دلالات تصنيف باراجواي "حزب الله" منظمة إرهابية
في التاسع من أغسطس الجاري، وقّع رئيس باراجواي "ماريو عبده بينيتز" مرسوما رئاسيا، تم بمقتضاه تصنيف حزب الله منظمة إرهابية.
في التاسع من أغسطس/آب الجاري، وقّع رئيس باراجواي "ماريو عبده بينيتز" مرسوماً رئاسياً تم بمقتضاه تصنيف حزب الله منظمة إرهابية، لتكون بذلك ثاني دولة في أمريكا اللاتينية بعد الأرجنتين، تتخذ هذه الخطوة. الأمر الذي يكشف بجلاء عن توجه لاتيني لمحاصرة نفوذ حزب الله المتعاظم في نصف الكرة الغربي، لتكون القارة اللاتينية بذلك محوراً مهماً في إطار المواجهة الأمريكية الإيرانية، وكذلك طرفاً أساسياً في الحرب الأمريكية ضد إرهاب حزب الله.
أسباب متعددة
يثير القرار الذي اتخذته كل من الأرجنتين في يوليو/تموز الماضي وباراجواي في أغسطس/آب الجاري، بتصنيف حزب الله منظمة إرهابية، العديد من التساؤلات حول الأسباب والعوامل التي دفعت البلدان لاتخاذ مثل هذا القرار في هذا التوقيت بالتحديد، خاصة أن وجود حزب الله في أمريكا اللاتينية عموماً، وفي الأرجنتين وباراجواي خصوصاً، ليس بالأمر المفاجئ أو الجديد. في هذا السياق، يمكن القول إن هناك عدة أسباب تفسر اتخاذ هذا القرار من أهمها:
1- التصدي لتهديدات الأمن القومي: كشفت العديد من التقارير الاستخباراتية عن وجود خلايا تابعة لحزب الله في المنطقة الواقعة على الحدود ما بين البرازيل والأرجنتين وباراجواي، فيما يُعرف بـ"المثلث الحدودي".
وينشط أنصار حزب الله في هذه المنطقة منذ عدة سنوات، من خلال القيام بالعديد من الأنشطة غير المشروعة، والتي من بينها الاتجار في المخدرات والسلاح والعملات، وكذلك الاتجار في البشر وغير ذلك.
وقد نجح حزب الله، من خلال أنشطته غير المشروعة وتحالفه مع عصابات الجريمة المنظمة في أمريكا اللاتينية، في توفير التمويل اللازم لتنفيذ عملياته الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط. ووفقاً لمجلة "فورين بوليسي"، تُقدر حركة تجارة المخدرات في المثلث الحدودي بنحو 14 مليار دولار.
والأمر لا يتوقف عند حد ممارسة أنشطة غير مشروعة بغية تمويل العمليات الإرهابية لحزب الله، بل إن الأمر يتخطى ذلك؛ ليشمل تنفيذه عمليات إرهابية على أراضي بعض دول أمريكا اللاتينية؛ إذ قام الحزب بتنفيذ عمليتين إرهابيتين في الأرجنتين، وقّعت الأولى في السابع عشر من مارس/آذار 1992، واستهدفت السفارة الإسرائيلية في بوينس آيرس، مما أسفر عن مقتل 29 شخصاً وإصابة 242 آخرين.
أما العملية الإرهابية الثانية فقد وقعت في الثامن عشر من يوليو/تموز 1994، واستهدفت مبنى جمعية الصداقة اليهودية – الأرجنتينية في بوينس آيرس، وأسفرت عن مقتل 85 شخصاً وجرح أكثر من 300 آخرين.
وقد حمّلت الحكومة الأرجنتينية، حزب الله، المسؤولية عن هذين التفجيرين، وطالبت السلطات الإيرانية بالتعاون مع الجهات المعنية في الأرجنتين.
كما أعلنت الحكومة الأرجنتينية في بيان لها في يوليو/تموز الماضي، أن "حزب الله ما زال يمثل تهديداً للأمن وسلامة النظام الاقتصادي والمالي للبلاد"، كما كشف وزير داخلية باراجواي "خوان إرنيستو فيلامايور" في مؤتمر صحفي عُقد في التاسع عشر من الشهر الجاري، عن "أن الأجهزة الأمنية والاستخباراتية لبلاده لديها معلومات عن وجود علاقة بين حزب الله ومنظمات إجرامية في المثلث الحدودي؛ حيث يشترك في تهريب المخدرات وغسيل الأموال".
2- التقارب مع الولايات المتحدة: لا يمكن استبعاد تأثير العامل الأمريكي من تفسير الخطوة التي اتخذتها الأرجنتين وباراجواي، في ظل مساعي الدولتين إلى كسب ود الإدارة الأمريكية.
وفي هذا السياق، قامت واشنطن خلال الشهور الماضية، بالضغط على حكومات دول القارة اللاتينية من أجل اتخاذ موقف متشدد من حزب الله؛ حيث كان التصدي لنفوذ الحزب من القضايا المطروحة دوماً على أجندة زيارات وكذلك اجتماعات كبار المسؤولين الأمريكيين مع نظرائهم في أمريكا اللاتينية. فخلال الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي للأرجنتين في 18 يوليو/تموز الماضي؛ للمشاركة في الاحتفال بالذكرى الخامسة والعشرين، لتفجير مبنى جمعية الصداقة اليهودية – الأرجنتينية، شدد "مايك بومبيو" على أن مليشيا حزب الله الإرهابية لا تزال تشكل تهديداً للأمن الدولي والإقليمي.
وتبرز الضغوط الأمريكية بشكل واضح على باراجواي التي نفت على مدار الشهور الماضية على لسان وزير خارجيتها علانية، أن يكون حزب الله قد شارك في أنشطة تمويل غير مشروعة في باراجواي، ولكن الزيارات المتكررة التي قام بها كبار المسؤولين الأمريكيين، ومنها الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي إلى باراجواي في أبريل/نيسان الماضي (الزيارة الأولى لمسؤول أمريكي رفيع المستوى إلى باراجواي منذ عام 1965)، قد أسهمت في إقناع حكومة البلاد بضرورة العمل على تقييد أنشطة حزب الله.
وتأتي الضغوط الأمريكية على دول أمريكا اللاتينية لتقييد أنشطة حزب الله في المنطقة، في ظل التوتر الحادث مؤخراً في العلاقات الأمريكية الإيرانية، والذي دفع طهران إلى تعزيز حضورها في أمريكا اللاتينية، وذلك بهدف التخفيف من الضغوط الأمريكية المفروضة على حزب الله من ناحية، وإيجاد ملاذ آمن لعملائه الإرهابيين في نصف الكرة الغربي، وكذلك تعويض النقص الحاد في مصادر تمويله من ناحية أخرى، الأمر الذي عدته الولايات المتحدة تهديداً لأمنها القومي، ولنفوذها المتنامي في نصف الكرة الغربي. لذا فإن نجاح الضغوط الأمريكية على بعض دول القارة اللاتينية هو بمثابة انتصار جديد لواشنطن في مواجهة حزب الله.
3- الأوضاع الداخلية: لعبت الضغوط السياسية والاقتصادية الداخلية التي تتعرض لها حكومتا الأرجنتين وباراجواي دوراً مهماً في تبنيهما لهذا القرار؛ في ظل حاجة حكومتي البلدين إلى الدعم الأمريكي في مواجهة الأزمات السياسية والاقتصادية التي تواجهها. فمن ناحية، تعاني الأرجنتين من أزمة اقتصادية حادة أدت إلى استقالة وزير الخزانة، عقب تعرض البيزو الأرجنتيني لهبوط حاد، بعدما تمخضت الانتخابات التمهيدية عن فوز المعارضة اليسارية في الانتخابات التمهيدية التي شهدتها البلاد في الحادي عشر من أغسطس/آب الجاري؛ حيث اعتبرت هذه الانتخابات بمثابة استفتاء على إجراءات التقشف التي تعتزم حكومة الرئيس موريسيو ماكري تنفيذها، كما خفضت وكالتا فيتش وستاندرد آند بورز، تصنيفهما للدين السيادي الأرجنتيني، مما أثار شبح تخلف الأرجنتين عن سداد ديونها مع اقتراب موعد الانتخابات العامة المقرر إجراؤها في 27 أكتوبر المقبل.
وفي هذا السياق، أكد وزير الخارجية الأمريكي خلال لقائه مع الرئيس الأرجنتيني في يوليو/تموز الماضي، دعم بلاده لجهود الإصلاح الاقتصادي في بلاده، كما لعبت واشنطن دوراً مهماً في إقناع صندوق النقد الدولي بالإفرج عن شريحة بقيمة 5.4 مليار دولار من قرض للأرجنتين، وذلك قبل أيام قليلة من تصنيف الأخيرة إيران منظمة إرهابية.
وفي الوقت ذاته، يواجه رئيس باراجواي في الوقت الراهن، ضغوطاً شديدة من قبل المعارضة التي تسعى إلى توجيه الاتهام له بالتقصير، على خلفية إبرامه اتفاقاً للطاقة مع البرازيل، كان من شأنه أن يُكلف بلاده ما يقرب من 250 مليون دولار، وذلك لشراء الكهرباء من محطة توليد الطاقة الكهرومائية في إيتايبو، وهي مشروع مشترك بين البلدين، حتى عام 2022. وهو الاتفاق الذي واجه معارضة قوية داخل باراجواي، وأدى إلى استقالة وزير الخارجية وعدد من كبار المسؤولين.
وارتباطاً بذلك، كشف استطلاع للرأي أن نسبة الرفض الشعبي لماريو عبده خلال العام الأول من رئاسته للبلاد بلغت 69 في المائة، خاصة مع تباطؤ معدل النمو الاقتصادي بسبب انخفاض الإنتاج الزراعي والتوترات التجارية العالمية، فضلاً عن الأزمة السياسية التي دفعت رئيس باراجواي إلى إلغاء الاتفاق الموقع مع البرازيل.
التداعيات المحتملة
يُمكن رصد عدد من التداعيات المحتملة لقرار حكومة الأرجنتين وباراجواي تجميد أصول حزب الله، وتصنيفه منظمة إرهابية، وذلك على النحو التالي:
1- محاصرة نفوذ حزب الله: إن قرار الأرجنتين وباراجواي تصنيف حزب الله منظمة إرهابية وتجميد أصوله، من شأنه أن يوفر الأساس القانوني لاتخاذ الإجراءات اللازمة لمحاصرة أنشطة غسيل الأموال التي يعتمد عليها الحزب لتمويل عملياته، وهو الأمر الذي سيتسبب في مضاعفة الضغوط المالية التي يواجهها الحزب، خاصة مع العقوبات الأمريكية المفروضة عليه.
وفي الوقت ذاته، يمكن أن تُسهم تلك الخطوة في تقييد حركة خلايا حزب الله ومراقبة أنشطتها المتسببة في عدم الاستقرار في نصف الكرة الغربي.
وفي هذا السياق، جاء في بيان لوزير الخارجية الأمربكي، بشأن تصنيف باراجواي "حزب الله" منظمة إرهابية: "ستُساعد هذه الخطوة المهمة في منع حزب الله من القيام بهجمات إرهابية، وجمع الأموال في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الجانب الغربي من العالم".
ووفقًا لبيان وزير داخلية باراجواي، فإن "هذا القرار يُلزم سلطات بلاده بتعزيز الإجراءات لمكافحة الإرهاب الدولي، خاصة محاربة تمويله وتشديد الرقابة على تحويل الأموال".
كما أكد البيان "اهتمام البلاد بفرض الأمن الكامل في منطقة الحدود الثلاثية، والمعروفة بكونها حلقة أمنية ضعيفة تمر من خلالها المسروقات والمخدرات؛ لتمويل القاعدة وحزب الله في لبنان".
ومن الإجراءات الأخرى التي قد تفرض مزيداً من القيود على نشاط حزب الله في أمريكا اللاتينية، الاتفاق الذي تم التوصل إليه في يوليو/تموز 2019، بين البرازيل وباراجواي والأرجنتين، بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية لإطلاق خطة (3+1) التي يتم بموجبها تقديم الدعم الأمريكي لتلك الدول إلى جانب دول لاتينية أخرى، للتصدي للوجود الإيراني بالقارة، وإيقاف نشاط حزب الله داخلها، وكذلك منعه من تمويل عناصره على حساب أمن دول القارة، كما تشمل الخطة اجتماعات وزارية للدول المذكورة، من أجل التأكد من أن منطقة المثلث الحدودي لم تعد ممراً لتمويل حزب الله.
2- تشجيع دول أخرى على أن تحذو حذوهما: من النتائج المحتملة لهذه الخطوة ما يُعرف بـ"تأثير الدومينو" في جميع أنحاء المنطقة، مدفوعاً بالضغوط الأمريكية في هذا الاتجاه؛ حيث أعرب بومبيو عن تفاؤله بأن الدول الأخرى قد تحذو حذو الأرجنتين وبارجواي في إعلان حزب الله جماعة إرهابية، في حين دعا الأمين العام لمنظمة الدول الأمريكية "لويس الماغرو"، الدول الأخرى لفعل الشيء نفسه.
وتُشير بعض التوقعات إلى اتجاه البرازيل لاتخاذ خطوة مماثلة، في ظل مساعي الرئيس البرازيلي الجديد جايير بولسونارو، إلى تعزيز علاقات بلاده مع الولايات المتحدة، وحاجته إلى الحصول على موافقة واشنطن على توقيع اتفاق للتجارة الحرة مع بلاده، خاصة أن الولايات المتحدة تُعد ثاني أكبر شريك تجاري للبرازيل بعد الصين.
غير أن اتخاذ البرازيل مثل هذه الخطوة لن يكون بالأمر السهل، في ظل وجود بعض الصعوبات القانونية المتعلقة بتعريف الإرهاب؛ فالأمر قد يقتضي إصدار تشريع جديد يتطلب موافقة أغلبية أعضاء الكونجرس البرازيلي، فضلاً عن إثارة غضب العرب واللبنانيين الموجودين في البرازيل التي تضم أكبر جالية عربية في أمريكا اللاتينية، إضافة إلى المخاوف من أن يؤدي هذا الإجراء المرتقب إلى توتر في العلاقات مع إيران التي تستورد منتجات من البرازيل، بما يعادل نحو ملياري دولار سنوياً، إلى جانب القلق من أن تصبح البرازيل هدفاً محتملاً لهجمات حزب الله الإرهابية.
aXA6IDE4LjExNi40MC4xNTEg جزيرة ام اند امز