aXA6IDMuMTQxLjIuMTkxIA== جزيرة ام اند امز