حزب الله وترسيم الحدود.. صمت وغموض و"صفقة" تحت الطاولة
تخيّم على أجواء ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان هالة من الغموض، يتخذ فيها حزب الله "تقية سياسية"، تثير الكثير من التساؤلات حول أهداف وغايات الحزب المسلح.
وفجأة تحول حزب الله مؤخرا بين المتاجرة السياسية بقضية الغاز ونهج التشدد في الملف، إلى التساهل حد الخنوع، وسط تقارير عن سعي منه لاتفاق يحقق فيه مصلحة خاصة، أوضحها ضمانات على ترسانته من الأسلحة في اتفاق تحت الطاولة مع الإسرائيليين.
وتتخذ مواقف حزب لله الذي يلتزم الصمت حول الأزمة الأخيرة التي أثارتها سفينة "إنرجين باور" التي وصلت للتنقيب لصالح إسرائيل في حقل "كاريش"، مع النزاع بين تل أبيب وبيروت، لضبط حساباته السياسية الخاصة.
وينظر حزب الله، الذي يملك أكثرية بمشاركة حلفائه في حزب التيار الوطني الحر، إلى أزمة ترسيم الحدود كورقة سياسية، ينبغي الاستفادة منها لتخفيف ضغط الأزمة المالية في لبنان، وفي إيران، أكبر ممول للحزب.
ويتماهى موقف حزب الله "الباهت"، مع تحركات الرئيس اللبناني ميشال عون؛ الذي عقد مساء الإثنين اجتماعًا مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، لبحث أزمة منصة التنقيب الإسرائيلية، فيما لا يزال يتلقى تقارير من قيادة الجيش حول تحركات السفينة قبالة المنطقة الحدودية البحرية، بحسب بيان للرئاسة اللبنانية، في موقف اعتبره مراقبون لا يرقى لحجم الحدث.
ووسط مواقف لقوى سياسية وشعبية غاضبة من تحركات المنصة الإسرائيلية، إلا أن موقف مليشيات حزب الله كان مثار علامات استفهام كبيرة، خاصة بعد أن خفت صوته، واختبأ قادته خلف المواقف الرسمية للدولة اللبنانية والتي لم يكن الحزب يومًا منساقا معها.
فحزب الله الذي ورّط الدولة اللبنانية في العام 2006 في حرب تدميرية عرفت فيما بعد بـ"حرب تموز"، بعد قراره اختطاف وقتل جنود إسرائيليين، واجه في العام 2008 الحكومة اللبنانية اعتراضاً على تفكيك شبكة هاتفه الخاصة.
راية العصيان
حزب الله الذي يرفع دومًا راية العصيان في وجه الدولة وأجهزتها الرسمية، جاء موقفه من "الاعتداء" على حقوق لبنان البحرية باهتًا، خاصة بعد أن رمى نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم الكرة في مرمى السلطة التنفيذية على غير العادة، حين قال إن "المسألة تتطلب قراراً حاسماً من الدولة اللبنانية، التي ينبغي أن يكون لديها ضغط أكثر في مسألة ترسيم الحدود البحرية".
أما ممثل الحزب في الحكومة اللبنانية فقال إنه تم تعيين مسؤول رفيع المستوى في حزب الله متخصص بملف ترسيم الحدود ومعه فريق يعملون طيلة الأربع وعشرين ساعة، بتريث من أجل الحفاظ على الإجماع الوطني حول الملف، وهو تريث وانتظار غير مألوف أيضا.
مواقف فسرها الأستاذ الجامعي والباحث مكرم رباح، بأن حزب الله غير قادر على التصرف من تلقاء نفسه، مشيرًا إلى أنه ينتظر قراراً إيرانيا بهذا الشأن، بدليل "التواطؤ بينه وبين رئيس الجمهورية ميشال عون على إهمال حدود لبنان وعدم توقيع مرسوم قانوني بهذا الشأن"، على حد قوله.
وأوضح رباح، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، أن "هذا الموقف يدل مباشرة على أن حديث الحزب عن المقاومة هو كذب ومهزلة وهرطقة سياسية، خصوصاً بعد الحديث عن صفقة إسرائيلية لم يبد اعتراضه عليها".
وفند الأستاذ الجامعي مزاعم البعض بأن عدم قيام الحزب بأي خطوة عسكرية يندرج ضمن إطار حكمة سياسية معينة يتمتع بها الحزب، مشيرًا إلى أن الأمر لا يعدو كونه "سخافة"، كون الحزب "مسّيراً وليس مخيّراً"، في إشارة إلى تحكم إيران.
تواطؤ وتخاذل
واعتبر رباح، عدم توقيع الرئيس عون مرسوم الحدود البحرية وعدم إرسال الملف الى التحكيم الدولي نوعًا من "التواطؤ"، يؤكد نظرية الصفقة التي يديرها عون بالاتفاق مع حزب الله، ما يجعله غير مؤهل للحكم.
بدوره، قال المحلل السياسي طوني بولس، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، إن حديث أمين عام حزب الله حسن نصرالله عن مليارات موعودة من الغاز بمثابة "بَيع سمك في البحر".
وكان نصرالله، طالب في تصريحات سابقة، بضرورة الإسراع باستخراج الثروة النفطية والغازية الموجودة في المياه الإقليمية والمنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان، والتي زعم أنها تصل إلى 500 مليار دولار، بدلاً من أن يتسوّل لبنان بضعة مليارات من صندوق النقد الدولي، على حد قوله.
إلا أن المحلل طوني بولس، قال إنه "حتى لو بدأ لبنان التنقيب عن النفط والغاز الآن، فإنّ استخراجه والاستفادة منه يتطلّبان سنوات عدة، فضلاً عن أن شركات التنقيب لن تتخذ أي خطوة نحو استخراج النفط قبل ترسيم الحدود البحرية الجنوبية مع إسرائيل.
مفاوضات غير مباشرة
طوني بولس أوضح أيضا أن حسن نصرالله يدرك أنه من دون وصول المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل حول الترسيم إلى نتيجة نهائية، فإنه لا يُمكن للبنان أن يستفيد من ثروته النفطية مهما حدث، لذا فهو يدفع إلى هذه المفاوضات حتى ولو كانت برعاية الإدارة الأمريكية التي يعتبرها منحازة.
وحول إمكانية استفادة لبنان من الأزمة الأوكرانية، بأن تكون سوقا بديلا للغاز الروسي، استهجن بولس مثل تلك التصريحات، مشيرًا إلى أن هذا الأمر لن يحدث قريبا في لبنان، مهما بلغت التنازلات والتسويات.
تلك التصريحات، أكدتها مصادر دبلوماسية مطّلعة، قائلة إنه "لا شك في أنّ الأمريكيين والإسرائيليين يريدون ترسيم الحدود، لكن اللبنانيين لا يعرفون حدودهم لكي يُنجز هذا الترسيم".
وأوضحت المصادر، في تصريحات لـ"العين الإخبارية": "حدود المنطقة اللبنانية في الأمم المتحدة هي الخط الرقم 23، فيما الوفد اللبناني المفاوض سابقاً في الناقورة حدّد هذه الحدود عند الخط 29"، مشيرة إلى أنه بينما الرئيس عون لم يوقع مرسوماً يشرّع الحدود عند هذا الخط، بدأت إسرائيل تنقّب عن الغاز والبترول وتستغل الأراضي المتنازَع عليها.
وأضافت، أنه حتى لو أُنجز ترسيم الحدود الآن، فإنّ الاستفادة لبنانياً من هذه الثروة خلال أزمة حرب روسيا على أوكرانيا غير فاعلة، لأنّ استخراج الغاز يتطلّب سنوات عدة.
بداية المفاوضات
وبدأت المفاوضات غير المباشرة بوساطة أمريكية في 2020 في قاعدة لقوات حفظ السلام تابعة للأمم المتحدة في الناقورة بلبنان.
والمفاوضات بين لبنان وإسرائيل حول ترسيم الحدود البحرية مجمدة منذ مايو/أيار 2021، بعد عقد 5 جلسات محادثات برعاية الأمم المتحدة ووساطة أمريكية، دون التوصل إلى اتفاق.
وتشكل مسألة ترسيم الحدود البحرية أهمية بالغة للبنان، حيث سيسهل الأمر من استكشاف الموارد النفطية ضمن مياهه الإقليمية.
والمفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل كانت من المفترض أن تقتصر على مساحة بحرية تقدر بنحو 860 كيلومترا مربعا، استنادا لخريطة تم إرسالها عام 2011 إلى الأمم المتحدة.
لكن لبنان اعتبر لاحقا أن تلك الخريطة استندت لتقديرات خاطئة، مطالبا بمساحة إضافية تبلغ 1430 كيلومترا مربعا.
aXA6IDMuMTM5LjEwOC40OCA= جزيرة ام اند امز